عام 2003، أصدر المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية إلايرانية السيد علي الخامنئي فتوى تحرّم استخدام أسلحة الدمار الشامل، من سلاح نووي او كيمياوي، او جرثومي. وبعد عامين، أعلنت طهران في بيان رسمي لها، أثناء اجتماع للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا التزامها بالفتوى التي نشرت على الموقع الرسمي لمرشد الجمهورية، حيث اعتبرتها طهران، ضمانة لمسيرة إيران النووية السلمية.
بعد توقيع الإتفاق النووي مع مجموعة 5+1 عام
2015، أكد الإمام الخامنئي على فتواه في هذا الشأن، مشيراً الى «انه لا يمكن لأية قوة الوقوف أمام إيران إذا ما أرادت صنع قنبلة نووية. لكن إيران لا تريد صناعتها لتعارضها مع الشرع والإسلام».
في عالم متفجر، تسود فيه دول الهيمنة والاستبداد، حيث تحيك الحروب وتشعلها، وتقوّض أنظمة وطنية، وتهدّد دولاً، وتستغلّ شعوباً، وبعد ذلك نجد في منطقة غربي آسيا وبالذات في منطقتنا المشرقية، دولة الإرهاب الإسرائيلية تكشر على الدوام عن أنيابها، وتشنّ حروباً همجية قلّ مثيلها، تستخدم فيها قنابل عنقودية وفوسفورية محرمة دولياً، لا رادع لها ولا حسيب من مجلس الأمن الدولي الذي على يديه نشأ الكيان الإسرائيلي، والذي من المفترص فيه حفظ الأمن والسلم في العالم.
أمام جبروت دول الهيمنة والتسلط، ووجود الكيان الإسرائيلي في المشرق، المدجّج بالسلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل كافة، كيف يمكن ان تتماشى فتوى مرشد الجمهورية السيد علي الخامنئي التي تستند الى الإسلام والمبادئ الإنسانية،
مع امتلاك «إسرائيل» أسلحة نووية، وكيمياوية، وجرثومية، وهي التي لن تتردّد يوماً في استخدامها وفي أيّ وقت يقتضيه أمنها ومصالحها؟! كيف يمكن أن تتوافق فتوى دينية إنسانية مسالمة، مع دولة إرهاببة بكلّ المقاييس، حيث يدعو أحد وزراء مجرمي الحرب في حكومة «إسرائيل»، أثناء قيامها بإبادة جماعية، وتدمير شامل لقطاع غزة، وهو وزير «التراث» عميحاي إلياهو، إلى إلقاء قنبلة ذرية على غزة!
من يضمن أن لا تقوم «إسرائيل» يوماً باستخدام السلاح النووي، وهي التي لقيت غطاء كاملاً ودعماً واسعاً من قبل ثلاث دول في مجلس الأمن التي تمتلك السلاح النووي (الولايات المتحدة، فرنسا، وبريطانيا)، أثناء استخدامها في غزة الأسلحة المحرمة دولياً، دون ان يرفّ لها جفن!؟
ما الذي فعلته دول الغرب الكبرى لوقف العدوان الذي يبيد شعباً بأكمله، وهي التي تدعم دولة الإرهاب منذ ستين يوماً؟!
ما هي الضمانة لدول غربي آسيا، في عدم استخدام «إسرائيل» يوماً للسلاح النووي ضدّ اي دولة فيها؟ وإنْ كانت من أتباع الكيان وملتصقة به؟ وما هي الوسيلة لهذه الدول للدفاع عن نفسها، وردع الكيان عند الضرورة!
لقد أثبت العدو في حرب الإبادة الجماعية التي ينفذها في غزة، أنه لم يوفر سلاحاً إلا واستخدمه. أليست القنابل زنة الطن، والطن ونصف، من المواد الشديدة الانفجار التي ألقاها على البيوت، والمستشفيات ودور العبادة، والجامعات، واتّباعه سياسة الأرض المحروقة، إبادة جماعية تتعارض كلياً مع فتوى مرشد الجمهورية؟!
ألا يجعل السلاح النووي الإسرائيلي المسلط على دول المنطقة كلها دون استثناء، أن تعيش شعوبها في قلق دائم بسبب النزعة العدوانية المتواصلة للكيان الإسرائيلي؟! فمن يردع في المستقبل جنون العدو ضدّ دولنا كما هو حاصل اليوم في غزة؟! هل يضمنها المنافقون، والمنحازون، والداعمون، والمحرّضون، والمتجاهلون للإبادة الجماعية لشعب، والمدافعون والمبرّرون لجرائم دولة الإرهاب في الغرب، الذي لا يتوقف زعماؤه عن اجترار كلامهم عن الحرية وحقوق الإنسان؟!
من يضمن عدم استخدام «إسرائيل» في لحظة ما، السلاح النووي، وهي التي تخزن أكثر من مائتي رأس نووي، وضدّ من تخزن هذا الكمّ الكبير من القنابل الذرية؟! من سيردع العدو المتوحش وهو المحتمي بدول الغرب النووية التي تحرم السلاح النووي على الآخرين، وتبارك الترسانة النووية الإسرائيلية؟!
رغم فتوى مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ورغم سير إيران ببرنامج نووي سلمي، شهدت له الوكالة الدولية للطاقة الذرية، هل تفلتت إيران من الحصار والعقوبات الجائرة المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، فيما هؤلاء يغضّون النظر عن أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها «إسرائيل»، ولا يجرؤون ان يطلبوا منها إخضاع منشآتها النووية للتفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو على انتقادها، أو اتخاذ إجراءات ضدها، أو محاصرتها،
أو فرض عقوبات عليها كالتي اتخذوها ضدّ إيران؟!
إنّ حرب الإبادة على غزة، كشفت بشكل فاضح السلوك الهمجي لدولة الإرهاب، والانحطاط الاخلاقي القذر، والموقف اللاإنساني القبيح لدول الغرب الداعمة لحرب الإبادة، وانعدام الإحساس الأخلاقي، والنخوة الإنسانية لأشقاء يتفرّجون ويشاهدون مآسي الفلسطينيين، وكأنّ على رؤوسهم الطير.
ما يحتم على الحريصين على الأمن القومي في المنطقة، هو إعادة النظر في القرارات والمواقف، لمواجهة الخطر النووي الإسرائيلي، الذي يهدّد وجود شعوب غربي آسيا، إنْ لم يكن اليوم، فهو بالتأكيد غداً.
توازن الرعب الذي لا بدّ منه، يحمي الوجود والأمن القومي لدول المنطقة كي لا يبقى أسيراً في يد «إسرائيل»، وهو توازن يدخل في إطار مفهوم الدفاع عن النفس، وهو دفاع لا بدّ منه، حيث أقرّته الشرائع والأديان والقوانين الدولية. فحين نمتلك قوة الردع، ونحقق توازن الرعب، عندئذ، ستعلم «إسرائيل» أنها عاجزة عن ان تستخدم يوماً ما هذا السلاح. لكن ان نترك الترسانة النووية الإسرائيلية لوحدها على الساحة، فهذا أمر خطير وغير مقبول.
إذ لا يستوي الذي يمتلك السلاح النووي، ويدعو الى استخدامه، والذي يفتقر اليه ويعيش تحت تهديده؟!
ماذا لو أنّ مجرماً مسؤولاً في الكيان الإسرائيلي وما أكثرهم، قرّر استخدام السلاح النووي ضدّ جهة ما في المنطقة؟! فهل تنفع حينئذ فتوى التحريم، والمبادئ، والقيم الإنسانية كي تمنع العدو من استخدام أسلحة الدمار الشامل، أم انّ الدفاع عن النفس، يتطلب حيازة سلاح متوازن ليس من أجل استخدامه، وإنما لمنع العدو من اللجوء اليه، والذي سيعرف ساعتها عواقب الأمور عليه.
هل كان جيش العدو»الإسرائيلي» ليجرؤ على إبادة غزة وتدميرها، لو انّ الفلسطينيين يمتلكون سلاحاً نوعياً متوازناً على غرار ما تمتلكه «إسرائيل» من مقاتلات فتاكة؟!
إلى متى ستظلّ دول غربي آسيا تحصي قنابل «إسرائيل» النووية، وهي التي تعرف جيداً انّ تل ابيب تبيّتها لدول وشعوب المنطقة كلها، في حال شعرت انّ كيانها يتخلخل، وأصبح آيلا الى الانفجار والسقوط؟!
لا يمنع مطلقاً ان تكون الفتوى بعدم استخدام السلاح النووي، الى جانب قوة الردع النووي لإيقاف دولة الإرهاب عند حدّها، وردعها عند الحاجة.
فأمن المنطقة وسلامها لا يمكن أن يتحقق وهناك دولة نووية تهدّد، تتوعّد، تعتدي، وترتكب الجرائم ضدّ الإنسانية، منذ 75 عاماً وحتى اليوم.
حرب غزة كشفت تواطؤ ونفاق وخبث دول الغرب الكبرى مع «إسرائيل»، وتواطؤ «أشقاء» إسرائيل في المنطقة، الذين تركوا غزة فريسة للقتلة الصهاينة العنصريين وداعميهم في واشنطن ولندن وباريس «يتهاوشون» عليها، كما «تهاوش» أذنابهم، وعملاؤهم يوماً على سورية.