هل تعرفون قصة قانون قيصر؟ المقاومة القانونية | توثيق الجرائم الأمريكية | هل تعرفون قصة قانون قيصر؟
تاريخ النشر: 25-02-2023

بقلم: نصري الصايغ

هل تعرفون قصة “قانون قيصر؟”. إنه قانون إخضاع وتجويع. قانون إعلان الحرب ضد الفقراء في بلادهم. قتلاه وضحاياه، أكثر بكثير من الحرب العسكرية. الحصار جريمة حرب مُطوَبة اميركياً بالحرب الحضارية، حيث لا غارات ولا معارك. انه قانون ضد الحياة البشرية. هو لا يصيب العسكر والجنود و”الأغيار” وعابري الحدود “بالشنط”. انه يصيب المجتمع.. كل المجتمع.
“قانون قيصر”، هو الشقيق الجديد للحرب المكتومة. هو قتل بلا دماء. هو إبادة بلا وخز ضمير. انه حرب بلا بنادق وغارات وجبهات. انها حرب تجويع الشعب في فئاته المغلوبة قهراً وفقراً. “قانون قيصر”، العقوبات، الحصار، منع الامدادات، حظر التجارة، و.. كل ما يحتاجه الشعب، يعني ان “المواطن” محكوم بالإعدام البطيء..
قتلُ المدنيين متداول في الحروب. يصف علماء الحروب القرن العشرين بأنه قرن المجازر الاجتماعية والفظائع المريعة: محارق، مجازر، إبادات، تطهير عرقي إلخ.. انه “قرن التوحش الأخلاقي”. وهذا التوحش أطلق على دول الغرب الحضارية الموغلة في الدم على مدار القارات الخمس. والأخطر، ان كل ذلك، يحصل، حتى بعد استسلام الضعفاء، أمام التوحش الغربي.
منطق حروب الأقوياء هو التالي: “لنا الحياة.. ولهم الموت”. الأشرار يجب ان يموتوا، بل يجب ان يُقتلوا. الأخيار عليهم واجب تخليص العالم. ومن حروب تخليص العالم من الحروب، يتحول المدنيون الى طرائد مباحة. تماماً كما حصل، عندما قُصفت طوكيو بالطائرات الأميركية ، فكان أن سقط اكثر من 84 الف قتيل، معظمهم من المدنيين، رجالاً ونساء واطفالاً وعجائز.
لم يعد هدف الحروب مواجهة الجيوش والعسكر فقط.. السلاح في القرن العشرين، لا يميز بين مدني وعسكري. انه زمن الفظائع وزمن السقوط الأخلاقي. أفدح الجرائم في الصراعات، تلك التي جعلت من الشعوب هدفاً عسكرياً.
عن جد، إنه زمن التوحش الأخلاقي.
في بلاد القهر الواسعة، يدين بعض غفير من الشعب، بدين الخبز، بمذهب اللقمة، بلحظة الشبع.. لم يعد الشعب بمنأى عن ان يكون ضحية تجوع وتتعذب وتنازع.. وقبل بلوغ اللقمة تموت. مادلين اولبرايت الحائزة على جوائز إنسانية فاخرة، برّرت موت نصف مليون عراقي جوعاً ومرضاً. حصارٌ برّرته “فخامة القاتلة الشمطاء”، بأن هذا الثمن ضروري جداً. لم تندم. ماتت مكللة بأبهة الاخلاق الأميركية الغربية. هذه المرأة عبّرت، بصدق نادر، عن عقيدة قتل المدنيين البطيء.
عرفت البشرية انماطاً متعددة من الحصار، بسبب طبيعة القلاع، وبناء الاسوار. اليوم، المدن مكشوفة. الدول عارية. الشعوب في مرمى المجاعة والمرض واليأس والموت، في ظل صمت دولي غربي تحديداً، شبيهاً بالصمت الدولي على “جنوب افريقيا”، حيث شعبها كان محذوفاً، موبوءاً، مقتولاً، في معازل نائية عن مدن هي لهم وليست لسلالات الجيش الأبيض البريطاني الملقن عقيدة التفوق!
لقد ربحت الجاهلية الحديثة حروبها. الأفكار والمبادئ والمواثيق وحقوق الانسان والعدالة والرفق بالإنسان (وليس بالحيوان فقط) أصبحت مدافن للضمائر.
هذا الغرب نعرفه جيداً جداً جداً. يفاخر بجرائمه، في فتح القارة الأميركية؛ في استعباد افريقيا؛ في شن الحروب شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً وكوناً؛ في احتضان المجرمين وتأليه القتلة؛ في التعامي عن الضحايا الذين ماتوا، إما قتلاً او جوعاً.. انهم قتلة. اقتلاعيون. برابرة. عدوانيون. عنصريون. لا يتقربون ابداً من السكان الأصليين للبلاد. لقد رقصت دول الاستعمار في افريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا، رقصة “الموت للضعفاء”.
سلاح الحصار مغفورة خطاياه. كثيرون ماتوا جوعاً في الجزائر، او حرقاً في الغابات، في زمن “نقل الحضارة من الغرب المتقدم، الى افريقيا السوداء”.
الحصار كان فتاكاً جداً، وذا نتائج كارثية. لا صلاة تغسل هذه المجازر. فرنسا، خلّفت في استعمارها للجزائر، ملايين الجائعين الطافرين المطرودين، قبل اندلاع المقاومة الجزائرية، التي كلفت الشعب آنذاك، أكثر من مليوني قتيل – شهيد.
أمس، برهنت دول الغرب “الحضاري”، أنها تملك أنياباً، ولكن، “لا تظنن ان الليث يبتسم”. حصار مفروض على سوريا منذ أكثر من عشر سنوات. بؤس لا يوصف. مجاعة بالتقسيط. عيش على الكفاف. مؤسسات منهارة. مناطق خارج سيطرة الدولة تعيش بؤساً ولا افق إلا المزيد من الموت والبؤس. الجوع وجبتهم الدائمة. غزة محاصرة. فلسطين تنزف دماً. الغرب يرقص كالهنود الحمر على شهدائنا.
أوروبا الإنسانية. أميركا “رائدة حقوق الانسان”. خنقت العراق، وسوريا و.. وهي تخنق لبنان. من دون إطلاق رصاصة. تخنق لبنان، وسفيرتها تتجول بين المؤسسات الرخوة، وقيادات كلبية، ومؤسسات مُباعة، وتملي وتمنع وتهب وتهدد، واتباعها كلاب حراسة لها ومروجو أوامرها وامانيها. الشعب، للأسف، منقسم، علماً، ان الكهرباء ممنوعة بقرار أميركي، والإصلاح يحتاج الى اذن أميركي. فليس كل اصلاح اصلاح.. اذاً، موتوا أيها اللبنانيون، او اركعوا. وما يفرض على لبنان اليوم، مستمر، الى ان تأخذ لبنان الى جنوب الجنوب، حيث كانت بلاد هناك، تسمى فلسطين.
أي جريمة أفظع من جريمة التجويع. القتل سهل جداً. الطلقة تصيب وتقتل.. أما التجويع، فهمجية غير مسبوقة. حرق المحاصيل حرب إبادة. منع المساعدات للبنان جريمة فاقعة. تعطيل المساعدات لسوريا، بعد الزلزال المريع، جريمة، يصفق لها الغرب.
نفتش في ليل الزلزال عما تبقى من أحياء تحت الركام، يصار إلى تصنيف الأصدقاء والاعداء. الغرب الشره الشرير لديه شهية الكلام عن حقوق الانسان والعدالة والمساواة، ولكنه يوكل الى شياطين السياسة، تنفيذ ما يلي:
من معنا هو لنا. ليتعلم الآخرون الدرس من الحرمان. حرمان المساعدة والغذاء. ولهذا، يُمكن ان تفسر، كيف يتعايش الشيطان مع الكوارث. الكوارث وليمة شهية لذئاب السياسة والمال.. اما الغلابى من الشعوب، فإن قلوبهم ليست على دين سياسات مجرمة. يصابون بحزن، يصلون، يتبرعون، يسقطون الفوارق. يفتحون قلوبهم لحزن حقيقي. يتوجعون، عندما يدركون ان تحت الركام، أطفالا قد يعودون، وقد لا. نساء ورجال وكلمات واستغاثات ولوعات وصمت القبور. لا قيمة في تلك اللحظات إلا للأجساد. بعد ازدحام العجز والقهر، تخرس الكلمات. قتلى. صلوات، تضاء شموع، ويصير البكاء الصامت لغة من بقي على قيد الحياة.
قد يكون الانسان سيئاً. إنما يصير سيئاً وشريراً، عندما ينغمس في الشراهة. عندما لا يشبع. عندما يقتل ليأكل. عندما يشتهي مقتنى غيره. التاريخ حافل بحروب الاثراء والتجويع. الاعمار والتدمير. الاستعلاء والتحقير. حصتنا في هذا الزمن، ان نكون الضحية. لم نكن كذلك في سالف عصورنا الحضارية. ارتكبنا حروباً كثيرة، ولكننا بنينا حضارة إنسانية. كنا ماديين كسوانا، ولكننا لم نفقد الروح. كنا شياطين قليلاً. أما اليوم، فالعالم محكوم بأبالسة الطغيان والسلطة. المال إله دائم، الرأسمال دين الدنيا القاهر. الأرض لم تعد اوطاناً. صارت الكيانات تعيش في خوف دائم، من “الإله سام” واشقائه البيض واشقائه في الغرب.

القوة هي القول الفصل. الصلاة لا تجدي هنا. قد تجدي عند ربك.

ثمن الحرية باهظ جداً. من دونها، تقتات من العبودية.

الرأسمالية تفوز دائماً وقاتلة ايضاً. أكثر من ملياري جائع في العالم. ما العمل؟ هل المستحيل هو الجواب الواقعي؟

الأحلام مضادة لليأس والخضوع. احلم، ولو لم يتحقق حلمك.

أضف الى هذه الكلمات الأخيرة، ما يناسبك لغدك وما بعده. الحياة ليست سهلة. تسلَح بالحق والإرادة، ودافع عن حقك بأظافرك ودمك. هذه هي حصتنا من هذا العالم.

أخيراً. الفجر بانتظارك. حدّق جيداً في الأفق. انه يحرر روحك من العجز.

 


جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013