ظهور أبناء قيصر .. الترسانة الأخلاقية مقابل حفنة من الدولارات !! المقاومة القانونية | توثيق الجرائم الأمريكية | ظهور أبناء قيصر .. الترسانة الأخلاقية مقابل حفنة من الدولارات !!
تاريخ النشر: 31-01-2023

بقلم: نارام سرجون

ان البذور الفاسدة لاتموت بل تختفي من البيادر عندما نتلفها .. ولكن لاتتخيلوا ان الأرض ستخلو من البذور الفاسدة خاصة ان الرياح الغربية تذروها علينا وعلى حقولنا .. وتنشرها في حقول قمحنا وفي بساتيننا .. واليوم ينبث الشوك من جديد .. الشوك الذي زرعه أصحاب قيصر .. ويطلع البذار الفاسد في الأرض الطيبة .. فنحن اليوم ندخل في مرحلة حصاد موسم قيصر ..
لاتستهينوا بالأخلاق في الحرب .. وكذاب كل من يقول لكم ان الحرب بلا أخلاق وأنها ملاذ الضعفاء .. لاشيء يعلو على أخلاق الحرب ..وهذا واضح منذ ان أصدر النبي العظيم أعظم حكم أخلاقي على أعدائه .. وقال لهم (اذهبوا فأنتم الطلقاء) بعد حرب الغاء ضده دامت 23 سنة .. وقال لزعيم الكفر أبي سفيان الذي حاربه 23 سنة بلا هوادة وجلب عليه الحرب في بدر وأحد والخندق وأكلت عائلة أبي سفيان كبد عم النبي أمام عينيه .. كانت أخلاق النبي ان يقول له – وهو القادر على أكل كبد أبي سفيان – بأنني لاأحقد على الناس .. بل “ان من دخل الكعبة فهو آمن .. ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن” .. وقد ساوى النبي بيت الله بمنزلة بيت عدوه أبي سفيان ..

وفي أخلاق الحرب .. يهدي صلاح الدين عدوه ريتشارد قلب الأسد حصانا أصيلا محاربا بدل حصان ريتشارد الذي تعثر ومات في المعركة ويهديه الطبيب والدواء والثلج لمعالجة الحمى التي أصابته .. وعندما فتح القدس .. لم يقتل أعداءه بل قال لهم عبارة كالتي قالها الرسول لأعدائه في مكة .. اذهبوا فأنتم الطلقاء .. فقد سمح لهم بأن يغادروا دون أن يمسهم سوء .. وظل صلاح الدين عقدة في عيون ملوك أوروبة بهذه القدرة على التعامل بالأخلاق .. في وقت الانتصار الذي لايقدر الانسان على ان يكون الا حيوانا ضاريا وهو ينتقم ويتشفى ..
وفي أخلاق الحرب .. يرفض حزب الله اغتيال عميل خطر لأنه كان سيصيب طفلة العميل .. فألغى نسف العميل ولم يضغط على زر التفجير .. وفي يوم التحرير يقرر حزب الله لدى تحريره الجنوب اللبناني أن لايتم توجيه اي أذى او اهانة لمن تخاذل في التحرير وتحالف مع الاسرائيليين .. وكأنه كان يستعيد تلك العبارة .. اذهبوا فأنتم الطلقاء .. وهنا ارتفعت قيمة حزب الله وارتفع مستوى خطورته .. لأنه أظهر سلاحا فتاكا في الحرب وهو سلاح تزويد المقاتل بالأخلاق .. ومن كانت له أخلاق سيحارب بشرف .. وباخلاص .. وببسالة لأنه صادق في قراره بالنصر او الاستشهاد ولايمارس النفاق والكذب ..

وكي نفهم خطورة غياب الاخلاق في الصراعات فلنتذكر ان كل هاجس اسرائيل في صراعها للبقاء هو ان تحصل على شرعية أخلاقية .. فسرقتها للأرض وبلطجتها واضحة حتى لتيودور هرتزل نفسه .. ولكن كل اتفاقيات السلام واجترار حكايات الهولوكوست هي من أجل اضفاء شرعية أخلاقية على سلوكها اللصوصي والمجرم .. وكل غاية الاشرار في التاريخ من تدوير الحقائق والتزوير هي لخلق غطاء اخلاقي يستر الضمير العفن والشر ولو بشكل رقيق .. واسرائيل لذلك ستخسر وجودها لأنها لم تقدر ان تمثل شرعية أخلاقية .. ولم تقدر ان تحارب الفلسطينيين بشكل أخلاقي .. وتظن ان القوة هي التي تصنع الاخلاق .. مستهينة جدا بقوة الاخلاق ..

اليوم لانزال نواجه حربا يظنها الكثيرون انها حرب تدار بالاقمار الصناعية والمنظمات الارهابية وحروب الجيل الرابع .. ولكن السر في كل هذه الحروب هو أنها تقوم بافراغ الجمهور من الاخلاق الوطنية التي هي ترسانة الأمة .. والاخلاق الوطنية هي امتداد للاخلاق العامة والقيم العليا .. فمن انهارت منظومة الاخلاق الوطنية لديه سيتلوها انهيار في بقية القيم الاخلاقية الشخصية ويتحول الى نوع مشوش بدائي ورخيص .. وكل مافعلته الآلة الاعلامية الخبيثة في حربها علينا هي اضفاء حالة من اللااخلاق على الدولة السورية والقرار الوطني السوري .. واضفاء هالة من الاخلاق على المعارضين بتحويلهم الى مظلومين .. والظلم حالة لاأخلاقية تحل بالمظلوم وتستدعي التعاطف معه .. واليوم تريد ادارة حروب الجيل الرابع افقار الناس وتجويعهم لافراغهم مما بقي لديهم من قيم اخلاقية وتوجيههم نحو قيم انانية فردية مما يسهل الانقضاض على البلاد ..
اليوم .. ماهو الفرق بين من صدق حكاية الحرية والكرامة وبكى على قضيب حمزة الخطيب وبين من صدق بكائيات من يبكي اليوم على معاناة السوريين ويبكي على فقراء سورية الذين طحنتهم أسعار الدولار وأزمات المحروقات والخبز؟؟ انها نفس عملية تجريد الدولة السورية من الاخلاق .. وتحويلها الى تعبير عن خلل في منظومتها الاخلاقية فهي اما انها تقتل الناس او انها تهملهم وتفقرهم عامدة متعمدة وهي لاتبالي ..

ولنلاحظ كيف كان أصحاب الثورة في بداية الحرب على سورية يحقنونها بشعارات (الحرية والكرامة) فقط لأنها ليست ثورة خبز وثورة جياع .. بل ان الثورة المزعومة التي تفجرت هي ثمرة أخلاقية صرفة من أجل قيمة اخلاقية عليا هي قيمة الحرية والكرامة .. وكان أغرب مافي الشعار – والذي أفرغه من الصدق والأخلاق – هو ان من يزود الثوار بمشاعر الحرية والكرامة لايملك حرية ولاكرامة .. ولايعطي حرية ولاكرامة .. وهذه الثغرة الاخلاقية أفقدت الثوار أخلاقهم .. وهرلاء لم يبالوا بهذه القضية الجوهرية من أن الترسانة الاخلاقية أهم من اي ترسانة .. فقد كان معيبا جدا وسببا للقهر ان يكون من تولى الحرية والكرامة أمراء قطر وأسر مالكة خليجية أمية لاتقرأ ولاتكتب ولم تكن يد أي من امرائها وأميراتها تعرف معنى (وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق) .. لم يبال الثوار بكل ترسانتهم من المثقفين ومن زعموا انهم من المتنورين والذين اعتبروا أنفسهم نخبا وأنهم أفضل ماأنتجته سورية …. وهي ان من يقدم لك الشعار عليه ان يملكه .. وان يكون جزءا منه .. فلايمكنك أن تشعل نارا عندما تملك صورة عود كبريت أو صورة شرارة .. عليك ان تأخذ النار ممن يصنعون النار .. ولكن من في يديه الرمل وفي قلبه الرمل وفي روحه الرمل لن يعطيك نارا .. وكنت أتعجب من استماتة هؤلاء في الدفاع عن اعتمادهم على أمراء القمع وأمراء الفجور وأمراء العمالة والخيانة وأمراء اللاحريات وامراء لاكرامة لهم في بلدهم أمام أي سفير غربي .. ويومها عرفت ان مصير هذه الثورات هو الفشل .. رغم أن الثمن كان باهظا ..

وكان من الغريب جدا واللاأخلاقي ان تفكر أي ثورة في العالم من اجل الحرية والكرامة ان تستعين بالاوروبيين والاسرائيليين والاميريكيين الذين لاتزال بصمات أصابعهم على جثث الملايين في العالم ولاتزال أفريقيا البائسة تئن من توحشهم واستعبادهم لها .. ولاتزال بصماتهم على سلاسل العبيد والموتى .. ولانزال نشم عبر المحيطات رائحة الحرائق الذرية التي أشعلوها ورائحة الغازات الكيماوية التي قتلوا فيها الملايين .. ومع هذا لم يعبأ الثورجيون بأي من هذه البدهيات والمسلمات الاخلاقية وهي ان القتلة والتجار لايمكنك ان تحصل على الحرية والكرامة منهم الا اذا أعطيتهم حريتك وكرامتك وشرفك .. ومع هذا كان قلب الثوار يزداد سوادا الى حد انهم قبلوا ان يبيعوا كل شيء .. كرامة وحرية وأخلاق وعرض وشرف من اجل ان تنجح الثورة .. ولكن غاب عنهم أن الثورة التي تنجح بهذا الثمن لم تعد ملكهم .. وانهم صاروا بلا ثورة .. وبلا وطن .. وبلا حرية ولاكرامة .. وسيتسول وطنهم الخبز..

نعم .. منذ سنوات كان خطاب من يبكي على حالنا يزعم انه يبكي علينا لأننا لانشتكي الفقر والجوع ولكن ينقصنا هواء الحرية واكسجين لانعرفه هو اوكسجين الحرية .. وصوّر للناس أنهم حيوانات في أقفاص حديقة الحيوانات يأكلون ويتدفؤون ولكنهم ينقصهم (شوية حرية وكرامة) .. وكان المنظرون للثورة يقولون ان الشاب السوري المغترب لم يعد يهمه ان يعود ليأكل الخبز المقمر والشاورما ويتمتع بتدخين الاركيلة في سورية بل يريد ان يتمتع برؤية الديمقراطية والحرية .. وطبعا صدق من صدق وانخرط كثيرون في تصديق الرواية وصار من لايفهم بالديمقراطية يرمي رغيف الخبز لأنه بلا كرامة ورغيف بلا ديمقراطية .. وصار هناك شعور بالاختناق .. ففجأة تنبه الناس أنهم لايتنفسون وأنهم تحت الماء وغارقون في الديكتاتورية .. وكانت في هذه الدعوات نزعة لاأخلاقية وخطاب لاأخلاقي .. وطريقة اقناع فاقدة للأخلاق .. بنشر الأكاذيب .. وافراغ الحياة السورية الثرية والمستقرة والواعدة من أي ايجابية لها مقابل ايجابية الحرية ونعمة الكرامة والديمقراطية .. كما كان يقول اعلام الثوار من أن احد الجرحى في درعا قال له انه عاش أجمل 15 دقيقة حرية في المظاهرات لانها كانت كل ماامتلكه في حياته من حرية .. 15 دقيقة حرية .. رغم ان اهل درعا كانوا من أكثر الشرائح السكانية في سورية ارتياحا وبحبوحة بين عامي 2000 و 2010 ..

وجماعة الحرية والكرامة هم نفس الاشخاص الذين فجأة كانوا يحلمون بالكرامة والحرية وصاروا فجأة عندما نضجت ظروف الموجة الاسلامية صاروا يحلمون بالدولة الاسلامية والخلافة .. وعندما انطلقت الموجة الدينية العنيفة وشعارات الاسلام هو الحل والجهاد هو الطريق .. هم أنفسهم من أفسح المجال للشعارات الجديدة وللأحلام الجديدة وهم الذين أخذوا الناس الى موجة جنون صار فيها الانسان يرمي الحرية والكرامة التي طالب بها ويدوس عليهما لأنه صار يرفع شعار لااله الا الله .. وان الديمقراطية كفر ..

ومن هنا لم يكن لدي أي شك ان مشروع الثوار السوريين سينهار وسيفشل لأنه تخلى عن أهم شيء من أجل ان يربح الحرب .. وتخلى عن الصدق والاخلاق الوطنية من أجل أهداف سياسية .. ووافق ان يتم فبركة الصور والاخبار والقصص والاهوال وقتل الابرياء .. مما خلق فجوة أخلاقية هائلة لديه تبلع كل شعارات الثورة .. ولذلك سقط الثوار في تخوين بعضهم وقتل بعضهم وسرقة بعضهم وبيع بعضهم .. وكانوا يتسابقون للتخابر مع كل أجهزة المخابرات وعرض أنفسهم على أرصفة أجهزة المخابرات .. لأنهم فقدوا المناعة الاخلاقية الوطنية والأخلاقيات الاسايسة للانسان .. ومن هنا فانني فيما كان الناس يرصدون امكانات الثورجيين الحربية والقتالية والانتحارية والدعم الغربي كنت أستطلع شيئا آخر .. وهو مستوى الاخلاق لدى من يصنع ضمير الثورة .. وكنت أرى ان كل من يصنع ضمير الثورة لايخدمها بل يخدمنا نحن .. لأنه كان يصنع ضميرا مزيفا .. ويفبرك ويكذب ويغش .. ويخون الثقة والأمانة .. فهو كان يأخذ الناس الى حرب بخبر كاذب وشهادة كاذبة وتمثيلية كيماوية كاذبة ويعمهم أن يكذبوا ويشهدوا شهادات زور في حكايات مفبركة كيماوية ومذابح .. بل ولايقول لهم بصدق انهم سيموتون من أجل جلسة في مجلس الامن او قرار غربي يجب ان تظهر فيه الضحايا كي يبرر انحيازه للثورة والثوار ..
كنت على قناعة ان ميزان الحرب سيرجح الى جانب الكفة التي يصبح فيها الثقل الأخلاقي أكبر .. ولايزال هذا هو معياري وميزاني .. لأن ارتفاع مستوى الاخلاق والصدق يعني ان خصمنا قد تعلم وصار بامكانه اسقاطنا لأنه يحاربنا بما نتسلح به .. الصدق والوطنية والاخلاص والشرف .. فالحديد بالحديد يفلح .. والاخلاق بالاخلاق تفلح ..
واليوم نفس الأشخاص أصحاب ثورة الحرية والكرامة يبيعون نفس البضاعة ونفس البكائيات ونفس الدموع وهي البكاء على الشعب السوري وماآل اليه حاله .. ويغضبون من طوابير الفقراء وطوابير المحروقات .. وقد اختفت تماما كلمة الحرية والديمقراطية والكرامة والاكسجين .. وصار كل مايريدونه للشعب السوري هو ان يثور من أجل لقمة الخبز وقطرة البنزين .. ومن أجل حفنة صغيرة فقط من الدولارات ..

الجميع يعيد الوقوع في الفخ .. تحدّث بما يفرض عليك ايقاع الغرف الاعلامية

اننا باختصار نستقبل الموجة الثالثة مما سمي الثورة السورية او مشروع حروب الجيل الرابع القائم أساسا على البحث عن اية شعارات جديدة تفتت أخلاق الناس وتغير نمط تفكيرهم وتفرغهم مما بقي لديهم من الأخلاق .. ومن ثم الايقاع بهم في فخ الصراع البيني .. وهناك ضخ لايتوقف من الدموع والبكائيات لاحداث موجات ارتدادية بين الجميع لارغامهم على تكرار النداءات والانتقادات لدفع الجميع لتبني نوع واحد من الخطاب والكلام .. وهو ماسيقع فيه كثيرون الآن بحجة انهم لن يخذلوا وجع الناس والناس تحب من يحكي عن أوجاعها – على مبدأ الجمهور عاوز كده – لأن أي كلام اليوم عن المؤامرة والحرب الامريكية على الانسان السوري صار يستقبل باستهجان من قبل الكثيرين على أساس أن لامكان اليوم الا للحديث عن الشكوى والجوع والمعاناة وان الحديث عن المؤامرة هو ترف سياسي للصالونات السياسية والحزبية .. وطبعا هذا الاحراج المتعمد والممر الالزامي للتواصل مع الناس عبر حديث المعاناة صار يوقع كثيرين في هذا الفخ .. وتخلى البعض عن ضخ الأمل والايجابية خجلا وممالأة وتجنبا للاحراج كيلا يقال انه يعيش في أبراجه العاجية .. وهذا الفخ السيكولوجي هو نفس الفخ عندما وقعت الاحداث في عام 2011 وصار لزاما علينا أن نتبرأ من قانون الطوارئ كي يرضى عنا الناس الغاضبون من الديكتاتوريات ونقبل بالفوضى لأنها تعبير عن الحرية .. وصرنا ندافع عن الديمرقراطية وصندوق الانتخاب كما ندافع عن رسالة سماوية لايأتيها الباطل .. لأن انكارنا لها يشبه انكار الاوروبي للهولوكوست لأننا سنحاسب على هذا الاثم والكفر بالحرية بأن نعامل كالمنبوذين لأن التهمة لنا بالتخلف والتشبيح والعمالة وكره الشعب كانت جاهزة فورا ..وانهمك الجميع في الالتحاق بالموضة الجديدة لتجنب ان يبدو منبوذا ومتخلفا ..

أنني لاأنكر ضرورة الحديث عن المعاناة اليومية لاحراج القائمين على الاداء الحكومي ولكنني لاأستطيع أن أفهم أي مقال او منشور يحكي عن الوضع المعيشي السيء دون أي ذكر فيه للحرب الامريكية علينا ودون أي ذكر على انها استمرار علني للحرب ولكنها حرب باردة .. صرت أعتبرها نوعا من الانحناء للضغط النفسي والوقوع في الفخ .. فكل مقال يريد ان يتطرق للفساد والأزمة الاقتصادية دون ان يشير الى الجذر الحقيقي للمشكلة هو مقال او كلام مثل هدية مجانية للاميريكيين .. فماذا يريد الاميريكيون خدمة جليلة أكثر من هذا؟ اكتبوا عن عذاباتكم أيها السوريون .. واكتبوا عن قهركم ..واكتبوا عن الفساد الذي ينخركم .. اكتبوا عن الليرة الضعيفة .. واكتبوا عن شح الوقود والبرد الذي يجعل أصابع أطفالكم زرقاء .. واكتبوا عن هجرة الناس وعن استحالة العيش في سورية .. اكتبوا عن كل شيء سيء وعن اي شيء سيء .. اكتبوا عن اليأس .. عن الحلم بالهجرة .. ولكن لاتذكروا الاميريكيين في أي سطر ولو من باب المرور العابر والتقية .. ولاتقولوا للناس بدلا أن يهاجروا ويموتوا في البحر ان يموتوا في مواجهة الجيش الامريكي في الجزيرة .. وهذا افضل وأشرف .. فتخيلوا لو ان هذه الموجات البشرية التي ارتمت في البحر خرج شبابها لمقاتلة الاميريكيين والموت في معركة شريفة بدلا من الموت في غابات اوروبة وفي قاع المحيطات وبطون الأسماك .. وطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم ..
ان هذا النوع من الكتابات صار غزيرا كي نخلق جوا عاما من السوداوية والكابوسية التي لاتجد خلاصا لها الا بالانفجار او الهجرة .. والاميريكيون يريدونكم ان تهاجروا من الوطن نحو الوطن الجديد .. أي الوطن نفسه الذي تعيشون فيه اليوم ولكنه لايشبه الوطن الذي عشتم فيه وعاش جيل الاستقلال فيه .. وطن يشبه الوطن العراقي والوطن اللبناني .. طوائف وتجار وفاسدون ونخب سياسية فاجرة في فسادها .. وسفارة امريكية عملاقة تحرك كل شيء فيه من عمال البلدية الى سكان البرلمان والى سكان القصر الجمهوري والسراي الحكومي .. فكل الفساد والمعاناة التي في العراق ولبنان وليبيا موجودة رغم وجود النفوذ الامريكي الهائل في هذه الدول والحريات التي لاسقف لها .. والاحزاب المتكاثرة كالارانب ولجان النزاهة التي يفوق عددها عدد النجوم .. والكل يعلم ان مهمة السفارات الامريكية في هذه البلدان هي ادارة الفساد .. وخلق الطبقات السياسية الفاسدة .. والطبقات الاجتماعية الفاسدة والانانية .. وابقاء اللااستقرار وتقسيم النفوس والهويات .. وابقاء الجميع في دائرة المعاناة ..

اذا قلت اي شيء عن المعاناة في سورية دون ان تذكر المسبب الرئيسي لها فأنت تقوم بتجنيد نفسك في المشروع الاميريكي وبالمجان .. لأن الاشارة المستمرة للأميريكيين في اي حديث عن المعاناة هي فن التحريض الشعبي على الوجود الامريكي .. واغفال ذلك هو فن التحريض الامريكي عليك وعلى وطنك لأنك ستصل بعد فترة الى نتيجة ان حل معاناتك يكمن في التسديد على الاداء الحكومي الضعيف .. ورغم دور الاداء الحكومي الضعيف في معاناتك الا ان الحقيقة هي ان هذا لن يحل الا 10% من أزمتك .. و90% منها سببه سياسة رسمية امريكية غايتها افراغ سورية من الكتلة السكانية الفاعلة والمنتجة والمتعلمة وافراغها من الأخلاقيات الوطنية لصالح الاخلاقيات الانانية .. وغياب النخب المنتجة سيترك الشرائح الاجتماعية هشة جدا ومخلخلة .. وتنهار بسرعة في أي أزمة داخلية جديدة ..

علينا عندما نراجع الحرب على سورية ان نعترف وندرك انه في هذه الحرب كان هناك أهم غائب فيها .. وهي الأخلاق .. وماقام به مخططو الحرب النفسية هو أنهم أفرغوا الجمهور من الامل بالمستقبل وافرغوه من الاخلاق الوطنية وحقنوه بأخلاق لاوطنية مثل فيديوات توزع الان لخونة وعملاء وأجراء يعملون ليل نهار مثل الخائن كمال اللبواني الذي تعاقد علنا مع مجموعة امنية اسرائيلية في مؤتمر الامن في هرتسيليا من أجل نشر تقارير كاذبة ملفقة وتحريضية في سورية غايتها اقناع الناس انهم يعيشون كابوسا مخيفا منذ ثورة البعث عام 63 .. وهذا مايحدث اليوم تماما من سياسة اعلامية موجهة بمهارة .. لافراغ المجتمع من الامل وافراغه من الاخلاق الوطنية الباقية ودفعها لتكون منحازة نحو الاخلاق الأنانية والفردية بحجة عدم المساواة .. فصار هناك تضخيم هائل لفكرة الفساد .. وتضخيم هائل لفكرة التفاوت الطبقي .. رغم ان الجميع في سورية وبشكل ساحق يعانون .. وان كانت هناك طبقة 1 بالمئة مرفهة فهناك معاناة شاملة لكل شرائح المجتمع تشمل نخبا وطبقة وسطى وأطباء ومهندسين وتجارا وضباطا .. ومن يدقق سيكتشف أن الكل يعاني من نفس الازمات .. وهناك حالة من المساواة نسبيا في درجة المعاناة اذا استثنينا نسبة 1 بالمئة الشاذة التي نمت بشكل طفيلي في مجتمع الحرب .. وهي حالة لاأخلاقية بالطبع ويجب ان تزال و تجري عملية ازاحتها من المشهد دون ان نتوهم ان ازالتها هي الحل للمشكلة الاساسية وهي الوجود الامريكي .. بل ان غياب العامل الامريكي سيجعل وجود هذه الطبقة الطفيلية هشا وتنهار بشكل تلقائي لأنها تعتمد في وجودها على الازمة التي خلقها الامريكيون .. وكل عمل لازالتها دون ازالة الوجود الامريكي هي حرب مع طواحين الهواء .. لأن اسقاطها سيكون تلقائيا باسقاط الوجود الاميركي الذي سيكون غيابه كارثة عليها وانهاء عاجلا لها لأنها مستفيدة من حالة الحرب الباردة حيث الدولة لاتقدر على خوض صراعات داخلية فيما الاميريكي على الابواب الشرقية .. وصار الاحتلال مصدر بقائها وفنائها ..
وأنا أتابع منذ فترة منشورات معارضة أحاول فيها أن أتحسس ان كان المعارضون قد تعلموا او تغيروا ام صار لديهم مايثير القلق والخوف .. فعليك ان تبقى على حذر في اي حرب وخاصة عندما يجنح خصمك للهدوء .. فليس مصدر قلقي هو ان يتسلح المعارض بالسلاح الفتاك .. وليس مصدر قلقي ان يكون المعارض محاطا بكل مخابرات الناتو ويفرش له السجاد الاحمر في المؤتمرات وجوائز الرشوة الدولية وأن يحاط بالتنظيمات الدموية .. مايخيفني من المعارض هو أمر مغاير تماما .. وهو أن يمتلك حزمة أخلاقية وقدرة على الصدق تجعله يعترف بالحقيقية وينصف نفسه وعدوه .. فالخصم الخطر هو الخصم النزيه وليس الخصم الحقود .. فالشخص النبيل والمدجج بالأخلاق يخيفني جدا لأنه مدرع ولاأقدر أن أوجه له طعنة في مقتل ولايقدر سيفي ان يبلغ لحمه .. والخصم ذو الأخلاق سيرغمني على ان أحترمه وان احترمته فسأحترم مشروعه وشعاره ..

اليوم وصلت الموجة الثالثة التي جاءت لتحصد مواسم قيصر .. فقد زرع الاميريكيون الفقر والذل في حياة الناس .. سرقوا خبزهم وسرقوا نفطهم وسرقوا ليرتهم .. وماذا يراد بقيصر الا ان تنتصر الثورة السورية؟؟ ومن جديد تخلص فقهاء الثورة ومحبوها وعاشقوها من ثيابها الاسلامية .. وحلقوا ذقونهم وتركوا السراويل القصيرة وجلسوا خلف ميكروفونات اليوتيوب .. وصاروا يشمتون بالموالين وغير الموالين .. وصاروا يشمتون بالحلفاء ويحرضون على كل الانتصار الذي تحقق .. وبعضهم صار يبكي ويذرف الدموع على الشعب السوري .. وبعضهم اخرج من جيبه من لم ينطق بكلمة واحدة منذ بداية الحرب .. وصار شعار الثوار اليوم .. الشعب يريد الخبز والدفء .. غابت الحرية وغابت الكرامة وغاب شعار (الشعب يريد اسقاط النظام) ليحل محله (الشعب يريد الخبز والمحروقات) .. ويمكنكم ان تراجعوا اي فيديو ومنشور لأبناء قيصر اليوم .. الذين كانوا يريدون حرية وكرامة .. حيث ستغيب الحرية والكرامة من قواميسهم .. ويحضر الخبز والليرة والبنزين وفقط .. انه موجه فقط لشق صفوف الوطنيين واشاعة نوع جديد من الجدال واليأس .. ليس عن الحرب .. وليس عن المؤامرة .. بل عن الخبز والفساد والنفط والفقر والقهر ..

أنا لن أقدم هدية للامريكيين وسأقول دوما ان الحل الكبير ليس في الداخل السوري ..فكل الحلول تبدأ من التحرير .. وان حدث التحرير فان حجارة الدومينو ستسقط خلف بعضها .. ستنتهي الازمة الاقتصادية .. وتتحطم طبقة اثرياء الحرب .. وتعود الحياة الاقتصادية الفعالة .. ويهزم الدولار .. وكل شيء عدا ذلك هو اضاعة الوقت .. وطواحين هواء ..
الجنود الاميريكون في القواعد العربية والقصور العربية يستريحون ويستجمون وشعوبنا تجوع


جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013