سورية و العداء الدائم و القديم للكيان المقاومة القانونية | توثيق جرائم الصهيونية | سورية و العداء الدائم و القديم للكيان
تاريخ النشر: 08-11-2023

بقلم: الدكتور طارق صياح حاتم

بالأمس القريب و القريب جداً كانت سماء سورية حصناً منيعاً و حمىً حراماً لا يتجاوزه عدوٌّ و لا يتخطاه أجنبي. سنوات و الكيان على حدود سورية لم يفكر و لو للحظة اختراق الأجواء السورية و كانت قواعد الدفاع الجوي جنوب دمشق تتأهب لمجرد اقلاع طائرة واحدة من مطارها في فلسطين المحتلة و تتفعل الرادارات للدرجة الحمراء فماذا جرى؟ و لماذا تطاول العدو و الذي إن لم يكن منفذ مجزرة الكلية العسكرية مباشرةً فبصماته خلفها لامحال من خلال حفنة من العملاء الذين باعوا الوطن و خانوا الدين فجزءٌ منهم عميل تركية و حلفائها و الآخر عميلٌ للكيان و حلفائه.

موقف سورية من (الكيان) حتى بداية الأزمة السورية:

لقد فاجأ حافظُ الأسد (الكيان) والعالم بحربه في أكتوبر و ضرب العدو في مقتل بعد ثلاثة أعوام فقط من توليه الحكم في سورية و أوجع العدو بحربه فأصبح الأسد الأب على قائمة أشرس الأعداء للكيان على مستوى المنطقة. استطاع الصهاينة ترك حافظ الأسد وحيداً بعد إيقاف السادات للحرب على الجبهة المصرية و دخوله في اتفاقٍ أشبه باتفاق الإذعان من خلال توقيعه لكامب ديفيد التي صارت وصمة عار في جبين السياسة المصرية و أخرجت مئة مليون مصري من معادلة المواجهة مع الكيان الصهيوني و بهذا خسر الأسد الجولان الذي لا يزال يرزح تحت نير المحتل الغاصب سليباً بعيداً عن الوطن الأم. و تهاوى العرب بتطبيعهم مع الكيان من خلال وادي عربة و أوسلو و غيرها من الاتفاقية المذلة للأمة و التي تعد خيانةً لا تغتفر للقضية الفلسطينية و للأمة كلها. لم يسلم حافظ الأسد و لم يوقع إلا باستعادة الجولان و طبرية و كل المحاولات القديمة و الحديثة و حتى محاولات الوساطة التركية مع ايهود أولمرت و محاولات واشنطن مع نتنياهو لاستقطاب بشار الأسد باءت بالفشل و كل حل مطروح لا يرد الجولان و طبرية مرفوض و يعتبر كفراً في السياسة السورية. تهديدات أمريكا بتدمير سورية لم تتوقف أولها تهديد كولن باول إبان الحرب الأمريكية للأسد صراحةً في دمشق و محاولة إلصاق تهمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري بسورية و عزل سورية دولياً و حتى اقليمياً و لكن موقف سورية كان ثابتاً راسخاً كالجبال و تجلى باحتفال الأسد بنصر تموز عام ٢٠٠٦م و وقوفه إلى جانب المقاومين في كل حدث بكل فخر و صراحة. و لهذا كانت الخيارات مطروحة و مع بدء الربيع العربية تم إعداد خطة ضرب الداخل السوري جاهزة و الأذرع الأمريكية الخارجية أعني الإقليمية منها و كذلك الأذرع الداخلية الرخيصة التي قبضت الآلاف و الملايين من الدولارات باعترافات مشغليهم و آخرها كلام رئيس وزراء قطر الأسبق الذي أعطى وصفاً دقيقاً و شهادةً تاريخيةً لما حدث و ما قام به هؤلاء العملاء و ثمن كل منهم.

الربيع العربي و استغلاله لخدمة (الكيان):

في ٢٠١١م بدأت المظاهرات في سورية و خُيِّل للعالم أنها مطالب محقة لشعب سورية لكن سرعان ما بدا للجميع صدق الرؤية الرسمية السورية للموقف و سرعان ما تحولت الاحتجاجات إلى السلاح و الحرب الممنهجة التي طالت كل شيء في هذا البلد. بينما هناك حراك شعبي حافظ على سلميته في أكثر من بلد و لايزال حتى اللحظة كذلك. و إن مايثبت أن الأمر كان مدبّراً من عدوٍّ بليل عدد شهداء الجيش و القوى الأمنية و الرديفة منذ بدء الحرب و وجود السلاح بيد المسلحين و الذي شهده كل العالم و هذا من وسائل إعلامٍ داعمةٍ لهم. البداية كانت من الجنوب فلماذا اختاروا درعا؟ لماذا لم تكن من حماة أو من حلب؟! أما درعا فمعظم موظفي الخارجية السورية منها و عدد من رجال الأمن و الضباط الكبار كانوا منهاو لم تكن يوماً مهمشة أو مظلومة فمنها محمود الزعبي أحد أهم رجال حافظ الأسد و رئيس وزراء سورية و منها فاروق الشرع و فيصل المقداد و وائل الحلقي و الزامل و رستم غزالة و غيرهم فماذا كان ينقصهم و أركان من صلب الدولة من محافظتهم؟ لقد اختار الأمريكيون و الصهاينة المكان بعناية و خبث لضرب أمن البلاد و المنطقة و ضرب دمشق في مقتل و منذ اللحظات الأولى لما يسمى (بالثوار) هاجموا كتائب الدفاع الجوي و لم يكن فيها سوى أنظمة الرادار و نظم صاروخية موجهة للجبهة أي للكيان الغاصب و مضادات للطائرات فما خطرها و لماذا دمروها و تلك الفيديوهات على أقنية عربية و أجنبية تشهد على تفكيك نظام الدفاع الجوي السوري و تخريبه بعناية وفق خرائط دقيقة أحدثت ثغرة كبيرة في نظام الدفاع الجوي السوري و من أين لمجموعة من المسلحين الذين لا خبرة لهم بالميدان و خرائطه و توزع كتائب الدفاع الجوي و الصواريخ هذه المعلومات؟ إنه الكيان الصهيوني يا سادة لا أحد غيره. بتفكيك منظومة الدفاع الجوي أصبحت الأجواء مفتوحةً للكيان الذي يتطاول على السيادة السورية بين الحين و الآخر بينما يتوزع الجيش العربي السوري جنوباً صوب البادية لدرء خطر فلول داعش و شرقاً على حدود المنطقة التي يحتلها الأمريكيون شرق الفرات و أما الشمال الذي تحتله تركية و الذي لا تتوقف عملياته الاستفزازية واستهدافاته المتكررة لمقاتلي الجيش العربي السوري و لعل آخرها و أشدها كان مجزرة الكليّة الحربيّة بحمص و التي راح ضحيتها العشرات من الشهداء العسكريين و المدنيين و لايزال الجرحى حتى اللحظة في مستشفيات حمص و اللاذقية و حماة و غيرها. تواجه اليوم سورية ثلاثة جيوشٍ مدعمة بعملائها ففي الجنوب يقبع القيان في الجولان السليب و في الشرق يسلب الأمريكيون شعبَ سورية و نفطهم نهاراً جهاراً و يخدمهم عملاؤهم من قسد الذين خانوا الله و الوطن و الشعب بعمالتهم، و أما الشمال فإن الجيش التركي المدعوم أمريكياً و أوروبياً يحتل شمال سورية بدعمٍ من أكثر المسلحين تشدداً و الذين يتصدرون قائمة الإرهاب كالنصرة و غيرها من العملاء الأذلاء فأي دولةٍ يمكنها مواجهة هذه الجيوش ناهيك عن أشد العقوبات الاقتصادية فتكاً و التي وصلت للدواء و الغذاء فهل مرّ على تاريخ العالم و المنطقة دولةٌ تعاني ما يعانيه السوريون؟ ثلاثة محتلين من أقوى الجيوش في العالم و الآلاف من العملاء الذين يأتمرون بأمر المحتل و عقوباتٌ تعد الأقوى إقليمياً و الرابعة دولياً. و حتى هذه اللحظة لم ينتهِ حجم الحقد للكيان الغاصب لهذا البلد المقاوم و إخراجه المتكرر لمطارات سورية عن العمل أكبر دليلٍ على خوف هذا الكيان من سورية الجريحة المصابة التي لا تقل جراحها عما تعانية غزة اليوم.

سورية و (الكيان) و ما يجري في غزة اليوم:

لقد التزمت سورية بقضية فلسطين من دافع أخلاقي و قومي و ديني كقضية أساسية لا يمكن المساومة عليها أبداً و بذلت سورية في سبيلها الكثير و لو لم تكن سورية دوماً جزءً من داعمي المقاومة لما رأينا كل فصائلها في دمشق التي تعاني من كل شيء و هذا إن دلّ فإنما يدلّ على أن سورية في قلب الحدث و لها دورها في المحور الذي لا يمكن لغيره القيام به و أنها تقوم به على أكمل وجه في هذه المعركة و ما قام به الأبطال في غزة كان نتاج تكافل للجهود و تظافرها في سبيل ضرب الكيان في عمقه و تغيبر ثوابت معادلة الرد و المقاومة في فلسطين المحتلة. و أما موقف سورية الثابت من المعركة مع العدو ثابتٌ كالجبال و قلب كل سوريّ معلقٌ بالأقصى و أفئدتهم تتفطر لما يجري في غزة الصمود التي أعطت و تعطي دروساً في الشرف و البطولة لكل العالم.

شعبٌ يعاني بسبب جرائم الإرهابيين و جيوش المحتلين و حالهم لا يقل سوءً عن حال غزة فالكهرباء معاناةٌ ليس مثلها معاناة و أما المحروقات فبيد الأمريكي المحتل حالها حال محروقات غزة و أما الوضع الإقتصادي فهو الأسوأ في تاريخ سورية و الحصار في سورية لا يقل عن حصار غزة ألماً و وجعاً. و لقد بقيت سورية و شعبها وحيدين تنهشهم أنياب الإرهاب و العصابات الراديكالية المسلحة متعددة الولاءات و يرقبها العرب بصمت و الذين حاولوا و لا يزالون إذلالها بكل السبل المتاحة و كسر إرادة المقاومة فيها لكن هيهات فلا سلام مع الكيان إلا باستعادة الحقوق المسلوبة و كل ذرة تراب من الأراضي السورية المحتلة و أما خيار المقاومة فليس خيار الأسد وحده فقط بل هو خيار شعبه البطل و لا يمكن لرئيسٍ منتخب أن يحيد عن الإرادة الجماهيرية لشعبه و أما تفاصيل العمل فهي تسير وفق خطط يتم دراستها بتأنٍ و دقة و أخذ كل المتغيرات الإقليمية و الداخلية و الدولية كعوامل مؤثرة في معادلة العمل للمحور بشكلٍ كامل و أن الثقة بالنصر تتعزز في النفوس يوماً بعض يوم لا شكّ فيها و كل محاولات المرجفين و الأبواق المتزلفة سترى ذلك و إن الغد لناظره لقريب.


جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013