| كثيراً ما يتردد سؤال في هذه الآونة عما إذا كان الكيان الصهيوني بصدد شن حرب جديدة سواء على لبنان أو على قطاع غزة، مستغلاً الحالة العربية الراهنة، التي تفتك بها الفتن وبعث مشاعر الحقد والكراهية، وما يتصف به العمل العربي المشترك الذي اهتزت كل مقوماته ليحل محلها تفكك وانهيارات وصراعات ومؤامرات على أيدي حكام عرب لا هم لهم إلا خدمة أسيادهم في دول الغرب الاستعماري، ويتحالفون مع الكيان الصهيوني، وقد وضعوا في خدمتهم وخدمة برامجهم ومخططاتهم وسائل إعلام ساقطة مجردة من القيم والأخلاق الوطنية والقومية، تعمل على تجزئة الأمة وتفتيتها وتأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية في صفوفها، مستخدمة كأدوات لها قوى الإرهاب الأسود والتكفير الأعمى الفالتين من عقالهم يرتكبون أبشع الجرائم وأحط وأقذر الممارسات المهينة لبني البشر.
وعلى الرغم من أن هذا الوضع يشكل سانحة ذهبية للعدو الصهيوني لتحقيق أهدافه وتنفيذ مشاريعه.. إلا أنه ينبغي القول بدايةً أن العدو الصهيوني لا يعيش الانكفاء عن دوره العدواني, وأن مؤسسته العسكرية وأجهزته الأمنية لم تنزو في خيمة استراحة المحارب .. ولم يصعدوا إلى رابية ليرقبوا الأحداث ليحددوا بعد ذلك سلوكهم وخططهم.. فالعدو الصهيوني هو في صلب المعمعة نفسها، منخرط في الحرب القائمة اليوم بكل إمكاناته.. شريك في كل ما يجري من قتل وتدمير وتجزئة وتفتيت... وهو حليف لأطراف المؤامرة، وفي حال تعاون وتنسيق وتقديم الخدمات الأمنية والإستخباراتية .. وهو في كل الأحوال ليس بمعزل عن أهداف المشروع الاستعماري الذي يجري تنفيذه.. فهذا المشروع والهدف هو حلم تاريخي والهدف الذي كان يسعى له ومن أجله شن الحروب وأقام التحالفات ... والعدو يقوم بدوره هذا بأساليب ووسائل متعددة أمنية واستخباراتية وإعلامية، وبناء تحالفات ومد المسلحين بالعتاد والأسلحة... وفتح مشافيه للعلاج ...ويتعاون مع العصابات المسلحة بتحديد مواقع الجيش السوري ومستودعات الأسلحة و الرادارات ....وهو يمعن قمعاً وتنكيلا بأبناء شعبنا في الضفة الغربية ولم يتوقف عن سياسة الاستيطان ولا استكمال مشاريع التهويد ولا زج الشباب بالسجون والمعتقلات ولا في ابتداع أعتى صنوف القتل والإجرام على الهواء مباشرة وأمام سمع العالم وبصره الذي يرى كيف يقوم بإعدام الشباب والشابات في مدن الضفة الغربية بحجة أن كل منهم عدو محتمل يحمل خنجر ليطعن فيه مستوطن أو جندي... وفي قطاع غزة لا زال يتفنن في أساليب الضغط وتشديد الحصار والتحكم بمقومات الحياة وصولا إلى تدمير الأنفاق وقد استطاع تدمير عدد منها حتى لو لم يعلن عن ذلك .
أما بشأن تصعيد عدوانه والانتقال من هذا الشكل العدواني الذي يقوم به ليصل إلى مستوى الحرب... فينبغي القول أن العدو بإمكانه شن الاعتداءات بالطائرات أو استهداف رموز وشخصيات مناضلة، ويحظى بالتغطية والتبرير، ووضع هذه الجرائم تحت عنوان الدفاع عن النفس ... لكن ليس بوسعه شن حرب واسعة إذا لم يضمن النصر، ولم يكن قادرا على ضمان سلامة الجبهة الداخلية وأمنها على نحو كبير... وإذا لم يكن بالوقت نفسه قادرا على الاستثمار السياسي لحربه المنشودة ... هذا جانب أساسي يأخذه بعين الاعتبار قبل الإقدام على أي مغامرة ....ولكن هناك جانب أخر يتعلق بموقعه في الاستراتيجية الأمريكية لأنه لا يستطيع شن حرب بدون التنسيق والموافقة والتغطية الكاملة إضافة إلى تحديد الأهداف المرجو تحقيقها... وخير مثال على ذلك حرب عام 2006، عندما جاءت كونداليزا رايس إلى بيروت لتقول أنه من تحت أنقاض هذه الحرب يجري خلق شرق أوسط جديد... إن هذا يعني ويؤكد أن العدو الصهيوني ما هو إلا أداة للمخطط الأمريكي ويصعب تصور إقدامه على حرب دون الموافقة والتغطية الأمريكية الواضحة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار ان أمريكا تعيش الان في سنة انتخابات رئاسية... ومنخرطة في مشاريعها ومخططاتها التدميرية في أرجاء الوطن العربي فان أي تحرك صهيوني لا يكون في إطار إستراتجيتها وخدمة مشروعها تراه الولايات المتحدة الأمريكية يتعاكس مع إستراتجيتها ويخلط الأمور ويدخل المنطقة في احتمالات جديدة يصعب القبول بها.
خلاصة القول أن العدو يتخبط في مواقفه وخاصة أن هاجس الحفاظ على الوجود وتأمينه لا زال هاجساً ومن أجله يهمه الحصول على التفوق العسكري والتخلص من مصادر التهديد .
العدو الصهيوني يعيش الآن إرباكا استراتيجيا أدى إلى انقسام داخلي حول ترتيب أولوية مصادر التهديد هل هي ايران وحزب الله ام داعش ام الخطر الفلسطيني.
ومن وجهة نظرنا فان وضع داعش في قائمة مصادر التهديد ما هو إلا خلط للأوراق وتعمية وتضليل لان ما تمثله داعش من فكر وتوجهات بعيدة كل البعد عن الصراع مع الكيان الصهيوني.
إن الارباك الاستراتيجي الذي يعيشه راهناً، هو نتاج أزمة عميقة، ومأزق من طبيعة استراتيجية يتخبط بها منذ أمد طويل، بعدما تحطمت كل نظرياته الأمنية والعسكرية، وبعدما أصبح القتال داخل تجمعاته ومستوطناته، وبعدما أصبح عاجزاً عن حسم المعارك واحتلال أراضي جديدة والحاق الهزيمة بالجبهة التي يشن العدوان عليها سواء أكانت لبنانية أو فلسطينية، وأزمته اليوم في قمتها وهو يواجه هذه الانتفاضة التي ستتواصل وتتطور وتعم الأرض الفلسطينية كلها، وتُفشل كل أهدافه ومخططاته.
وفي كل الأحوال فإنه ينبغي الحذر واليقظة، والإعداد والاستعداد، وإبقاء كل الاحتمالات قائمة، وهو لا يتورع إذا ما وجد ثغرة ينفذ منها لشن حربه العدوانية في القيام بذلك، وأخيراً فإن ما يقوم به العدو ضد الشعب الفلسطيني راهناً، هو حرب قائمة بذاتها، يستخدم بها كل صنوف الأسلحة، ويهدف من ورائها إلى الاخضاع والاستعباد، وفرض الشروط والاملاءات الطريق نحو تصفية القضية برمتها كما يتوهم.