ضربة لطهران أم ضربة لواشنطن؟ المقاومة القانونية | توثيق الجرائم الأمريكية | ضربة لطهران أم ضربة لواشنطن؟
تاريخ النشر: 31-01-2023

بقلم: نبيه البرجي

الاشكالية الكبرى: كيف يمكن لـ "الموساد" أن يضرب بكل تلك السهولة، الأهداف الأكثر حساسية، بما في ذلك المفاعلات النووية، في دولة يوصف نظامها، ان ببنيته الايديولوجية أو ببنيته الأمنية، بالنظام الحديدي؟ في هذه الحال من تراه يأخذ بالتبريرات وبالتهديدات التي تطلق عقب كل عملية من تلك السلسلة الرهيبة؟

دأبنا على القول أن القيادة الايرانية السياسية والعسكرية تعاملت بحرفية عالية، أيضاً بمنتهى العقلانية، مع السياسات الهيستيرية لبنيامين نتنياهو الذي حاول، بكل الوسائل البهلوانية، استدراج الادارات الأميركية الى شن عمليات عسكرية صاعقة، وواسعة النطاق ضد ايران.

لا مجال للكلام عن الطوباوية في الرؤية الأميركية. أكثر من مرة وضع "الاسرائيليون" تقارير استخباراتية على درجة عالية من الدقة أمام كبار المسؤولين في واشنطن، حتى اذا جرى تدمير الأهداف المدرجة في التقارير، يغدو حتمياً تقويض النظام الذي امتهن، منذ قيامه في عام 1979، تهديد المصالح الأميركية في الشرق الأوسط...
الأميركيون يعتقدون أن أي غارات جوية، باستثناء الغارات النووية، لا تأتي بالمفاعيل الجراحية اللازمة. على العكس، قد تفضي الى ردات فعل تقضي على المصالح الأميركية الحيوية في المنطقة.
وبحسب الشهادات التي أدلى بها مسؤولون عسكريون واستخباراتيون، أمام اللجان المختصة في الكونغرس، فان العقوبات التي فرضت على النظام لا بد أن تؤدي الى التآكل التدريجي في ديناميكية القوة لديه. بالتالي، التخلي عن المقاربات الديماغوجية للمشهد الشرق الأوسطي.
المتابعون للأبحاث التي تنشر في "الفورين أفيرز" أو في "الفورين بوليسي"، يلاحظون أن القيادة "الاسرائيلية" تدرك ما يعنيه الأميركيون حين يقولون أن السقوط في المتاهة الايرانية أشد هولاً بكثير من السقوط في المتاهة الأفغانية. لهذا راهنت على الضربة النووية، ما أثار ذهول كبار الجنرالات في البنتاغون.

وكان لنتنياهو أن يلجأ منفرداً الى العصا الخفية. ضربات استخباراتية مدوية لأهداف ايرانية لا بد أن تستدعي رداً من آيات الله. حتماً بالصواريخ الباليستية ما يمكن أن يلهب أعصاب البيت الأبيض.

الآن وقد "بلغ السيل الزبى". أين المنظومة الأمنية الايرانية حين يفجر "الموساد" المفاعلات النووية، ويحرق مراكز تكنولوجية، ويغتال في وضح النهار، أهم دماغ نووي في البلاد، ناهيك عن الدخول الى الأرشيف النووي والاستيلاء على نصف طن من الوثائق السرية؟
أزمة نظام أمني أم أزمة النظام ككل؟ ما حدث يمكن أن يحدث في دولة في حال من الاسترخاء، لا في دولة هي قي حال من الاستنفار. كيف يمكن لثلاث مسيّرات تستخدمها شركة "آمازون" لخدمات الدليفري، أن تنطلق من داخل البلاد (وهذا هو المرجح، وهذا هو الأكثر خطرأً من الاختراق الخارجي) وتستهدف موقعاً هاماً في أصفهان؟
هذا بانتظار أن تنجلي التفاصيل حول العملية التي أفسحت المجال أمام وسائل الاعلام الأميركية والأوروبية، للحديث عن "الهشاشة الأمنية" و"الهشاشة السياسية" للنظام الذي دأب على التهديد بازالة "اسرائيل" من الوجود.

الضربات المتتالية أثبتت وجود اختلال في المنظومة العسكرية والمنظومة الأمنية. هذه مسألة طبيعية اذا أخذنا بالاعتبار مدى وتاريخ التعاون بين أميركا و"اسرائيل" في المجالات التكنولوجية والالكترونية و... الاستخباراتية !
أوساط ديبلوماسية ترى أن ما حصل قد يكون رداً على مجريات اللقاء بين وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان ونظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، حيث كشف النقاب عن رسالة بعث بها الأميركيون، المتوجسون من أي انفجار عسكري في المنطقة ينعكس بصورة كارثية على حربهم ضد روسيا في أوكرانيا، حول العودة الى مفاوضات فيينا.
هل ضربة أصفهان لجو بايدن أكثر مما هي لابراهيم رئيسي؟ ثمة حكومة مجانين في "اسرائيل"، وقد لا تتردد في تفجير الفندق الذي تعقد فيه المفاوضات.

لعل السؤال (السؤال الغبي): اذا كان بالامكان تجاوز تداعيات الصدمة المتعددة الأبعاد في أصفهان، ما هو رد واشنطن، لا ما هو رد طهران...؟


جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013