محور المقاومة الذي بنته إيران وسلحته بما فيه المقاومة الفلسطينية وبشكل رئيسي حماس والجهاد، وساعدتها أيضا بإنجاز بنيتها التحتية التي تمكنها من الصمود والقتال، أقول هذا المحور وبعد مرور حوالي 11 شهرا على العدوان لم يجد السبيل للآن لإيقاف المذابح الإبادية الجماعية لشعب غزة المدني والأعزل، ولا السبيل لاستمرار المد التسليحي للمقاومة الغزية في ظل الحصار الاسرائيلي والعربي لغزة من كل الجهات، لا سيما بعد أن تخاذلت مصر عن مواجهة احتلال الكيان لأراضيها المعنية المحاذية لغزة (فيلادلفيا ومعبر رفح ), وكذلك في ظل تواطؤ المطبعين العرب مع الكيان ومشاركتهم العملية له هجوما ودفاعا وإمدادا. فماذا يتوقع العاقل والسوي أخلاقياً من محور المقاومة أو من ايران بالذات أن تفعل في ظل الحصار العربي الصهيوني لغزة، وكنا قد واكبنا التحالف الامريكي الصهيوني العربي وهو يصد هجوما إيرانيا جويا على الكيان لغرض محدود. وما زالنا نواكب مساندة وتضحيات حزب الله واليمن وباقي دول المحور. وأحاول في الفقرتين التاليتين الاجابة على تساؤل الكثيرين ممن تسكن في قلوبهم الصهيونية وبعبع إيران، والذين ينسون دور وفعل وتحالف أنظمتهم مع الكيان ويريدون من ايران أن تحرر فلسطين من دول الأطلسي دون ادراك لقواعد التحرير ولما قدمته إيران على هذا لطريق، بينما هم وأنظمتهم عبيد يحتاجون لتحرير انفسهم وبلدانهم وكرامتهم وشرفهم ولا يأبهون.
نبدأ بالبديهية التي يجب أن لا ننساها لسلامة التقييم والحُكم. وهي أن تحرير فلسطين لا يكون بالجيوش النظامية ولا بتدمير الكيان طالما أن أمريكا والغرب سيعيدون بناءه بمواصفات افضل. فتحرير الأوطان من الإحتلال كفلسطين في ظل التوازنات والتحالفات العسكرية المعاصرة لا يتم منطقيا إلا بحرب التحرير الشعبية او حرب العصابات طويلة النفس التي تقنع بالمحصلة الكيان كمحتل لوطن باستحالة استمرار احتلاله وباستحالة تحقيق أمنه واستقراره وبعدم جدوى وفاعلية تفوقه العسكري والتكنولوجي. وبالتالي اضطراره لاستخدام ميزان الربح والخسارة وميزان مفهوم الجدوى. وقالها السيد نصرا الله دون تفصيل بأن فلسطين لا تحرر بالضربة القاضية بل بالنقاط.. ومن هنا فالعاقل لا يتوقع من حزب الله أو ايران أن تفتح حرباً اقليمية لتطيح بمنجزاتها بالمجان مقابل تدمير الكيان أو بعضه واعادة بنائه ودون تحرير شبر من فلسطين. فنحن كشعب عربي وكفلسطينيين تقاطعت مصالحنا وأهدافنا لحد كبير مع ايران كما لم تتقاطع مع أي دولة أو جهة بالعالم، وقامت ايران وتقوم بالمطلوب منها من بناء وتعزيز ودعم المقاومة الفلسطينية وهي المقاومة التي نتغنى بها اليوم ورفعت رأس العرب علياً.
وكنا بهذا محظوظين بما قدمه ويقدمه لنا محور المقاومة أو لنقل إيران الدولة الوحيدة على الأرض التي ترفض من حيث المبدأ الاعتراف بشرعية كيان الاحتلال ومدت المقاومة الفلسطينية بالخبرات العسكرية والتكنولوجية وبالسلاح وبالبنية التحتية للصمود في أرض مفتوحة ومكشوفة، وذلك بعد أن خذلتنا الأنظمة العربية وجعلت هاجسها خدمة العدو في القضاء على المقاومة الفلسطينية من خلال المذابح الجماعية أو بمساندة كيان الاحتلال وبمشاركتها له في عدوانه والدفاع عنه علناً لا سراً بصورة أذهلت اوروبا والعالم في هذا ً الموقف المستهجن. وبالمقابل ماذا قدمت الانظمة العربية لإيران وخاصة الخليجية وغيرها ؟ فقد أحاطتها بأكبر وأوسع شبكة من القواعد العسكرية والاستخبارية الأمريكية الصهيونية مهددة أمن ايران القومي ظلما وعدوانا وكفراً. وعلى كل الأحوال فإن المسلم الصادق والعربي الحر يشكر ايران على ما قدمته وستقدمه نصرة لله وشعب فلسطين والأقصى. وكذا باقي محور المقاومة.
نعود للموضوع ونقول بأن الكيان وبجانبه أمريكا أصبحوا مطلقي اليد في الحرب على غزة والضفة وشعبهما. فالواقع أن حرب الكيان في غزة التي يدعي بأنها مع المقاومة هو كلام مغرض. والصحيح أنه في حرب تدميرية لغزة كقطاع ومؤسسات وارتكاب مذابح الابادة ضد شعبه الأعزل. فجيش الكيان لا يواجه المقاومة الفلسطينية بل أن المقاومة هي من تهاجم جيش الكيان حيثما يتمدد، والمقاومة وصموها وبطولاتها النادرة هي من أفشلت وتفشل أهداف الكيان وحلفه من حربه هذه، تماما كصمود غزة وشعبها وتمسكهم بأرضهم وبمقاومتهم رغم مذابح الإبادة. فحرب الكيان على شعب أعزل وتحت الاحتلال والحصار هي أجبن حرب لأقذر جيش ووصمة عار أبدية على جبين أوروبا وأمريكا وحثالة خون البشرية من حكامنا العرب. وأختار من بين الدول الاسلامية تركيا التي لا يستحي نظامها حين يتكلم ويزاود ويكذب وحين لا يستحي عندما يتكلم عن الخلافة وما هي سوى خلافة صهيونية. وسيأتي يوما يتحرك فيه شعبنا التركي المسلم الذي خُدع حين أوصل اردوغان للحكم لإسلاميته. وبالنتيجة تنكر لفلسطين والأقصى وداوم على دعمه للكيان.
والمؤلم إن الكيان أصبحت لديه ثقة بناها في الأسابيع الأخيرة باستفراده بالفلسطينيين وبقضيتهم ـ وبأنه لا خطر عليه من حرب مفتوحة مع حزب الله أو حرب اقليمية تشتعل مع ايران او مع محور المقاومة. ولذلك فإنه وبالإتفاق مع امريكا بصدد استنساخ حرب غزة في الضفة الغربية ولكن بالتقسيط الخفيف ليخبئ على وحشيته إعلامياً. وفي هذا لديه أكثر من سيناريو على أسس من برامج الذكاء الإصطناعي. وبتقديري أن العدو بصدد ثلاثة أهداف متكاملة:
ـ الأول: مسح المخيمات في القطاع والضفة للقضاء عليها كمراكز مقاومه وعنوان بارز لقضية اللاجئين كأهم ملف سياسي للقضية الفلسطينية ووجودها على الأجندة الدولية والأمم المتحدة.
ـ الثاني: مسح كل المؤسسات المدنية والرسمية كعناوين لوجود دولة او امكانية انشاء دولة. وصنع الشعور لدى المواطنين الفلسطينيين بأنه لا مواطنية لهم في فلسطين ولا جهة رسمية لهم تحميهم وترعى متطلبات حياتهم وصولاً لتأهيلهم للرحيل الطوعي او القسري.
ـ ثالثا: ستجبر أو سيطلب من مصر والأردن استيعاب المهجرين من غزة والضفة بحيث يعود الغزيون كفلسطينيين تحت الادارة المصرية على الارض المصرية. ويعود فلسطينيو الضفة للأردن كمواطنين اردنيين مع تجنيس اللاجئين وتوطينهم وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية. هم يعرفون بأن سيناريوهاتهم هذه ومخططهم ليس مجرد قرار لهم، وبأن كل هذا يخضع للميدان النضالي للشعب الفلسطيني ولردود الفعل الشعبية في الاردن ومصر وفلسطين. وكذلك لردود الفعل الدولية.
الآن، وفي ظل عجز الأمم المتحدة ومحكمتها والجنائية الدولية وحكومات الغرب والشرق والعرب المطبعين وغير المطبعين وشعوب العالم الحرة عن فعل شيء لوقف المذابح الجماعية ووقف مسح البنية التحتية للفلسطينيين في القطاع والضفة، والتهيؤ لضم الضفة وتهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية وإعلان يهودية الدولة، أقول في ظل كل هذ فإننا نحتاج لعمل اختراقي عاجل كفيل بتفعيل ارادة الدول الأوروبية وأمريكا بوقف دعمهم الكيان وإجباره على التخلي عن اعتماد المذابح الجماعية والتهجير وكل ما ذكرنا في مخططها.
وخطابي لتحقيق هذا هنا هو إلى ثلاث جهات عربية مطبعة هي مصر والأردن والسلطة.وهي الجهات التي تتحمل مباشرة مسؤولية تشجيع ونجاح وتمكين الكيان من كل أفعاله بما تقدمه له من أرضية.إضافة الى هذا فهي الجهات التي تتحدى شعوبها في المراهنة مع الكيان على القضاء على المقاومة وفكرتها كعمل إرهابي يقف حجر عثرة أمام الحل السلمي الذي يعيد بنظرهم الحقوق الفلسطينية ويؤمن للفلسطينيين دولتهم. والواقع بين هلالين أن هدف الكيان من القضاء على المقاومة هو تمهيد الطريق لتنفيذ مخططاته بتصفية القضية والتوجه لمواجهة الدول العربية ذاتها وتبديل أنظمتها لمهام جديدة. الآن الجهات الثلاث هي التي ابرمت معاهدات سلام مع العدو تقوم من خلال ديباجاتها على أنها جاءت كجزء من تسوية شاملة تشمل تفعيل الشرعية الدولية وتسوية ملفات القضية الفلسطينية وانسحاب اسرائيل من الاراضي المحتلة وتحقيق الدولة الفلسطينية. هذه الأنظمة الثلاثة أصبحت الآن تشهد انكاراً عمليا وانتهاكات كبيرة لبنود هذه المعاهدات من الجانب الصهيوني وترضخ لذلك على أساس من تبريرات خادعة يقدمها الكيان، لكن الأهم على الإطلاق أنها شهدت الكيان مؤخراً وهو يقنن ويعلن على الملاء أن لا دولة فلسطينية.
هنا نسأل هذه الأنظمة الثلاثة التي طالما اتهمناها بخطئها وتواطؤها وخيانتها، وطالما ردت علينا بأنها على حق وأن سياسة التطبيع والمعاهدات ومفاوضات السلام هي وحدها القادرة على خدمة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني واسترجاع الحقوق الفلسطينية وقيام الدولة الفلسطينية طبقاً للشرعية الدولية وأن المقاومة حجر عثرة امام هذا وعمل تخريبي وإرهابي. نسألها بعد ان استمعت لقرار الكيان في غمرة مذابحه، الذي يؤكد على رفضه لأية دولة فلسطينية، ما هو ردها علينا على هذا القرار وكل ما يفعله الكيان ويعلنه من مخططات ستنال منها كأنظمة وكدول وشعوب. بالتأكيد هذه الأنظمة الثلاثة بما قدمته للكيان من خدمات ودعم له لا يمكن تعويضه او استبداله (indispensable ) فإنها تتحمل المسؤولية الرئيسية والمباشرة بأعلى درجات الخيانة العظمى ومتعددة الإتجاه والأهداف والأغراض، تتحملها على انفراد وبالتكافل والتضامن. وقبل أن اقدم اقتراحي لهذه الأنظمة، أذكرها بأن الكيان لا يرتكب مذابحه الجماعية وازالة معالم غزة والضفة ومخططه السياسي لحسابه وحده بل لحساب امريكا وبريطانيا وفرنسا وبمشاركتها العسكرية. فهم صناع الكيان كمستعمرة متقدمة لهم في المنطقة. فكلمتهم مسموعة وضغطهم منتج على الكيان.
يمكن لهذه الأنظمة التي تدعي امام شعوبها بأنها حرة ووطنية وصاحبة قرار،أن تبادر بعد أن أصبحت تواجه الحقيقة بأعينها وأذانها وتستشعر أن الدور عليها كأنظمة ودول وشعوب قد اقترب، أن تبادر بأخذ قرارات مبررة في ضوء ماتقدم. قرارات كفيلة بأن تهز أوروبا وأمريكا وتجبرها على وقف اللعبة وحرب الابادة والمخطط السياسي الاسرائيلي التصفوي للقضية الفلسطينية. فبإمكان مصر والأردن أن تقفزا عن ذلهما وعن اصرار الكيان على تجاهل بنود معاهدتي كامب ديفيد ووادي عربة وعن التنكر لحقوق الفلسطينيين ولدولة فلسطينية وإيغاله بمذابح جماعية ابادية في الشعب الفلسطيني أن تعلنا عن تجميد المعاهدتين. وان تقوم سلطة رام الله بتقديم قرار حل نفسها الى الاتحاد الأوروبي وأمريكا. مثل هذه القرارات الاحادية أو الموحدة يعني لأوروبا العودة للمربع واحد وتغيير مسار الصراع العربي الصهيوني كليا ويؤدي لثورات شعبية مؤيدة لهذه الأنظمة وربما يجبر مصر والأردن لتحالفات جديدة وهذا هو الخطر الأكبر على الغرب كله. وعلى الصعيد الفلسطيني سيؤدي حتما الى اعادة ترتيب البيت الفلسطيني ومنظمة التحرير ووحدة الشعب الفلسطيني على استراتيجية المقاومة ولتغيير كبير في سياسات الدول الاسلامية وشعوب وبلدان العالم إزاء الكيان.
وفي الختام فإني قد كتبت ما كتبت في أعلاه وتجاوزت حدود التفاؤل لأن الأمر جلل، ولكن إيماني بالله كبير بأن كسر ارادة الكيان ورهطه وإفشال مخططاتهم وتحرير فلسطين سيكون على يد هؤلاء الرجال الفلسطينيين المقاومين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وعلى الشعب الفلسطيني الصامد ومبايعته لقيادة المقاومة. وأن الدماء التي سالت وتسيل في غزة والضفة هي قربان لله على ثرى فلسطين والأقصى وثمنا لمرضاة الله وملاقاته تعالى بوجه حسن.