مع إقتراب عام 2022 من نهايته ومع الايام الاولي من العام 2023 شهد الشمال السوري والعراقي عودة دامية لتنظيمات الارهاب المسلح وفي مقدمتها داعش والقاعدة وتمثلت تلك العودة في هجمات عنيفة ودامية علي القوات العراقية والسورية الرسمية بل وعلي القوات الكردية تحديدا تنظيم (قسد ) الموالي لامريكا وتزامن ذلك مع هجمات تركية إنتقامية من الاكراد نتيجة العنف الذي دوي في اسطنبول من قبل تنظيمات كردية ..كل ذلك أقلق الاطراف الاقليمية والدولية التي كان بعضها قد بدأ رحلة التقارب الطويلة بين سوريا الاسد وتركيا أردوجان بعد طول خلافات وصراعات منذ ما سمي بالربيع العربي عام 2011 وحتي اليوم
..تري ما هي اسباب تلك العودة الدامية لداعش وأخواتها ؟وقبل ذلك ماذا عن تاريخ التواجد الداعشي في العراق وسوريا ؟ *******
أولاً : يتساءل البعض بعد عودة داعش الي العراق وسوريا وبعد أن كانت قد ضعفت تماما ..عن حدود وطبيعة الفوارق بين تنظيمى (القاعدة) و(داعش) وبإختصار نقول أن (القاعدة) هو التنظيم الأم الذى ولد منه داعش، وهو نشأ كما هو معلوم فى أفغانستان، تحت عنوان زائف،راج فى ثمانينيات القرن الماضى اسمه "نصرة الشعب الأفغانى" وكان التنظيم وقتها بمثابة ، قاعدة جذب واسعة المدى جغرافياً، واستراتيجياً، ومثلت العناصر العربية - التى شاركت فى تأسيس وقيادة هذا التنظيم لاحقاً فى التسعينات والألفية الثانية – قوة إرهاب دولى بقيادة أسامة بن لادن والفلسطيني عبدالله عزام والمصرى أيمن الظواهرى؛ وغيرهم من القيادات والعناصر الممتدة جغرافياً وعُمرياً، والتى عادت لاحقاً إلى بلادها لتنشر (الخراب) والإرهاب المنظم باسم الدين داخل البلاد الإسلامية، بل والغرب وبخاصة أمريكا التى ساعدت التنظيم فى بداياته (والبعض يراها صنعته !!) لمقاتلة الاتحاد السوفيتي وكانت أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 هى قمة التراجيديا فى علاقة الصانع بالمصنوع، واشنطن والقاعدة، بعد ذلك تناسل من (القاعدة) تنظيمات أخرى عديدة فى أغلب البلاد الإسلامية والعربية التى عانت جميعاً من إرهاب تلك التنظيمات ،التى وإن اختلفت فى الأسماء، إلا أنها حملت ذات الأفكار فى (التكفير)، واستباحة الدماء المسلمة أو البريئة من الأديان والمذاهب الأخرى؛ إلى أن جاء الاحتلال الأمريكى للعراق عام 2004 وبدأت مرحلة جديدة وتنظيمات جديدة، كانت هى البدايات الحقيقية لداعش وأخواتها. إن الاحتلال من ناحية، والبيئة المدعية للتدين التى خلقها صدام حسين وقتها (انظر إلى العلم العراقي وقتها وكيف تعمدتغيير شكله وكتابة كتابة " الله أكبر " عليه !!) من ناحيةأخرى، وتسريح البعث والجيش من ناحية ثالثة، كانت كلها عوامل رئيسة وراء ظهور داعش بعد ان تشظى الوطن !! .
***
ثانياً : هذا ويمكن التأريخ لبدايات داعش-قبل عودتها الدامية - بالتسلسل الزمني والتنظيمي التالي :
1 – البدايات كانت عام 2004 على يد أبو مصعب الزرقاوي (واسمه أحمد فاضل نزال الخلايلة) وهو أردني، تكفيري الفكر، قاعدى الاتجاه، هو من مدينة (الزرقا) بالأردن، أسس تنظيم سماه (التوحيد والجهاد) عام 2004 لمقاتلة الشيعة والأمريكان فى العراق، ولكن جهاده المزعوم انصب على ضحايا أبرياء من العراقيين، ومارس عقيدته (الجهادية !!) بعمليات ذبح وقتل شديدة البشاعة، وفى أثناء ممارسته (جهاده !!) قام بمبايعة أسامة بن لادن وحول اسم تنظيمه إلى (القاعدة فى بلاد الرافدين)، إلى أن قُتل عام 2006 وتلاه فى القيادة كل من أبوعمر البغدادى وأبوحمزة المهاجر وأسموا تنظيمهم المسلح هذا باسم (مجلس شورى المجاهدين فى العراق) وضم فيه ثمانية تنظيمات أخرى صغيرة ثم لاحقاً أسموه بـ(تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق) وفى أبريل عام 2010 قتل كل من (أبوعمر وأبوحمزة) فى عملية مشتركة للجيشين العراقى والأمريكى، وبعد عشرة أيام اختير أبوبكر البغدادى (واسمه إبراهيم عواد البدرى) أميراً لهذا التنظيم، وجدد البيعة لتنظيم القاعدة ولأسامة بن لادن ومارس إرهاباً شديداً ضد الأهداف المدنية فى العراق (البنك المركزى مثالاً) وضد الشيعة، وجزء من عملياته كان ضد الأمريكان ولكن على استحياء، ويتردد أنه تم تجنيده أمريكياً عندما كان معتقلاً فى سجن (بوكا) وأن العناصر القيادية فى تنظيمه هم من خريجي هذا السجن، بالإضافة لـ (سجن أبوغريب !!) والتميز الرئيسى الذي كان ..لتنظيمه قبل هزيمته ..عمن سبقه من تنظيمات متطرفة هو أنه كان يسيطر على أرض وجغرافيا، ولم يعد تنظيماً عابراً بالأفكار والتنظيمات السرية للحدود كما كان تنظيم القاعدة !! طبعا ذل التنظيم هزم وتقلص في العام 2019 والان يعود .
2 – فى العام 2011 بدأت المؤامرة على سوريا وتكالبت (83 دولة مع عشرات التنظيمات الإرهابية قدرها الأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا خلال عام 2012 بـ1300 تنظيم إرهابي) كان أقواها تنظيم ما سمى بجبهة النصرة التى تمولها وتدربها دول الخليج وتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل والتى لاحقاً كانت تعالج جرحاها فى مستشفياتها، وقيل فى نشأتها –اى جبهة النصرة-على يد أبو محمد الجولانى أن أبوبكر البغدادى هو من أرسله عام 2011 إلى سوريا وقيل العكس بأن (القاعدة) بقيادة أيمن الظواهرى هى من أسست فرعها فى سوريا على أيدى (الجولانى) .
* حاول (البغدادى)والذي قتل لاحقا ... أن يستغل الأحداث ويستفيد منها ويقوى تنظيمه فى العراق ويستثمر ثروات النفط المهرب ومخازن السلاح، فأسرع فى 2013 لضم جبهة النصرة إلى تنظيمه ليصبح مسماه (الدولة الإسلامية فى العراق والشام) وحروفه الأولى هى (داعش).. إلا أن الخلاف دب لاحقاً بين (النصرة) و(البغدادى) لتنفصل الأولى وتؤسس مع جماعات تكفيرية وإرهابية أخرى منها (أحرار الشام) و(نور الدين زنكي) ما سمى بـ(جيش الفتح) الذى ثبت لاحقاً وبالوثائق أنه أحد أذرع المخابرات الأمريكية فى سوريا وأن تمويله (إقليمي) وتسليحه تركى/أمريكى. وكانت حلب والحدود مع العدو الصهيونى بالجولان هى أماكن تواجده الرئيسية.
* إنها إذن دراما النشأة، وصراع الدم بين أخوة الجهاد المزعوم من (أبومصعب الزرقاوى حتى أبوبكر البغدادى ومن تلاه من قادة داعش ) ولنتأمل هنا دلالة إصرارهم على الكنية الإسلامية لأسمائهم والتى تعطى قداسة لا حظ ولا حق لهم بممارستهم الإرهابية فى أن يتسموا بها، أو أن يسموا تنظيماتهم الإرهابية بتلك الأسماء الإسلامية الرنانة!او بالانتساب فى كنيتهم الى مدن وبلاد اسلامية مثل بغداد – دمشق – الشيشان-مصر !! .
***
ثالثاً : اليوم وبعد هذه الرحلة الطويلة من الإرهاب الممنهج (2004-2023) نتساءل ما هى الأهداف الاستراتيجية لداعش وأخواتها فى المنطقة خاصة بعد هذة العودة الدامية الجديدة(2023) ؟ الإجابة يمكن حصرها فى خمسة أهداف أساسية :
1 – بناء وهم الخلافة على جثة الدول الموحدة، من خلال تفكيك بنيتها وجغرافيتها بعد الاستنزاف الممنهج لجيوشها، ومن أشهر كتب داعش التى تتحدث عن هذا الهدف يأتى كتاب (إدارة التوحش) للمدعو أبوبكر ناجى الذى يتحدث عن ذلك بإستفاضة حين يقسم مراحل تطور الأهداف الاستراتيجية لداعش ويحددها فى أربعة (مرحلة شوكة النكاية والإنهاك المنظم للجيوش وللدول – مرحلة إدارة التوحش والتمكين – مرحلة إقامة الدولة الإسلامية – مرحلة إقامة الخلافة الواسعة).
2 – خدمة المشروع الأمريكى والاسرائيلي وتحقيق أهدافه فى البقاء والهيمنة والاحتلال، وكون داعش جماعة وظيفية، سواء علم جمهورها بذلك أم لا، (أى خلقت لتؤدى وظيفة لمن خلقها من أجهزة مخابرات ودول) وأدبيات قياداتها بعلاقاتها الغامضة مع عواصم الغرب والاقليم ، تؤكد ذلك، كونها (جماعة وظيفية) فهى الأقدر على تحقيق أهداف واشنطن وتل أبيب فى المنطقة.
3 – ضرب الإسلام المحمدى وتشويهه، وتقديم إسلام آخر بمجرد ذكره، ينفض الناس من حوله لأنه سيصبح قرين (الإرهاب) مباشرة .
4 – سرقة النفط وتهريبه وبيعه لصالح التنظيم فضلاً عن تسهيل السرقات الدولية له نظير عقد صفقات السلاح واستمرار الوجودالغربى فى المنطقة.خاصة في شرق الفرات وفي العراق وسوريا
5 – العقاب الدامى لقوي المقاومة الحقة في المنطقة وللدول القومية المركزية والعمل علي تفكيكها وإشغال جيوشها بمعارك إستنزاف مستمرة
******
رابعا :أما عن أبرز أسباب عودة داعش وأخواتها للاعمال الارهابية الدامية في سوريا والعراق مع العام (2023) فيمكن إرجاع أسابها الي :
1-سحب روسيا الداعمة بقوة للدولة السورية والعراقية لأغلب قواتها من سوريا، بسبب الحاجة إلي حشد قواتها العسكرية في أوكرانيا، مما ترك الساحة مفتوحة أمام تنظيمات الارهاب لتعود ولتنتقم وتنشر الخراب والدمار
2- تزايد الصراعات التركية –الكردية مما خلق مساحة للحركة واسعة أمام داعش وأخواتها في الشمال السوري والعراقي
3- زيادة التقارب التركي السوري في الشهور الاخيرة وبرعاية روسية الامر الذي إعتبرته داعش وتنظيمات الارهاب الاخري ..خطرا عليها ولابد من إفشاله قبل أن يكتمل لانه إذا نجح –أي هذا التقارب – فسيمثل جبهة جديدة موحدة ضد هذا التنظيم الارهابي الذي كان ولا يزال يعيش علي خلافات وصراعات الدول بعضها مع بعض ...لذلك نشهد عودة دامية ومتسارعة لهذا التنظيم الارهابي ولغيره من التنظيمات المسلحة في الشمال السوري والعراقي ..ولكننا نميل الي كونها عودة مؤقتة رغم دمويتها ..لان الدول المركزية في المنطقة(وبخاصة سوريا والعراق) ..قد إستعادة عافيتها وجيوشها في حالة يقظة وقدرتها علي الانتصار أكبر من سنوات المواجهة الاولي عام 2011 ...والله أعلم