هانحن ندخل في عصر اردوغان الثالث عشر .. فالرجل يستنسخ نفسه .. ويعود كما تدور الدائرة وكما تعود عقارب الساعة الى نقطة البداية وتعيد الدوران .. ولكن مهما قيل عن اردوغان الجديد او اردوغان الثالث عشر فانه لاشيء سيمحو تلك اللوثة التي لاتفارقه وهو انه رجل الماسون كما وصفه نجم الدين اربكان نفسه .. اربكان الذي توفي وصمت او تم تغييب صوته منذ ان وصل اردوغان للحكم حيث اخرج اربكان من الحاية السياسية التركية منذ عام 2003 الى يوم وفاته عام 2011 .. وظل مكتوم الصوت الى يوم وفاته التي وافقت انطلاق الربيع العربي وكأن غيابه لايبدو انه العمر الذي انتهى بقدر الموت الطبيعي بل استعجال الموت الذي كان ضروريا فيه ان يغيب اربكان قبل ان يرفع صوته بالاحتجاج على ظهور أسنان تركيا الناتوية في فم اسلامي محسوب عليه يعض الجسم الاسلامي ويمزقه وينهشه بوحشية ..
هذه اللوثة والتهمة التي أطلقها اربكان هي التي ستحكم مراجعتنا لكل تركيا الحالية التي يديرها اردوغان وشركته في حزب العدالة والتتنمية .. وسلوكه المراوغ لايزال يثير فينا شهية اليقين لا شهية الشكوك .. ولذلك سنأخذ تركيا الجديدة في زمن اردوغان الثالث عشر لنحلل سبب نقل الاستخبارات التركية الى الخارجية .. فوزارة الخارجية توكل دوما للمستقبل وليس للماضي .. اي توكل الى شخص يديرها وفق اتجاه العهد الجديد .. ولذلك فان شخصية وزير الخارجية واتصالاته وارتباطاته وسيرته الذاتية وخبراته توظف في اهم الملفات الخارجية للدولة .. فاذا كانت اتجاهات سلام ومصالحات وعلاقات مع محور دولي ما فان اختيارها يعكس ذلك ويتم الاختيار .. بحيث يكون رسالة واضحة لتسهيل حل الملفات .. ولكن عندما يتم اختيار شخصية متشددة فان الرسالة تعني انه سيمارس التشدد وان تعيينه كان من اجل جعل اي مفاوضات مقبلة مع الخصوم والمنافسين شاقة وثقيلة ولاتقدم فيها تنازلات ..
عندما يتم تعيين رئيس السي اي ايه في منصب وزير الخارجية الامريكي فان هذا يعني ان السياسة ستديرها المخابرات بعقلية المخابرات وليس بعقلية الديبلوماسية .. وعندما يتم تعيين تعيين عسكري في اي وزارة فهذا يعني ان منطق القوة هو ما سيكون في اي حوار ..
اليوم في وزارة اردوغان الثالث عشر تم نقل حقان فيدان الى وزراة الخارجية وربما يعني هذا ان المخابرات التركية هي التي ابتلعت وزارة الخارجية .. فيما تولى الملف الاقتصادي شيمشيك هو ممثل البنك الدولي في تركيا .. وهذا يعني ان اردوغان قد استجاب للبنك الدولي وسلمه اقتصاد تركيا كثمن لعودته الى السلطة لأن تركيا في الفترة الماضية نسجت بعض العلاقات مع روسيا وايران ودعيت الى دول البريكس .. وهذا التعيين ضد هذا الاتجاه ..
وبالتالي يكون الملف الرئيسي الخارجي لحقان فيدان ليس الحرب الاوكرانية وليس الحرب الاذربيجانية الارمينية وطبعا ليس الحرب في نيجيرية وليس العلاقات الصينية التركية .. بل الملف الذي سيكلف به وزير الخارجية كملف هو خبير فيه و لديه كل الخبرة في ادارته .. ولكن ماهو الملف الذي يعرفه حقان فيدان ولديه كل تفاصيله ودقائقه .. وامضى فيه كل وقته وجهده ؟؟ انه ملف الربيع العربي والحركات الاسلامية المسلحة .. وخصوصا الملف السوري فيه والتنظيمات الارهابية المسلحة التي كان حقان يشكلها ويصنعها ويطلق عليها التسميات ويعين فيها قادتها ومسؤوليها ويرسل لها شعاراتها ومخططات العمليات .. وانواع الاسلحة والخرائط .. وهو مالك جبهة النصرة وسيد الجولاني والبغدادي .. وهو الذي أشرف على كل رصاصة وكل قطرة دم في الحرب على سورية ..
اليوم بوصوله الى وزارة الخارجية فان الملف السوري هو الذي سيتولى ادارته ويبدو الملف السوري اهم ملف في حياة أردوغان الثالث عشر .. والسبب هو انه امام استحقاق عليه ان يتعامل معه بجدية .. وهو الوجود التركي في ادلب وفي الحياة السياسية السورية واخراج السوريين من تركيا .. وهما اكبر ملفين سياسيين في تركيا ..
ولكن ان يتم زج المخابرات في العملية التفاوضية والسياسية لايفهم منه ان الاتراك راغبون في حله بسهولة بل عبر مفاوضات شاقة وعسيرة .. ولو كانت تركيا بصدد حل سياسي فانها كانت ستسلم الملف لشخصية معروفة ان لها علاقات او رأيا تصالحيا مع الدولة السورية ولاعلاقة لها بالتنظيمات والمعارضة العسكرية المسلحة .. وهذه الشخصية المعتدلة هي التي ستبلغ الاستخبارات التركية بنتائج التفاوض ليتم تنفيذها او ستطلب ارشادات الاستخبارات في بعض التفاصيل لتسهيل الحل .. اما ان يدخل جسم ورأس المخابرات في جسم الخارجية ويصبح رأسها فهذا اعلان عن تفاوض على طريقة الاستخبارات .. اي ان تتم حماية مكتسبات تركيا وليس تركها بيد أشخاص لايعرفون اهمية القضية الامنية التي يتفاوضون عليها .. ولذللك فان حقان فيدان سيفاوض على شكل من أشكال التدخل في الشأن السوري وابقاء الملف السوري ملفا تركيا .. عبر الملف الاستخباراتي بحجة انه ديبلوماسي ..
وقد يرى البعض ان حقان فيدان كمفاوض في الشأن السوري سيكون من أجل حل سريع لأن الملف الامني معقد ولايقدر الا مفاوض المخابرات على فهم تعقيداته .. كما ان حل مشكلة قسد بين سورية وتركيا له اولوية لايتصدى لها الا رجل مخابرات .. ولكن هذا التصور ينطلق من تصديق نية تركيا في التخلص من تبعات الملف السوري .. ولو كانت تركيا الجديدة بصدد التخلص من الملف السوري لتركت الخارجية لرجل سلام او شخصية ومعتدلة في السياسة الخارجية .. لان هذه الشخصية لن تبحث في تفاصيل معقدة بل في الاتفاق والخطوط العريضة وهي خطوط مفهومة للسوري وهي الانسحاب الكامل وايجاد مخرج ديبلوماسي لائق بقضية اللاجئين والمسلحين الذين سيتم استيعابهم في العملية .. فمهمة فيدان هي في وضع الثقل التركي في التفاوض لمنع اي اتفاق ولعب بطريقة المخابرات بالمفاوضات ..
انا لاأزال على موقفي من ان الشك ليس هو مايحركني بل اليقين في الشك .. واليقين ان اردوغان رجل الماسون في تركيا .. وانه مستعد لكل شيء الا ان يتغير سلوكه في سورية ..