كيف ومتى تردّ "اسرائيل" : محاولة إستشراف ؟ المقاومة القانونية | توثيق جرائم الصهيونية | كيف ومتى تردّ "اسرائيل" : محاولة إستشراف ؟
تاريخ النشر: 22-07-2024

بقلم: الدكتور عصام نعمان
"اسرائيل" تواجه خطراً وجودياً . أركان الإئتلاف الحاكم كما أركان المعارضة يسلّمون بوجود الخطر ، وهو خطر يهدد كيانها بالزوال .
مبعثُ الخطر طوفان فلسطيني وآخر يمني . الاول تفجّر في 7 تشرين الاول/اكتوبر 2023 . الثاني فاجأ الصهاينة والعالم في 19تموز/يوليو 2024. اذا كان ابطال طوفان الأقصى قد تمكّنوا خلال أربع ساعات من السيطرة على معظم مستعمرات  العدو الصهيوني في غلاف قطاع غزة وإستجرّوا منها عشرات الأسرى عسكريين ومدنيين ، فإن الطوفان اليمني  إمتطى (إفتراضياً ) متن مسيّرة غير عادية، طارت مسافة ألفيّ كيلومتر لتضرب عمق تل أبيب من دون أن تتمكّن أجهزة الإستشعار بمختلف انواعها من رصدها وتعطيلها الأمر الذي  أربك قيادات الجيش والموساد والشاباك وأذهل الجمهور الإسرائيلي وأكره رئيس الحكومة  بنيامين نتنياهو على تأجيل زيارته للولايات المتحدة .
لا غُلوّ في القول إن طوفان الأقصى أبدع صحوةً نفسية وقومية وسياسية  واسعة في عالم العرب إندفعت معها لنصرته شعوب وجماعات وقوى في المشرق والمغرب مترجمةً نصرتها بتنظيم جبهات إسناد للمقاومة في قطاع غزة ولبنان واليمن والعراق، ومحركةً أصحاب الضمائر الحيّة في طول العالم وعرضه ، لاسيما  في صفوف طلبة الجامعات داخل اميركا واوروبا . 
      كما لا مبالغة في القول إن الطوفان اليمني فتح عيون العرب والعالم على حقيقةٍ ساطعة  هي تبلور بيئة إستراتيجية مغايرة بموازين قوى متطورة  ومعادية لمنظومة دول الغرب الأطلسي ومتصدية لها بفعالية في شتى دول غرب آسيا من شواطيء البحر الابيض المتوسط غرباً الى شواطيء بحر قزوين شرقاً .
إزاء هذه الواقعات والتطورات والتحوّلات الجديدة الوازنة ، كيف تراها تردّ عليها "اسرائيل" العاجزة عن تحقيق أهدافها في قطاع غزة والمنشغلة في مواجهة انتفاضة فلسطينية  متصاعدة في شتى مناطق الضفة الغربية ؟ هل مقاربتها ستكون عملاً سياسياً يعزّز مركزها التفاوضي في الصراع ، ام عملاً عسكرياً واسعاً يصدّ الأخطار والأعداء ويعيد تشكيل موازين القوى الإقليمية على نحوٍ يخدم مصلحة كيان الإحتلال؟
لا جواب واضحاً يمكن  إستشفافه من رئيس الإئتلاف الحاكم  بنيامين نتنياهو الذي يحترف المراوغة والتحايل والتكاذب في سياق سياسةٍ ترمي بالدرجة الأولى الى ضمان إستمراره في السلطة وتأمين ذلك بالإصرار خلال مفاوضات الكواليس المغلقة في القاهرة والدوحة على عدم وقف حرب الإبادة التي يشنّها على الشعب الفلسطيني.
في المقابل ، يبدو أركان الجيش والأمن الاسرائيليين ، عاملين ومتقاعدين ، في موقف معارض للحل العسكري الذي يعتمده نتنياهو  لكون الجيش منهكاً نتيجةَ اطول حربٍ خاضتها "اسرائيل" في تاريخها منذ سنة 1948 ، وغير قادر تالياً على مواجهة مقاومة فلسطينية وعربية متنامية ومصممة وناجحة في تحقيق إنجاز إستراتيجي ساطع بتوحيدها ساحات الإسناد والمواجهة مع العدو.
الى ذلك ، هناك الولايات المتحدة ، الحليف والراعي والحاضن والمموّل الذي لا تستطيع "اسرائيل" تحقيق أية مهمة وازنة دون موافقته ومشاركته ، تبدو غارقةً حالياًّ في حمأة إنتخابات ساخنة تنطوي على خيارات وتداعيات بالغة الخطورة قد تصل الى حدّ اندلاع حربٍ اهلية في بعض ولاياتها المضطربة .
حتى لو استطاع نتنياهو التخفّف من متاعبه ومسؤولياته  الإضافية الناجمة عن قصف تل ابيب والذهاب الى واشنطن لمخاطبة الكونغرس الاميركي بمجلسيه فإن إقناع أعضائه بوجهة نظره ومطامعه لا يمكن ترجمته الى أعمال محسوسة – حتى لو كان الفائز في الإنتخابات الرئاسية دونالد ترامب – قبل ان يتسلّم الرئيس المنتخب سلطاته و يشكّل إدارته (حكومته) في مطلع شهر كانون الثاني/يناير 2025 .
اذاً ، نحن و"اسرائيل" مضطرون ، على الأرجح ، على متابعة الصراع الدائر حالياً بوتيرة  عنفٍ متصاعدٍ وآخذ في الإتساع على مستوى جبهات الإسناد جميعاً  وذلك  لحين إنتهاء مرحلة الإنتخابات الإنتقالية في آخر العام الحالي .
في هذا السياق  ، شنّ سلاح الجو الإسرائيلي غارةً على مستودعات تخزين النفط في ميناء الحديدة اليمني ، ولم يتأخر انصار الله اليمنيون عن الردّ بإستهداف مواقع إسرائيلية حيوية . ثم ما لبث قائد أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي ان اعلن عن إستمرار الجيش اليمني في حرب مفتوحة على "اسرائيل" لغاية ان تتوقف عن حرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة .
هل تتوقف المفاجأت  عند هذا الحدّ ؟
ليس تماماً . ذلك أن حكومة العدو تضمّ مجموعةً من المجانين على رأسهم نتنياهو نفسه لا تتورع  عن إرتكاب أفظع الحماقات لحماية وجودها ومصالحها . الى ذلك ، فإن أطراف محور المقاومة تمتلك من القدرات وقوة الارادة  والتصميم ما يمكّنها من الردّ على العدّو بأسلحةٍ متطورة ومناورات وسيناريوهات كفيلة بصدّه وأحباطه إن لم يكن بدحره وإلحاق هزيمة مدّوية به .
لنفترض ، على سبيل الظنّ ، أن نتنياهو عاد من زيارته المرتقبة الى الولايات المتحدة بقناعةٍ او بإنطباع قوي  مفاده أن الدولة العميقة في واشنطن ، او على الاقل المرشح الجمهوري دونالد ترامب وأركان حزبه ، لن يتركانه  وكيانه الى مصيرهما اذا ما اضطرا الى شنّ حربٍ واسعة في الإقليم  لمحاولة القضاء على مرتكزات البرنامج النووي الإيراني ... فهل تراه ومجموعته المجنونة يترددان ، إزاء تصعيد فاعل لقوى المقاومة الفلسطينية والعربية الموحدة الساحات ، في شنّ هجوم صاعق على ايران بإسناد عسكري من الولايات المتحدة او حتى بمشاركتها ؟
ما زلتُ أرجّح أن ثمة متعقّلين في كيان الإحتلال قادرون على الحؤول دون إقدام نتنياهو ومجانينه على إرتكاب هذه الحماقة المدوّية ، لكني لا أستبعد في المطلق إمكانية وقوعها ولجؤ الطرفين المتحاربين  تالياً الى إستخدام أسلحة غير تقليدية في القتال الضاري بينهما .
نتنياهو لن يتورع عن إستخدام اسلحة نووية تكتيكية في "حربه الوجودية" اذا كانت وكالة الإستخبارات المركزية الاميركية قد زودته بـِ "معلومات اكيدة" بأن ايران لا تمتلك أسلحة متطورة وفاعلة من شأنها إلحاق أضرارٍ بالغة بكيان الإحتلال.
فهل لدى ايران في المقابل سلاحاً رادعاً يحمل العدو على صرف النظر عن إستخدام السلاح النووي التكتيكي ضدها ؟
الأمر الأكيد ان لدى ايران مئات الآلاف من الصواريخ البالستية بعيدة المدى القادرة على حمل قنابل ثقيلة بطاقة تفجيرية عالية ، وأنه في حال أمطرت بها "اسرائيل" باعدادٍ كثيفة ، خصوصاً في منطقة غوش دان (حيث 40 في المئة من سكان الكيان وعمرانه وبناه التحتية ومطاراته وموانئه وقواعده العسكرية ) فإن فعاليتها التدميرية ربما تفوق فعالية الأسلحة النووية  التكتيكية او توازيها على الأقل.
اذا كان لدى "اسرائيل" كل هذه الحقائق والمعلومات او كانت الولايات المتحدة قد زودتها بها ، فإن المتعقّلين في المستوى العسكري كما في المستوى السياسي لديها سيكونون قادرين على منع نتنياهو ومجانينه من ارتكاب حماقة القرن .
يبقى سؤال : هل لدى ايران مفاجأة مذهلة  تدخرها لردٍّ قريب او بعيد ؟
issam.naaman@hotmail.com

 


جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013