بدأت معركة "طوفان الأقصى"، في السابع من تشرين أول/أكتوبر، ولن تضع أوزارها ولن تحطّ رحالها إلّا في رحاب الأقصى. وهذا بغض النظر عن أطوار هذه الحرب، إن كان استمرارًا للمعارك أو هدنًا مؤقتة قصيرة أو طويلة، أو وقفًا للنار شاملًا كان أم جزئيًا، وكذلك بغض النظر عمّا يتخللها من عمليات تبادل جملةً أو بالتقسيط.
إنّ الحروب تأخذ شكلها وطبيعتها ونهاياتها ومآلاتها من طبيعة اللحظة التاريخية التي تندلع بها، ومن شكل خارطة القوى المنخرطة فيها، كذلك من مساحات القدرة لدى أطرافها على الصمود والاستمرار. وما نحن بصدده من هذه المعركة - طوفان الأقصى- هي من ذلك النوع من المعارك التي تهيأت كل الظروف التاريخية لتجعل منها معركة فارقةٌ فاصلة، لذلك هي معركة مستمرة.
يرى العدو الصهيوني أنّ كل مآلٍ للحرب من دون القضاء المحقق على ح.م.ا.س تنظيمًا وسلطة، هي هزيمة مباشرة وقاسية له، ومع إضافة البعد الشخصي لقادة الكيان العسكريين والسياسيين الذين يبحثون عن مستقبلهم السياسي في ركام غزة، نكون أمام معضلةٍ وجودية يعانيها الكيان.
كذلك؛ فإنّ ح.م.ا.س ترى أنّ كل وقفٍ للنار لا يشمل عملية تبادل على قاعدة الجميع مقابل الجميع هي تنازلٌ بطعم الهزيمة، وهذا بخلاف ملفاتٍ أخرى، مثل الإجراءات التهويدية في القدس أو الاستيطانية في الضفة الغربية. لذلك؛ فإنّ التنازلات، مهما بدت تكتيكية، ستكون بمثابة هزيمة لا يتحمّلها طرفا الصراع، خصوصًا أنّ الحرب دخلت طورًا أن نكون أو لا نكون بالنسبة إلى أطرافها.
وإذا توسّعنا، في زاوية الرؤية، سنجد أنّ الإقليم قاب قوسين أو أدنى من دخوله مرحلة الحرب الوجودية وطور نكون أو لا نكون، لأنها ليست حربًا إسرائيلية - فلسطينية، بل هي حرب محورين: محورٌ أمريكيٍ - صهيوني، يريد إعادة انتاج "إسرائيل" بديلةً عن تلك التي ماتت في السابع من تشرين/أكتوبر، ومحورٌ يريد مراسم الدفن لتلك الـ"إسرائيل"، لأنّ النجاح الأمريكي في إعادة إنتاج "إسرائيل" الميتة وإحيائها، يمثل خطرًا مميتًا على شعوب المنطقة وجغرافيتها ومستقبلها ومصيرها.
إنّ ربط التحرك العسكري على جبهات محور الم.ق.ا.و.م.ة، في اليمن ولبنان والعراق، بتصاعد وتيرة العدوان على غزة، هو ربطٌ تكتيكي يجعل من الحرب حربًا فلسطينية خالصة، وهذا ما يجعلها حربًا خالصةً عادلةً بعيدًا عن كل الشبهات التي يثيرها المشتبهون بحروب المصالح الإيرانية، كذلك فإنّ هذا التكتيك يجعل الحرب غير محدودة الجغرافيا؛ بل غير قابلةٍ للتحديد والتجميد.
من هنا؛ يمكن القول إنّ الكيان الزائل أمام محاذيرٍ ليس من السهل تجاوزها، أيّ إنّ هدف القضاء على ح.م.ا س عسكريًا يتطلّب حرب المليون ش.ه.ي.د. وكما قال الأمين العام ل.ح. الله سماحة السيد ن.الله إنّه أمرٌ ممنوع، أيّ خطٌ أحمرٌ عريض. والإصرار الصهيوني على هذا الهدف محفوفٌ بمخاطر الحرب الإقليمية الشاملة، وفي الوقت ذاته؛ هو انتصار ح.م.ا.س، ضربة وجودية ستسرّع من إجراءات دفن الكيان ومراسيمه.
حتى هذه اللحظة؛ لا يوجد حدثٌ دراماتيكي يجعل الجزم باقتراب الحرب الإقليمية الشاملة أمرٌ وارد، ولكن في الوقت ذاته لا يمكن استبعادها في كل لحظة، ولا يمكن التعويل على عقلانية الإمبراطورية الأمريكية التي تشعر أنّ هزيمة الكيان هي اقترابٌ من خط النهاية، نهاية الوجود الأمريكي في المنطقة.
إنّ معركة طوفان الأقصى هي السر الكامن في صدر أمةٍ بكاملها، أخفته قهرًا ثمانية عقود من الزمن، وكادت تتآكل عزيمتها من ثقله وطول انتظاره، بل دخلت زمنًا من الهزائم لم ينتهِ إلّا بعد انتصارات لبنان بم.ق.او.م.ت.ه، حيث استعادت الأمة ثقتها بقدراتها وقدرتها، وبدأ الدخول في عصورٍ من الانتصارات، وفي هذا المناخ تفجّر سر "طوفان الأقصى".
سرٌ أباحته فلسطين، واستباحت به شباك بيت العنكبوت، سرٌ أذاعته فلسطين على مسامع العالم المتحجر، بفعل كلس الرواية الصه.ي.ون.ية فاستفاق، ليسمع ويرى أبشع ما أنتجه العقل الاستعماري، كيانٌ يعادي كل شيء على هذا الكوكب من شجرٍ وحجرٍ وبشر، كيانٌ يرى فناء الكوكب مجرد عرضٍ هامشي في سبيل تحقيق مصالحه، كيان يتعايش فيه كل الأراذل من كل أصقاع الأرض، ويتناقضون في كل شيء، باستثناء أنّهم جميعًا يتفقون على مبدأ القتل لمجرد القتل، وسفك الدماء طريقتهم الوحيدة لإخفاء تناقضاتهم، وقاسمهم المشترك الحصري والوحيد، أنّهم كلهم قتلة، ولأنّهم يدركون فداحة جرائم القتل التي يمارسونها، فلا شيء يرعبهم ويلجمهم مثل تهديد حياتهم وقتلهم.