طوفان الأقصى" تضع الاقتصاد الإسرائيلي في مهب الريح المقاومة القانونية | توثيق جرائم الصهيونية | طوفان الأقصى" تضع الاقتصاد الإسرائيلي في مهب الريح
تاريخ النشر: 16-11-2023

بقلم: عناية ناصر

نشرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" في 6 تشرين الثاني، تحقيقاً استثنائياً يتتبع الخسائر الاقتصادية المدمرة التي خلفتها الحرب الإسرائيلية على غزة ، والتي ظهر تأثيرها عبر الموارد المالية الشخصية، وأسواق العمل، والشركات، والصناعات، كما بدت أثارها على حكومة الكيان الإسرائيلي نفسها.
وذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" في تحقيقها أن الحرب عطلت ودمرت "الآلاف" من الشركات، والعديد منها يتأرجح على حافة الإنهيار، مع غرق قطاعات بأكملها في أزمة غير مسبوقة. وتكشف البيانات المستقاة من مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي عن واقع قاتم، حيث أغلقت واحدة من كل ثلاث شركات أبوابها أو تعمل بطاقة 20 بالمائة منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول، والتي أحدثت ثغرة في الثقة الإسرائيليين بحكومتهم.
تواجه أكثر من نصف الشركات خسائر في الإيرادات تتجاوز علامة 50 بالمائة، كما تتحمل المناطق الجنوبية، الأقرب إلى غزة، العبء الأكبر، حيث إن ثلثي الشركات إما مغلقة أو تعمل بالحد الأدنى. ومما يزيد من الأزمة سوءاً، أن وزارة العمل الإسرائيلية تفيد بأن 764 ألف إسرائيلي، أي ما يقرب من خمس القوى العاملة في "إسرائيل"، عاطلون عن العمل بسبب عمليات الإخلاء، وإغلاق المدارس أو الاستدعاء للخدمة الاحتياطية.
التأثير على التجارة والسياحة في تل أبيب
نشرت وكالة " بلومبيرغ " مؤخراً أرقاماً للأثر الاقتصادي للعدوان العسكري لتل أبيب على غزة، حيث كلفت حرب غزة الاقتصاد الإسرائيلي ما يقرب من 8 مليارات دولار حتى الآن، مع خسائر إضافية بقيمة 260 مليون دولار يتم تكبدها مع كل يوم يمر . وعلى الرغم من هذا الوضع المزري، فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يعتمد بشكل كبير على دعم الأطراف السياسية اليمينية والصهيونية المتطرفة، يصر على تخصيص "مبالغ ضخمة" لمشاريع أيديولوجية واستعمارية استيطانية غير ضرورية، حيث خصص نتنياهو مبلغاً ضخماً قدره 14 مليار شيكل (3.6 مليار دولار) من الإنفاق التقديري للأحزاب السياسية الخمسة التي تشكل حكومته الائتلافية، معظمها مخصص للمدارس الدينية وتطوير المستوطنات اليهودية غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة.
وفي مفارقة مريرة للحرب على غزة، توقفت العديد من مشاريع البناء الإسرائيلية مؤقتاً، لأنها اعتمدت في المقام الأول على استغلال العمال الفلسطينيين، فالسياحة، التي تعتبر شريان الحياة الاقتصادية ، لا توفر سوى القليل من الأموال لتل أبيب، حيث تشير أرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن رحلات الطيران الدولية تساهم بنسبة 2.8% فقط من الناتج المحلي الإجمالي لـ "إسرائيل" وتقدم 230 ألف وظيفة، أي ما يزيد قليلاً عن 6% من إجمالي القوى العاملة.
وعلى الرغم من الجهود المتواصلة طوال عام 2022 لإنعاش السياحة، إلا أن شهر تشرين الأول شهد انخفاضاً هائلاً بنسبة 76 بالمائة على أساس سنوي. كما أدت عملية "طوفان الأقصى" إلى تدمير حركة السفر بشكل أكبر، حيث انخفضت الرحلات الجوية اليومية من وإلى مطار بن غوريون من 500 إلى 100 فقط . وعلى النقيض من ذلك، في تشرين الأول 2022، تجاوز عدد الوافدين الدوليين 370 ألف سائح.. ومع عدم وجود نهاية للحرب في الأفق، وفرار المستوطنين الصهاينة بأعداد كبيرة، يبدو من غير المرجح أن تصبح تل أبيب وجهة لقضاء العطلات مرة أخرى في أي وقت قريب.
الحرب الاقتصادية
لم تغب الكارثة التي تتكشف تبعاتها عن أذهان خبراء الاقتصاد في تل أبيب، حيث حث 300 منهم، في الأول من تشرين الثاني، نتنياهو ووزراء ماليته على العودة إلى رشدهم، بسبب الضربة الخطيرة التي تلقتها "إسرائيل". ويعتقدون أن الكارثة "تتطلب تغييراً جوهرياً في الأولويات الإسرائيلية وإعادة توجيه الأموال بشكل كبير للتعامل مع أضرار الحرب، وإعادة تأهيل الاقتصاد. ورداً على ذلك، تعهد رئيس الوزراء بجرأة بإنشاء "اقتصاد بقوة السلاح".
وأضاف بالقول :"إن توجيهاتي واضحة: نحن نفتح الصنابير، ونضخ الأموال لكل من يحتاج إليها... مهما كان الثمن الاقتصادي الذي تفرضه علينا هذه الحرب، فسوف ندفعه دون تردد... سوف نهزم المقاومة الفلسطينية في الحرب العسكرية وسننتصر في الحرب الاقتصادية أيضاً".
على الرغم من هذا الخطاب المنمق، هناك دلائل كثيرة على أن الكيان الصهيوني مخدوع بشكل خطير بشأن استدامته الاقتصادية، حيث تكشف التقارير التي نشرها "معهد سياسات أمة الشركات الناشئة" في تل أبيب عن توقعات قاتمة، إذ بعد أسبوعين فقط من عملية "طوفان الأقصى"، أصدرت المنظمة دراسة حول الأضرار التي لحقت بقطاع التكنولوجيا في "إسرائيل"، الذي كانت تعتبره في السابق مصدر فخر، ومؤشراً لازدهارها بشكل عام، حيث كانت النتائج قاسية . وحتى في تلك المرحلة المبكرة، توقعت "أمة الشركات الناشئة" حدوث أزمة اقتصادية وشيكة لا تزال قوتها غير معروفة بناءً على استطلاعها. وبشكل إجمالي، أبلغت 80% من شركات التكنولوجيا الإسرائيلية عن أضرار ناجمة عن تدهور "الوضع الأمني" في البلاد، في حين سجل ضرراً مزدوجاً سواء في الموارد البشرية أو في الحصول على رأس المال الاستثماري.
إضافة إلى أن أكثر من 40% من شركات التكنولوجيا لديها اتفاقات استثمارية تأخرت أو ألغيت، و10% فقط تمكنت من عقد اجتماعات مع المستثمرين . وخلص التقرير إلى: "إن عدم اليقين والقرار الناتج عن ذلك الذي اتخذه العديد من المستثمرين "بالبقاء على الحياد" بسبب الوضع الحالي يضرب النظام البيئي الذي كان يعمل لجمع رأس المال، ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم الاستقرار السياسي عشية الحرب، إلى جانب أزمة الركود الاقتصادي العالمية".
وهناك سبب آخر لفشل قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، لم يذكره "معهد سياسات أمة الشركات الناشئة" وهو كشف "عملية طوفان الأقصى" عن نقاط ضعف نظام المراقبة الإلكترونية والحرب في تل أبيب . وخلص التقرير أيضاً إلى أن عملية المقاومة الفلسطينية "ستؤدي على الأرجح إلى انخفاض كبير في حظوظ قطاع الأمن السيبراني في إسرائيل"، لأنها تمثل ضربة خطيرة وربما قاضية لعلامة " سياسات أمة الشركات الناشئة" التي تعتمد بشكل كبير على الأمن السيبراني، وقد أكدت الأحداث اللاحقة هذا التوقع.
تقلبات حادة
لقد أثارت الأحداث الأخيرة بشكل طبيعي مخاوف كبيرة بين المستثمرين الأجانب والشركاء والعملاء للشركات الإسرائيلية، إلا أن معهد " سياسات أمة الشركات الناشئة" رسم صورة أكثر تفاؤلاً من ذي قبل في محاولة لإثبات قدرة "إسرائيل" على التغلب على الأزمات من هذا النوع في الماضي. ويستند هذا الحكم المتفائل إلى الهجوم على غزة عام 2014 الذي كلف 0.3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي، أو حوالي 8 مليارات شيكل بقيمة اليوم. علاوة على ذلك، لم يتسبب هذا الجهد العسكري في تعطيل الأسواق المالية بشكل دائم، أو التسبب في "تقلبات حادة" في بورصة تل أبيب على المدى القصير أو الطويل . وخلص معهد " سياسات أمة الشركات الناشئة" إلى أنه يمكن افتراض نفس التأثير، أو عدم وجوده، فيما يتعلق بعملية " السيوف الحديدية" اليوم ضد غزة.
ومع ذلك فإن الحجم غير المسبوق لعملية "طوفان الأقصى"، الذي أجبر حشد 360 ألف جندي إسرائيلي، بالإضافة إلى تكثيف المناوشات العسكرية على الجبهة الشمالية، والدمار الاقتصادي المستمر، يتحدى إمكانية تطبيق سيناريو "الجرف الصامد"، حيث تم في عام 2014، حشد 5000 جندي فقط في عملية عسكرية لقوات الاحتلال الإسرائيلي استمرت 49 يوماً فقط.
يعبر نتنياهو، على الأقل خطابياً، عن مظاهر الرغبة في القضاء على المقاومة الفلسطينية وإنهاء دورها في غزة، حتى لو لم تتحقق هذه الأهداف حتى الآن . وهناك أيضاً دلائل لا لبس فيها تشير إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا تسعيان إلى صراع طويل الأمد بالوكالة ليس فقط في فلسطين، بل وأيضاً في مختلف أنحاء غرب آسيا. قد يكون هذا الثالوث غير المقدس على وشك تعلم درس مؤلم للغاية في الحدود الحقيقية لقوتهم في العصر الحديث، لأن عملية "طوفان الأقصى" حققت نجاحات مفاجئة، وشكلت تحدياً للإجراءات الأمنية المعمول بها، ومن المحتمل أن تكون إشارة لبداية تفكك أكبر للمشروع الصهيوني .


جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013