لم يكن مفاجئاً أن لا تغيّر منظمة "أوبك" توقعاتها المتفائلة بعض الشيء بنمو الطلب على النفط في العام 2024، رغم كلّ الأزمات والحروب المشتعلة في أكثر من منطقة في العالم، لا سيما في الشرق الأوسط حيث تزداد الحرب حدة خاصة مع التطورات الهامة جداً الحاصلة في باب المندب، أما الحرب في أوكرانيا فهي وإنْ كانت لا تزال مستمرة إلا أنّ الاهتمام بها تراجع إلى مراتب أقلّ أهمية.
وقد أشار التقرير الشهري لمنظمة "أوبك" الصادر قبل أيام إلى توازن توقعات الطلب على النفط بفضل بيانات النمو القوي لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في الأميركيتين، لا سيما كندا، إضافة إلى المراجعات التصاعدية للطلب في الصين وآسيا، ما عوّض المراجعات التنازلية للشرق الأوسط وأفريقيا خلال الربعين الأخيرين من عام 2023.
وأشارت "أوبك" إلى التفاؤل الحذر بشأن العوامل الأساسية المؤثرة في سوق النفط خلال عام 2024، موضحة أنّ انتعاش اقتصاد الصين يُعدّ محركاً رئيساً لنمو الطلب العالمي، على عكس الاقتصاد الأميركي حيث من المتوقع أن يشهد بعض التباطؤ في النمو الاقتصادي مقارنة بالتضخم والبطالة".
وهناك أيضاً الاقتصاد الهندي المنتعش نسبياً والذي قد يساهم في استقرار أسواق النفط، بل في رفع مستويات الطلب العالمي، مما يعني أنّ اقتصادات آسيا في هذه المرحلة هي القاطرة التي تقود الاقتصاد العالمي باتجاه تحقيق شيء من النمو في أوقات الحروب والأزمات المعقدة.
كذلك هناك سبب أساسي إضافي لما تمّ ذكره وهو أنّ الدول الأعضاء في "أوبك" كانت اتفقت سابقاً أكثر من مرة على إجراء تخفيضات جوهرية على حجم الإنتاج، مما ساعد على عدم حصول طفرة نفطية في الأسواق العالمية، وبالتالي باتت هذه الأسواق بحاجة إلى ضخ بعض الكميات الإضافية من النفط في شرايينها.
والأهمّ من الاتفاق على تخفيض الإنتاج تباعاً يتجلّى في قدرة منظمة "أوبك" على تنفيذ قراراتها رغم المعارضة القوية من قبل الولايات المتحدة التي أرادت أن تبقي سقوف الإنتاج مرتفعة حتى تتأثر الأسعار سلباً، ما يؤدّي إلى خسارة الاقتصاد الروسي أحد أهمّ العوامل الذي يوفر له القدرة مواصلة الحرب في أوكرانيا رغم كلّ الدعم الأطلسي المقدّم لـ كييف، والذي بدأ ينضب هذه الأيام...
أولاً بسبب تقدّم الحرب في الشرق الأوسط إلى صدارة الاهتمام العالمي والغربي تحديداً، وتوجُّه الولايات المتحدة وحلفائها إلى دعم العدو "الإسرائيلي" بشكل أكبر، الأمر الذي يُؤكد ما يقوله الكثير من الخبراء والمطلعين بأنّ قرار استمرار الحرب ضدّ فلسطين ولبنان ومحور المقاومة هو أميركي وليس "إسرائيلياً".
وثانياً لأنّ هذا الغرب نفسه استنفد معظم مخزونه المالي والتسليحي واللوجستي في دعم أوكرانيا دون أن يحقق ذلك ايّ نتيجة تذكر في مواجهة روسيا التي تستمرّ في تحقيق النقاط لصالحها...
وها هو الغرب نفسه يستنزف ما تبقّى في مخزونه من أموال وذخائر وعتاد، وبالتالي ليس بعيداً اليوم الذي سنجد فيه أنّ الولايات المتحدة ومَن معها من دول وقوى وتحالفات حقيقية ووهمية من هنا وهناك عاجزون عن مواصلة دعم كيان العدو الصهيوني الذي نرى بلا أدنى شك أنه وضع قدمه على سكة رحلة النهاية والزوال...