زعيمٌ سياسي مغربي معارض، ولد في الرباط عاصمة المملكة المغربية لعائلة متواضعة، برع في الرياضيات والتاريخ واللغة الفرنسية وحصل على شهادة البكالوريا بتفوق، وكان من المفروض أن يلتحق بجامعة باريس لكن قيام الحرب العالمية الثانية دفعه إلى التوجه إلى الجزائر حيث حصل هناك سنة 1942 على ليسانس في الرياضيات وبدأ من العام الدراسي 1942ـ 1943 حياته المهنية مدرساً في ثانوية كورو بالرباط.
انشغل المهدي بن بركة بالنضال من أجل استقلال المغرب وبدأ عمله السياسي مبكراً وهو في سن الثالثة والعشرين، حيث انضم إلى العمال الوطنيين عام 1943، وشارك في تأسيس جمعية الرباط الوطنية الثقافية التي حلتها السلطات الفرنسية سنة 1944.
شارك «بن بركة» عام 1944 في تحرير وثيقة الحادي عشر من كانون الثاني/يناير 1944 التي طالبت باستقلال المغرب، واشترك في المظاهرات التي جرت آنذاك ضد السلطات الفرنسية، فاعتقل وكان هذا الاعتقال الأول له. وبعد خروجه من السجن عُيِّن عضواً في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، وفي عام 1951 اعتقل «بن بركة» مرة ثانية ونفي إلى جنوب المغرب حيث بقي في منفاه حتى عام 1954.
انفصل بن بركة عن حزب الاستقلال في عام 1959 وأنشأ حزب الاتحاد الوطني للقوى الشعبية، وبسبب معارضته لسياسة الحكومة المغربية، اُضطر إلى الرحيل إلى جنيڤ، وبعد وفاة الملك محمد الخامس قرر العودة إلى المغرب وانتخب عام 1962 نائباً في البرلمان في الدار البيضاء.
لجأت عائلة المهدي بن بركة إلى القاهرة في أوائل الستينات حيث كان المد القومي في أوجه، وحيث وجدت منظمات التضامن الإفريقي والآسيوي فضاءً رحباً لنشاطها. وأصبح «بن بركة» مقرباً من الرئيس جمال عبد الناصر والعديد من قادة العالم الثالث.
أصبح بن بركة في الستينات زعيماً عمالياً من زعماء العالم الثالث، فأخذ يحضِّر لمؤتمر القارات الثلاث الذي سوف يعقد في كانون الثاني/يناير 1966 في هاڤانا عاصمة كوبا، وكان يرأس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، وكان شغله الشاغل نجاح المؤتمر، واتصل بكل حركات التحرر في العالم الثالث لهذا الغرض، وبالتالي كان «بن بركة» يُعد خطراً مباشراً على الإمبريالية الأمريكية، وخطراً على مصالح النظام المغربي أولاً ثم المصالح الاستعمارية في إفريقيا، وكان أول من فضح التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا.
في إطار وضعه للمسات الأخيرة لانعقاد مؤتمر القارات الثلاث زار «بن بركة» بيروت في 23 حزيران/يونيو عام 1965، ثم سافر إلى جنيڤ وباريس وفي 29 تشرين الأول/أكتوبر 1965 خُطف «بن بركة» من مقهى في شارع سان جرمان في باريس حيث كان على موعد مع طالب مغربي يدعى تهامي الأزموري وإذ بثلاثة رجال ينقضون على «بن بركة» ويدفعون به إلى داخل سيارة ويلوذون بالفرار عبر شارع ران.
ولم تزل حادثة اختطاف «بن بركة» منذ أكثر من 40 عاماً لغزاً محيراً حيث اشتركت أكثر من جهة استخباراتية منها الموساد الإسرائيلي في خطفه وقتله. وكشفت صحيفة «ايديعوت احرنوت» الصهيونية عام 1994 عن تورط الموساد في خطف المهدي بن بركة، حيث اطلع الصحفي (شلومونكديمون) على تقارير سرية تؤكد قيام إسرائيل وأمريكا بمساعدة لوجستية وتقنية في عملية اختطاف «بن بركة»، وذكر أن إسرائيل ساعدت على تحديد مكانه والخطف كان على يد المخابرات الفرنسية والمغربية. كما أعلن رجل المخابرات المغربي السابق أحمد بخاري لصحيفة لوموند (Le Monde) الفرنسية مؤخراً (2005) ما سماه الملابسات التي أحاطت بمقتل زعيم المعارضة المغربية «بن بركة»، وقال إن العديد من رجال المخابرات المغربية ومن أبرزهم الجنرال محمد اوفقير تورطوا في مقتل الزعيم اليساري، وذكر تحديداً أسماء رجال الشرطة والمخابرات السابقين محمد مسناوي وعبد القادر السقا، وقال بخاري إن بن بركة اختطف من وسط باريس على يد مسؤولين مغاربة كبار ولقي مصرعه بعد تعذيبه وهو مقيد اليدين ومعلق بالحبال عام 1965، قبل أن يتم نقل جثته إلى المغرب وإذابتها في برميل مملوء بحمض الأسيد.
كتب المهدي بن بركة عام 1965 وقبل اختطافه كتابه الأخير «الاختيار الثوري في المغرب» ألقى فيه الأضواء على حالة المغرب في الستينات من القرن العشرين، ويعتقد أن المؤلف قد دفع حياته ثمناً لآرائه السياسية التي يعبر عنها هذا الكتاب خير تعبير.
هذا الكتاب فيه تحليل للمجتمع المغربي وشرح معنى الاستقلال والظروف التي يتحقق فيها، وفيه تحليل نقدي شامل لحركة التحرير الوطني في المغرب وخاصة في أوائل الستينات حينما كان الملك المغربي الحسن الثاني في عام 1962 يستعد أن يمنح البلاد دستوره الرجعي. وكان المد الرجعي يكتسح القارة الإفريقية، وكانت القوى التقدمية تواجه مصاعب محلية كما في الجزائر إثر اتفاقية إفيان Evian وفي الجمهورية العربية المتحدة بعد الانفصال في سورية. ويسجل بن بركة في كتابه دور الطلبة في معركة التحرير والبناء متحدين قوات القمع البوليسية، كما يفرد الكاتب صفحات عديدة من كتابه عن دور إسرائيل في إفريقيا وفضحه هذا الدور المشبوه.