العدالة والرحمة والحق المقاومة القانونية | توثيق جرائم الصهيونية | العدالة والرحمة والحق
تاريخ النشر: 16-12-2023

بقلم: الدكتورة صفية سعادة

         ان المفاهيم المعيارية كالعدالة والرحمة والحق قطعا ليست معايير مطلقة كما يحلو للبعض وصفها، وانما هي معايير نسبية، نسبة إلى شكل الاجتماع الانساني وتطوره في مرحلة زمنية محددة. فمفهوم العدالة ستحدده الاوضاع الاجتماعية السائدة في مجتمع معين.
كانت العدالة في التاريخ القديم تنص على أن تُقطع يد السارق، وكان ذلك سائدا في سائر المجتمعات القديمة بما فيها أديانها، وكان يُعتبر حكما عادلا، والسؤال: هل يعتبر ذلك عدلا اليوم، أو يُعتبر عملا همجيا؟ مفهوم العدالة نسبي ولا يمكن أن يكون "مطلقا" والا تحوّل إلى ظلم وطغيان.
ما هو مهم هو الحفاظ على مبدأ العدالة وتطبيقه على مقاييس الحاضر التي هي مختلفة تماما عن الماضي.
         وبالعودة إلى مقاييس الحاضر، نسأل ماذا تعني العدالة والرحمة والحق؟
         نعيش اليوم ضمن دول المفترض بها أن تكون وطنية، ومن مهامها حسب دساتيرها تحقيق العدالة والرحمة والحق بين مواطنيها، ويخطئ من يظن أن الدولة الوطنية مهتمة بتطبيق هذه المعايير على المجتمعات الاخرى، أو بشكل مطلق. هي معايير تختص بالمجتمع الوطني/القومي فقط، بينما تتكفل المعاهدات والنصوص الدولية بترتيب العلاقات بين هذه الدول.

ومن السذاجة بمكان، كما يحصل مع الكثير من مثقفينا، الاعتقاد بأن هذه المفاهيم تُطبق خارج حدود الدولة الوطنية! لذلك استطاعت الدول الاوروبية إبادة الهنود الحمر في القارة الاميركية، كما أنها تستطيع مواكبة ودعم الابادة في غزة لأن مصلحتها الوطنية فوق كل مصلحة، وكل معيار، وكل مقياس.
        
حدود العدالة والرحمة والحق تقف عند الحدود الجغرافية للدولة الوطنية، لكن الاديان عابرة للحدود لأنها تتوجه إلى الانسان لا إلى الدول، خاصة الديانتين المسيحية والاسلامية، بينما اقتصرت الديانة اليهودية على "شعب الله المختار" لا غيره من الشعوب، لذلك يستطيع الدين تعميم مفهوم الرحمة أو العدالة على البشرية جمعاء، وتصبح مشكلته محصورة في كيفية تغيير قوانينه الدينية لتتماشى مع مفاهيم العدالة والرحمة والحق في العصر الحديث لأن الانسان يعيش ضمن هيئة اجتماعية وليس فردا واحدا يحيا خارج الانماط المجتمعية. ما يختلف هو ماهية هذا المجتمع الذي تطور من قبلي إلى ديني ثم وطني.

في القرون الوسطى كانت الدولة الدينية هي الحاضنة شرقا وغربا، أما اليوم، الدولة الوطنية القائمة ضمن حدود جغرافية هي المحددة لماهية الانسان، لذلك يحاكم من يقتل شخصا ضمن دولته الوطنية كمجرم، لكنه يُعامل كبطل حين يقتل في سبيل حقه وأرضه.
        
في المحصلة: العدالة، الرحمة، الحق هي مفاهيم مرتبطة بالمجتمع وتطوره، وفهم الدين أيضا مرتبط بتطور المجتمع وليس خارجه، ولا وجود ل"انسان" خارج مجتمع ما.


جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013