الرد الإيراني المباشر على "إسرائيل" سيغير قواعد الاشتباك خارج الحدود، ويمكن أن يزيد خطر توسع الحرب. وفي مثل هذا السيناريو، سينعكس الأمر على حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، حيث القواعد العسكرية الأميركية التي يمكن أن تصبح أهدافاً.
يحاصر ضغط المعارضين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكنيست، ويطالبونه بإحراز تقدم في المفاوضات من أجل إنقاد الرهائن.
يبحث رئيس الحكومة الإسرائيلية عن حروب لإنقاد نفسه، فتتراءى له معركة رفح كأحد المنافد لحل معضلة بقائه في السلطة، فكلما ذهب إلى الحرب أطال عمر سلطته، وهو يحاول جر الإدارة الأميركية إلى الدفاع عنه بعدما رفع يده لضرب إيران.
انتظر المتطرفون اليمينيون الإسرائيليون بفارع الصبر الوقت الذي يضع الولايات المتحدة بمواجهة إيران، و"إسرائيل" بحاجة إلى إعادة بناء قوة الردع الخاصة بها بعد فشل عام 2006 في حربها ضد حزب الله، والحرب في الشمال مع حزب لله، وبعد طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول 2023، والحرب في غزة التي لم تحقق أهدافها رغم القتل والهدم.
نتنياهو بحاجة إلى توسعة الحرب ما دام هناك التزام تعهدت به الولايات المتحدة الأميركية بحماية أمن "إسرائيل" والدفاع عنها. وضع نتنياهو الهجوم الذي قام به على القنصلية الإيرانية واستشهاد قائد في حرس الثورة ونائبه، إلى جانب 5 أشخاص آخرين، سياسة إدارة بايدن في مأزق رفضها تحويل حرب غزة إلى حرب إقليمية ووضعها في وجه التزامها تجاه أمن "إسرائيل".
وكانت كل من إيران والولايات المتحدة قد أعلنتا منذ بداية الحرب على غزة أنهما سيتجنبان الحرب الإقليمية التي من شأنها أن تقودهما إلى صراع مباشر في حال خروج الأمور عن السيطرة في ظل الحرب التي تشنها "إسرائيل" في غزة.
وكانت الاتصالات التي أجرتها الولايات المتحدة مع إيران عبر وسطاء قد حققت بعض النتائج في هذا الشأن، ولو كانت جزئية. كان حزب الله قد التزم بقواعد الاشتباك التي حددها كجزء من استراتيجية الصراع وفتح جبهة مساندة لغزة منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول.
اعتبر الأميركيون عدم انخراط حزب الله بكامل طاقته مؤشراً لعدم توسعة إطار الحرب. كانت الجبهة عسكرية وسياسية يسعى الحزب من خلالها إلى الضغط على الأميركي والإسرائيلي من أجل إيقاف الحرب على غزة. وبعد هجمات الطائرات بدون طيار التي قتل فيها جنود أميركيون في المثلث السوري الأردني العراقي، تدخلت إيران لتهدئة المقاومة الإسلامية العراقية، لكن "إسرائيل" واصلت ضرب أهداف مرتبطة بإيران في سوريا، ووسعت نطاق نيرانها في لبنان.
لم تنجح الولايات المتحدة في كبح الجانب الإسرائيلي، فيما تمتلك إيران ورقة قوية يمكنها أن تستعملها في مواجهة الولايات المتحدة، فمحور المقاومة لم يستعمل كل قوته، والأميركي وادعاؤه بمنع خروج الحرب عن السيطرة ومواصلة الحوار مع إيران، كان عليه الضغط على "إسرائيل"، ولا سيما أن عدم الضغط عليها يمكن أن يدفع إيران إلى كسر الأغلال المفروضة عليها على الطريق النووي، وهذا ليس خياراً يمكن للولايات المتحدة أن تتجاهله.
يستطيع بايدن قطع جزء من عمليات نقل الأسلحة إلى "إسرائيل"، فمن المؤكد أن الدول الأخرى ستحذو حذوه، فرئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يتعرض لضغوط لوقف عمليات نقل الأسلحة إلى "إسرائيل". كما أعلنت كندا أنها ستجمد شحنات الأسلحة إلى "الدولة" اليهودية. إن لدى بايدن طرقاً أخرى للضغط على "إسرائيل"، إذ يمكنه الحد من مستوى التعاون العسكري معها أو يمكنه أن يصدر تعليماته للوفد الأميركي لدى الأمم المتحدة بدعم قرار جديد يدين العملية الإسرائيلية.
شكل الصبر الاستراتيجي عنواناً بديهياً لإيران من أجل تجنب الوقوع في فخ "إسرائيل". لم تقم طهران حتى الآن بالانتقام بشكل مباشر، إلا أن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة وصلت إلى مستويات لا يمكن لإيران تجاهلها، رغم أنها عمدت إلى إبعاد شبح الحرب الإقليمية، وهي على يقين بأن "إسرائيل" تريد تحويل الانتباه عن غزة، وهي تقصدت من خلال ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق ضرب المفاوضات الأميركية مع طهران حول الملف النووي وغزة، وجرها إلى صراع مع الولايات المتحدة لعزلها، وإذا ما ردت الضربة فستتحول "إسرائيل" من جلاد في غزة إلى ضحية.
من الواضح أن الهجوم في دمشق كان استفزازاً مستهدفاً لمحاولة الإيقاع بإيران، ويستهدف هذا الهجوم أيضاً عملية تطبيع طهران مع دول الخليج، وخصوصاً السعودية.
خلال صلاة عيد الفطر في طهران يوم الأربعاء، تعهد المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي "بمعاقبة" "إسرائيل" على الهجوم الذي وقع في الأول من أبريل/نيسان، والذي أسفر عن مقتل 7 أعضاء في حرس الثورة الإسلامي الإيراني، بما في ذلك قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان، فيما قال الرئيس جو بايدن إن التزام الولايات المتحدة بحماية "إسرائيل" صارم وسط مخاوف من أن تقوم إيران بالانتقام قريباً من القصف الإسرائيلي المميت لمبنى القنصلية الإيرانية في سوريا .
قيّمت الولايات المتحدة الرد الإيراني بأنه وشيك، واستدعى "الجيش" الإسرائيلي جنود الاحتياط في وحدات الدفاع الجوي الأسبوع الماضي تحسباً لضربات محتملة. وكان وزير الخارجية الإيراني قد أبلغ نظيره البريطاني الذي طالب إيران بضبط النفس وعدم توسعة الحرب بأن لندن وواشنطن شجعتا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على توسيع الحرب المستمرة في قطاع غزة بصمتهما.
الرد الإيراني المباشر على "إسرائيل" سيغير قواعد الاشتباك خارج الحدود، ويمكن أن يزيد خطر توسع الحرب. وفي مثل هذا السيناريو، سينعكس الأمر على حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، حيث القواعد العسكرية الأميركية التي يمكن أن تصبح أهدافاً مع تصعيد محتمل في هذه البلدان.
ليست الخسارة الأولى للحرس الثوري، لكن في هذه الحرب المصيرية للمقاومة الفلسطينية ستجد إيران بطريقة أو بأخرى إمكانية للتغلب على الصعوبات. "إسرائيل" لديها نية جادة لإثارة حرب كبيرة، لكن إيران تجنبت ذلك بحكمة كبيرة.
ستستخدم إيران المنطق، ولن تشن هجوماً. بالنسبة إليها، لم يحن الوقت لمعركة كبرى مع "إسرائيل". ورغم تزايد الاغتيالات الإسرائيلية بالتوازي مع حرب غزة، فمن المرجح أن يتم الرد بطريقة لن تأتي بالنتائج التي تريدها "تل أبيب"، بل يمكنها أن تفتح ثغرة وتفرض منحى مختلفاً في الحرب والمفاوضات التي تحصل اليوم.