-تتمتع الولايات المتحدة الاميركية بأكبر اقتصاديات العالم وتمتلك نصف هذا الاقتصاد لوحدها، ومازالت تسيطر بعنوان هيمنة الدولار الثابت آزاء كل المتغير الاخر في العالم، والعالم المستقر في أي دولة هو الذي يكيف نفسه للحماية من هذه الهيمنة، حفرت الصين في الدولار وحققت اكبر فائض نقدي(دولار) ويمثل(دين) على الولايات المتحدة الاميركية، وكذلك لعبت في الاعتمادات الاميركية السيادية (السندات السيادية) وظلت تشتغل بالنقد الفائض في كل ارجاء العالم، وبذلك شكلت ازمة مواجهة اقتصادية للولايات المتحدة الاميركية.
صانع القرار السياسي الاقتصادي الاميركي ذهب الى اجراء نقدي اقتصادي في زيادة سعر الفائدة الاميركية، ولم يفصح هذا الاميركي لعملائه عن اسباب هذا الارتفاع في سعر الفائدة، الا أن خبراء النقد يعدون هذا الارتفاع(صدمة) ويبحثون في محركها أو منتجها من الاسباب الموضوعية(المهنية)، فهي تتداخل بين ذروة نشاط اقتصادي كثيف أو ارتفاع وتوقع زيادة ارتفاع تضخم عنيف، أو أنها ردة فعل تجاه الرساميل الاستثمارية الكبيرة.
ويرجحون السبب الأخير(ردة فعل) هو الاول وتوقعات ارتفاع التضخم ثانياً، بالرغم من ان العام 2022 هو الاكثر ارتفاعاً في نسب التضخم، ومها كان السبب في رفع سعر الفائدة فأنه يحقق نتائج تتناسب عكسياً بين اسعار السندات و نسب التضخم فأذا كان رفع الفائدة هو(نشاط اقتصادي) فأنه يرفع اسعار السندات ويقلل توقعات نسب التضخم، واذا كان جراء التضخم فأنه يزيد في توقعات زيادة نسب التضخم ويقلل اسعار الاسهم والسندات، واذا كانت الصدمة هي ردة فعل المستثمرين فانها تخفض توقعات التضخم وتخفض اسعار الاسهم والسندات.
ولذلك فأن مراقبة مؤشرات التضخم(الواقعي) في الولايات المتحدة هو الاساس في حسم تفسير القرارات الاقتصادية الاميركية.
في كل الاحوال فأن القرارات النقدية الاميركية وصدماتها العلاجية على الاقتصاد لها انعكاسات في بلدان العالم الاخر ولاسيما البلدان النامية وحتى الصاعدة، وتتبدى في ازمات الديون والخدمات المصرفية وسعر صرف العملة،وأن هذه الازمات ليست من جراء التأثر المباشر من الصدمات الاميركية بقدر ماتكون وتمثل ردات فعل لهذه الصدمات التي يرافقها ويصاحبها تشدد الفيدرالي الاميركي في عناوين السحب(الصرف) والفائدة و(اصل العائدات)، وهي النتيجة الطبيعية لزيادة اسعار الفائدة الاميركية، لأنها تؤدي بالضرورة الى شح العملة السائدة في العالم والاكثر انتشاراً(الدولار)، ويجعل الدول تستنزف احتياجاتها من العملات الاخرى.
وهذه الاجراءات يقابلها في السياسة مفهوم(تصدير الازمات) الى ساحات المتأثرين بها، وبما أن ألاعم ألاغلب الدول تعتمد الدولار اساساً في تقييم مركزها المالي وحجمها الاقتصادي، فهي متأثرة قطعاً بهذه القرارات الاميركية، وبالذات تلك الدول التي تعتمد التمويل من صندوق النقد الدولي والذي يفرض شروطه القاسية في فترات الازمات.
يبقى موضوع رفع سعر الفائدة وخفضه متعلقاً بحجم العملة المتوفرة في البنك الفيدرالي مقارنة بالدولار في السوق الآخر، فهي سياسة امتصاص ودفق نقدي ومراقبة بين البنك والسوق لمعالجة مشكلات التضخم والانكماش و(توقعاتها) في الولايات المتحدة الاميركية، فضلاً عن الازمات الاخرى كـ(المديونية) التي تشكل ازمة مستمرة لاميركا، وهي تعالجها بين فترة واخرى برفع سقفها وفك اختناق الحكومة بتوفير السيولة النقدية لتغطية موازنتها، بعد صراع مرير داخل الكونغرس الاميركي بين النواب الجمهوريين والديمقراطيين.
يتفق الفكر السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي، إن قرارات الحكومات في الدول هي قرارات إقتصادية في نهاياتها، وإن كان من كلام في سيادة أو تحرير أو إرادة سياسية، فهي تعني إمتلاك حرية القرار الاقتصادي، ولذلك فأن دول العالم تجهد نفسها ولاتدخر جهداً في صياغة سياساتها النقدية والرقابة المالية واجراءاتها التنظيمية التي تحرز مصالحها وقراراتها المختلفة لبناء بلدانها وتطويرها.
إن هذا الامر يدعوا صانع القرار في أي دولة وبالذات دولة العراق الذي عانى وأنكوى من اجحاف وتعسف وهيمنة الولايات المتحدة على قراراته منذ اكثر من سبعة عقود، أن يعيد المأساة على نفسه ويضع بيضه وثروته في سلة واحدة سواء من حيث الواردات او العملة أو السوق أو الحماية(اميركا)، وهذه الاميركا تسوق قراراتها الظالمة بأسباب فنية(إقناعية) تجعل الحكومات المظلومة تدافع عن قرارات اميركا، وكما يجري حالياً في معظم الدول النامية، ونرى إن فرصة الازمات تنتج حلولاً اكبر من الازمة نفسها، بآلية تفكيك الازمة وتحديد المراحل الزمنية اللازمة لعبورها.