ان ما يحصل في جزء من الارض الفلسطينية، وفي غزة تحديداً يقدم العدالة الدولية لامتحان لمصداقيتها وخصوصاً بعد رفع جنوب أفريقيا دعواها في محكمة العدل الدولية .
و عندما يتعلق بالأمر المؤقت الصادر عن محكمة لاهاي يمكن النظر بالاعتبارات التالية:
ان اصدار هذا القرار يعتبر نجاحاً لجنوب أفريقيا وللشعب الفلسطيني وأهم نجاح هو أن المحكمة لم تقبل بطلب الرد بعدم الاختصاص ل( اسرائيل) بمعنى أنها لم تقبل بطلبها الذي يقول بأن ما تفعله تحت بند الدفاع عن النفس ولم ترفض دعوى جنوب أفريقيا وطلبت من النظام الصهيوني تنفيذ الإجراءات اللازمة لاتفاقية الابادة الجماعية.
وتجدر الاشارة ان الحساسية تجاه الابادة الجماعية مرتفعة للغاية ،حيث يجب على المحكمة اثبات نيتها الخاصة للدخول في الاتفاقية إذ ان اشارة المحكمة الى كلام المسؤولين الاسرائيليين وخاصة كلام وزير دفاع الكيان ووصفه الطرف الاخر بالدعوى ( الفلسطسنيون) بالحيوانات ذلك له دلالة كبيرة لدى المحكمة ، لذلك نأمل ان تستخدم المحكمة التفسيرات التي تستخدمها السلطات الصهيونية في مرحلة التحقيق الموضوعي وفقاً للحلول المعتادة والسابقة التي استخدمتها محكمة العدل في قضية البوسنة وصربيا مونتينغيرو عام 2007 ضد صربيا في ظل الغياب العام للقانون في ظل الجريمة الجماعية، كما يمكن الاستدلال على التدمير الجماعي أو الفردي في سلوك اجرامي ما هو إلا نمط جرمي تم فعله في حرب غزة ، وبهذه الخصوصية فانه يكون هناك امكانية مناسبة لدخول طرف ثالث، وإذ أعلنت المحكمة مراراً انها تتعامل مع القضايا المتعلقة بارتكاب الجريمة في المرحلة الموضوعية ، لذلك فان احتمال نجاح جنوب أفريقيا لدعواها اكثر ارتفاعاً .
حيث ان صدور الأمر بهذا التصويت كان يرجح كفة النجاح ، ولكن ليس من الواضح ماهي السياسة القضائية التي ستتبعها المحكمة في الخطوات التالية:
• وفقاَ للمادة 63 التي تسمح للدخول الى القضية في مرحلة الجلسة التي تحددها المحكمة في القضية ، وهذا يدعو الدول للمشاركة القصوى والدعم لدعوى جنوب أفريقيا وأهمية الموضوع يكمن في اجبار المحكمة على تحميل المسؤولية الجرمية للكيان الصهيوني .
• والجدير بالذكر فان جنوب افريقيا من خلال دعواها وفي مرافعتها طلبت في الفقرة
(1 و 2 ) ان تطلب المحكمة من الكيان المدعى عليه ( اسرائيل ) ان توقف العمليات العسكرية ، حيث طلبت المحكمة ذلك سابقاً في الحرب الروسية الاوكرانية وذلك حين طلبت من روسيا وقف العمليات العسكرية، ولكن المحكمة تجاهلت طلب جنوب أفريقيا ، وهذه نقطة سلبية وانتقائية بالنسبة لمحكمة العدل الدولية كمؤسسة تعنى بالحفاظ على العدالة الدولية والحفاظ على الاتفاقيات الدولية ومن يوقع عليها التزاماً .
وبناء على الاتفاقيات التي شارك بها الكيان والقصد اتفاقية منع الابادة الجماعية فقد تقدمت جنوب افريقيا بطلب وقف كامل لإطلاق النار، ولكن المحكمة فضلت عدم الدخول بذلك الموضوع وهذه الجزئية رغم أهمية الأمر القضائي ، وهذا الرد كان نتيجة الضغوط على الاعضاء في المحكمة كما هو كدليل على لاختلاف القضاة بمحكمة العدل وبذلك فان النتيجة المتوخاة لم تكن عملية .
• وبما أن المحكمة لم تحظر العمليات العسكرية فان الأمر المؤقت الذي أصدره الكيان يحد من استمرار العمليات العسكرية ، وبالتالي فإن أي اجراء من جانب اسرائيل يمكن اعتباره تأكيداً موصوفاً لنية الإبادة الجماعية ، وبموجب الاتفاق المؤقت فان المحكمة ملزمة كذلك بحظر ومعاقبة أي عمل يؤدي الى التحريض على الابادة الجماعية، ومن الجدير بالذكر فإن المحكمة رحبت بالإجراء الاخير الذي اتخذه المدعي العام الاسرائيلي بتجريم ومحاكمة اعمال الكراهية .
• حيث أنه قبل صدور ذلك القرار لابد من ذكر جزئية اذ كانت هناك سيناريوهات مختلفة بشأن صدوره، احدها كان تصويت معارضي القرار مثل دول امريكا وفرنسا ويظهر ذلك مدى الضغط الدولي فيما يتعلق بقضية فلسطين ، وبإقرار ذلك تدافع المحكمة عن استقلال رأيها في المسائل السياسية عنها بالقانونية، الا أن حكم القاضية الأوغندية في المحكمة ومعارضتها لجميع أنواع بنود الحكم الصادر والذي يشير بوضوح لموقفها السياسي .
• وهنا لابد من التأكيد على الرأي المخالف للأوغندية السيدة /جوليا سيبوتنيدي/ في الفقرة السادسة 6 بأكملها بحجة أن هذه الدعوى سياسية ، ولابد من التركيز على تكرار ادعاء اسرائيل في رأي منفصل هو ادعاء مشين صدر دون النظر الى الجوانب الانسانية والحقوقية للقضية ، وبما أن الابادة الجماعية تشكل انتهاكاً لقاعدة مهمة من قواعد القانون الدولي الانساني، فإن المساعدة في الحفاظ على هذا الوضع ،أو الاعتراف به أمر غير مقبول في البيئة الدولية ، وحين صدوره فانه من المتوقع ايضاً فيما حصل فعلاً من اصدار حكم ضد اسرائيل في مرحلة تعتبر موضوعية،
كما ان الدول الداعمة لهذا الكيان معرضة بشكل واضح للاتهام ،وهنا ممكن ان تقر المحكمة بتطبيق اتفاقية الابادة الجماعية على قضية غزة وتكون المحكمة قد اكدت ضمناً ارتكاب جريمة الابادة الجماعية ، وبالتالي تصدر امرا بحماية سكان غزة بموجب اتفاقية الابادة الجماعية وهنا لابد من انها تمارس ضغوطاً على اسرائيل في مختلف المجالات
• كما يعتبر هذا الامر والقرار المؤقت الذي اصدرته المحكمة خطوة في اساسيات تحديد جريمة الابادة الجماعية ولابد من ان تصادق على ذلك، واذا لم يتم بأغلبية القضاة فهنا لابد من الغائه ، حيث تدان المحكمة بعدم استقلاليتها وتعرضها بل تجاوبها مع الضغوط التي تواجه بها .
اما اذا صادقت على ذلك فان الدول الداعمة للكيان وخاصة الولايات المتحدة ستكون مسؤولة وفي مواجهة مباشرة مع العدالة الدولية وهنا مكمن الموقف العالمي الذي ينتظر مصداقية وعدالة محكمة العدل الدولية .
وهذا يواجه بشكل مباشر تصرفات اسرائيل وشريكها بالجريمة من امريكا وفرنسا وبعض الدول الداعمة لهذا الموقف ، وخاصة من دعمها بإرسال اسلحة ،او بمشاركة بقوات ومرتزقة يتبعون دولة ما وبتوجيهها المثبت ، ومن هنا ستكون متهما مباشر تفرض عليها وعلى الدول الداعمة للكيان قرارات المحكمة حيث سيضعهم ذلك الامر بمأزق كبير، ويؤدي الى وضع مصداقية العدالة الدولية على المحك ويوجد صفة للمجرم وداعميه كونهم دول مارقة ، كما يكون العالم قد دخل ببند واضح وبلا مواربة بمقلب شريعة الغاب ، وبالتالي دخل بمرحلة جديدة منها الانفلات الأمني ومنها وجوب انحلال المنظمات الدولية والانسانية لعدم تمكنها من الحفاظ ولو على ما تبقى من جزئية مما يسمى بالشرعة الدولية ، وعدم لزوم وجود القانون الدولي برمته حيث يكون حبر على ورق.