محورية سوريا في التحولات الاستراتيجية العالمية التقارير والمقالات | محورية سوريا في التحولات الاستراتيجية العالمية
تاريخ النشر: 31-05-2023

بقلم: الدكتورة صفية سعادة

كانت الولايات المتحدة الاميركية تمنّي النفس بأن يكون القرن الواحد والعشرين قرنها دون منازع، وأن تؤكد للجميع أن مقولة فوكوياما بأن انتصارها يعني نهاية التاريخ. وما ان سقط الاتحاد السوفياتي حتى بادرت إلى تطويع العالم عسكريا. قدّمت أحداث الحادي عشر من أيلول العذر المناسب لتطبيق نظرية بريجينسكي القائلة بأن من يحكم أوراسيا سيحكم العالم. توالت نجاحاتها من أفغانستان إلى العراق، فشمال افريقيا فأسقطت نظامي مبارك في مصر وزين العابدين في تونس، والحقت القذافي بهما، فيما الصين صامتة وروسيا لا تعترض، حتى أن هاتين الدولتين لم تشهرا حق الفيتو في وجه الولايات المتحدة الاميركية خلال مداولات مجلس الامن. لم يبق أمام أميركا الا دولتان عاصيتان: إيران وسوريا، ومعهما المقاومة.
توقفت كرة الثلج المتدحرجة على أبواب دمشق. وبينما تدخلت أميركا بشكل مباشر في العراق، واحتلته كقوة مستعمرة، الا أنها فضلت متابعة حروبها بالوكالة، هادفة الى خلق شرق أوسط جديد، كما بشرتنا وزيرة خارجيتها آنذاك، كوندوليزا رايس، يمتد من تركيا إلى المغرب تحت سيطرة الاخوان المسلمين الذين يستطيعون مواجهة ليس "اسرائيل"، بل ايران. من أجل ذلك تجند اغلب الاعلام العربي والغربي لشيطنة ايران "الشيعية" التي تريد غزو العالم العربي السني، ودرج الحديث عن هلال شيعي يصل الى البحر الابيض المتوسط.
الخطأ الاستراتيجي الكبير الذي ارتكبته الولايات المتحدة الاميركية، تمثل في عدم احتساب دخول روسيا الحرب إلى جانب سوريا. وصرح الرئيس الاميركي أوباما بذلك قائلا أنها لم تتدخل لا في العراق، ولا في ليبيا، لذلك اعتبرت أميركا أنها لن تخوض حربا في سوريا.
هذا الخطأ أدى إلى توقف تقدم الولايات المتحدة الاميركية، وجعل الصين تتنبه أنها تستطيع أخذ المبادرة فنتج عن ذلك الاتفاق السعودي – الايراني.
اليوم، تعيش دول "سوراقيا" أزمات اقتصادية كبرى نتيجة هذا النزاع الهائل خلال عقدين من الزمن. هنا أيضا، تستطيع سوريا أن تلعب دورا محوريا لأن منطقة الهلال الخصيب شكلت، منذ القدم، دورة اقتصادية واحدة، فأي تعطيل لأحد كياناتها سيؤدي إلى انهيار اقتصاد جميع كياناتها، وهذا ما يعرفه المستعمر الغربي جيدا، لذلك قطّعت سايكس-بيكو أوصال المشرق العربي، ولا تزال الولايات المتحدة الاميركية تمنع التواصل بين لبنان وسوريا والعراق، وتختلق أسباب عديدة، ومنها رفضها للسياسة السورية القائمة، بينما الحقيقة تكمن في رغبتها بمنع أي نمو أو تطور اقتصادي أو تكنولوجي في منطقتنا. هنا أيضا، تستطيع سوريا أن تلعب دورا محوريا في وصل لبنان والعراق، وفتح الحدود لكل أنواع التبادل الاقتصادي والعلمي ما يعود بالخير عليها. وبالمناسبة، هذه الخطة تتناسب تماما مع مشروع "الحزام والطريق" الصيني.

(القيت في ندوة بعنوان سورية في موقعها من التحولات الاقليمية والدولية اقامتها جامعة الامة العربية في دمشق)

 


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013