توقفت التكهنات الأمريكية والإسرائلية بشأن توقيت رد محور المقاومة على اغتيال هنية وشكر آواخر يوليو المنصرم بعد أن كشفت تلك التكهنات ومحاولات الإدعاء “بالقوة الاستخباراتية” أن جميع القراءات للتدابير والخطط الإيرانية وتوقيت الرد كانت خاطئة .
وبدافع القلق والتقدير بأن رد المحور كان وشيكا كشفت واشنطن في غضون أقل من 10 أيام جميع ما ستقوم به للتصدي للانتقام الذي سينفذه المحور، طهران ، صنعاء ، وحزب الله ، وربما أيضا المقاومة الفلسطينية والمقاومة الإسلامية في العراق ، وهو ما كان يجب أن تعرفه الجمهورية الإسلامية وحزب الله والقوات المسلحة اليمنية قبل أن يصمموا الرد ، بناء على هذا التحرك .
فبالإضافة إلى أن البيت الأبيض كشف بطريقة مباشرة وغير مباشرة إعداده تحالفا أمريكيا أوروبيا يضم بريطانيا وألمانيا وفرنسا وايطاليا وحتى بعض عربي لحماية ” إسرائيل ” فإن الولايات المتحدة الأمريكية عجّلت من التحرك العسكري، فأرسلت حاملة الطائرات الأميركية الهجومة يو اس اس ابراهام لينكلن إلى البحر الأبيض المتوسط والتي من اسطولها طائرات الشبح F35 وF22 بالإضافة إلى تحريك حاملة الطائرات روزفلت إلى منطقة الخليج وصولا إلى البحر العربي وخليج عدن والبحر الأحمر ضمن الأسطول البحري الأمريكي الخامس ، كذلك كشف البنتاغون في الـ12من هذا الشهر أغسطس /آب عن تحريك الغواصة الأمريكية يو اس اس جورجيا التي تعمل بالقود النووي وتحمل صواريخ كروز الهجومية ، حدث ذلك بعد أيام من رسو السفينة الامريكية واسب التي تحمل نحو 6,000 ألف من قوات البحرية الامريكية بالقرب من ميناء لماسول جنوب قبرص ، هذه السفينة مخصصة للطوارئ وعمليات الاجلاء ، عدا عن الترتيبات في قواعدها العسكرية في المنطقة .
هذا التحشيد الأمريكي العسكري إلى الشرق الأوسط يتجاوز الأغراض الدفاعية إلى الاستعدادات الهجومية وحتى إن كان بهدف محاولة ردع الجمهورية الإسلامية وحزب الله واليمن وثنيهم عن تنفيذ عملية هجومية واسعة على كيان العدو الإسرائيلي ، لكنه في المقابل أعطى طهران إشارات مهمة تتعلق بإمكانية حدوث انتقال إلى حرب اقليمية مدمرة وارد، وبالتالي لم يعد الأمر في طهران يتعلق بالتخطيط لعملية انتقام قاسية قد تستمر لأيام فحسب بل وبالضرورة ترتيب نفسها لسيناريو الحرب الموسعة يحتم الإعداد لعملية دفاعية لا تسمح للعدو الإسرائيلي ضرب أهداف استراتيجية وهامة عسكرية أو حيوية أوحتى منشئآت للطاقة .
لا يعني هذا أن الجمهورية الإسلامية لم تكن جاهزة لذلك وتحديدا عقب السابع من أكتوبر ، لكن الحرب الآن خلف الأبواب .
النقطة الأخرى التي توقفت عندها إيران والمحور وربما أشار إليها السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله وكذلك قائد الثورة في اليمن السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي وهي أن الرد يجب أن يكون مدروسا ومؤثرا ورادعا ، يتوجب التخطيط له بهدوء بعيدا عن ضغط الوقت ، وطالما الحرب لا تزال مفتوحة على غزة ويتلكأ نتنياهو في الخروج منها فهناك وقت كاف للانتقام .
من هذه الزاوية فضلت طهران أن تستثمر ورقة أخرى تتعلق بكشف عدم جدية واشنطن وتل أبيب في الخروج من الحرب عبر المفاوضات التي سارعت إدارة بايدن إلى إعلانها تحضيرها ومحاولة إعطائها زخما اقليميا ودوليا تحت عنوان “حان الوقت لوقف إطلاق النار في غزة واجراء صفقة تبادل” وفي ذات الوقت محاولة دفع طهران وحزب الله لوقف تنفيذ الانتقام .
لقد تركت الجمهورية الإسلامية العملية التفاوضية التي جرت في جولتين: الأولى في الدوحة والثانية في القاهرة تسير إلى طريق مغلق دون تمكين البيت الأبيض من الاستفادة منها في حال نفذت طهران الهجوم، لأنها تدرك أن نتنياهو سيعمل على إفشالها والمماطلة لكسب مزيد من الوقت ، وهو ما حدث بالفعل، لكنها في ذات تؤكد أن العملية الانتقامية لهنية وشكر ليست متصلة بمفاوضات وقف إطلاق النار، وهو ما قاله القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني على باقري كني، ولا حقا قيادات في الحرس الثوري الإيراني.
لا يعلب الوقت لصالح كيان العدو الإسرائيلي بل لصالح إيران، فالاستنفار القائم والقلق المتواصل في تل أبيب وواشنطن يترك تداعيات كبيرة معنوية وعسكرية واقتصادية وأيضا تبعات مرهقة .
لا أحد بمقدوره أن يجزم بأنه يملك معلومات حول وقت وكيفية ونطاق الرد الإيراني الحتمي بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي توقفت عن إعلان مزاعمها بشأن ذلك ولكن غير مستبعد أن يكون الرد الإيراني أمني يوازي إغتيال هنية ويحقق هدف الردع وإعادة الاعتبار لأمنها القومي في حين يأتي رد حزب الله والقوات المسلحة اليمنية عسكري يحقق الانتقام للشهيد شكر .