أصبح لفظ الكازار Alcazar في إسبانيا اسماً عاماً يطلق على الصروح المعمارية، ولاسيما القصور الملكية العربية الإسلامية أو أطلالها الباقية من العصور الماضية والقائمة شواهد تاريخية.
وقد نافست قصور الأندلس قصور المشرق العربي، بجماليتها وضخامتها وزخارفها وحسن هندستها. ومن هذه القصور الأندلسية الكازار في إشبيلية، ويتمثل في هذا القصر الفن الإسلامي في الأندلس.
ينسب بناء الكازار إلى بطرس القاسي Pierre le cruel الذي بناه في موقع قلعة أندلسية قديمة شيدها المسلمون عام 1350ـ1369م، ثم جُدِّد بناؤها في القرون السادس عشر والسابع عشر والتاسع عشر. يمتاز الكازار بمقرنصاته الجميلة ونقوشه الجصية البديعة وأعمدته الرخامية الرشيقة، كل ذلك يؤكد استمرار تذوق ملوك إسبانيا جمالية الفن العربي الإسلامي. ومع أن معظم قصر إشبيلية هو من بناء الملوك الإسبان فإن هذا المبنى سُمِّي باسم الكازار، لأنه شيد على بقايا قصر إسلامي سابق، وعلى الطراز المعماري الأندلسي الإسلامي.
يقع الكازار قرب الكنيسة الكبرى في مدينة إشبيلية وفي جنوبها الشرقي. وواجهة مدخله هي في الواقع من بقايا قلعة إسلامية أندلسية قديمة، ويدل على ذلك طرازها المعماري. وبعد الفناء الذي يلي المدخل تبدو ثلاثة عقود قديمة، تعود إلى عقود مبنى ذلك الصرح الإسلامي الأندلسي القديم، ثم يلي ذلك ساحة واسعة تقوم عقودها الجانبية على أعمدة رشيقة من الرخام الأبيض ويبدو طرازها المعماري الأندلسي واضحاً. وهكذا يبدو هذا الصرح المعماري الأندلسي بأبهائه وعقوده وزخارفه العربية في ذروة جماله المعماري.
يتألف الكازار من طابقين:
الطابق الأول الأرضي:
يبدو في معظمه أندلسياً وإسلامي الأصل، على الرغم من إضافة أبنية حديثة من إنشاء ملوك إسبانيا. ويتألف هذا الطابق الأرضي من أفنية وأبهاء عدة وغيرها، ولكل منها اسمه الخاص مثل: قاعة العدل، وفناء الصيد، وفناء العذارى، وبهو كارلوس الخامس، وبهو السفراء، وجناح فيليب الثاني، وفناء العرائس، وجناح الملوك الأندلسيين، وجناح الملوك الكاثوليك.
والجدير بالذكر أن بهو السفراء هو من أهم هذه الأفنية وأبدعها، فهو بهو شاسع، وفخم تظلله قبة عالية جداً معقودة على أعمدة ومقرنصات عربية مزخرفة. وتبدو جدرانها مكسوة بالقيشاني الفخم وتتخلله نقوش عربية. وفي دائرة الجدران الوسطى نقشت العبارة العربية المكررة «الغبطة المتصلة» في الدائرة كلها. وفي هذا الطابق يبدو الطابع الأندلسي الأصيل قوياً، وفي أفنيته وأبهائه أبواب عدة كبيرة وصغيرة أندلسية الأصل تزينها نقوش عربية. وتتخلل زخارف القصر كثير من العبارات والتحيات والأدعية الإسلامية، وبعض الآيات القرآنية. وفي قاعة السفراء نقشت عبارة «الملك لله» يميناً ويساراً على مصاريع الأبواب، وفي القسم العلوي من هذه الأبواب تُقرأ كتابة مهمة منقوشة في لوحة زرقاء: «أمر مولانا المعظم المرفع، ملك قشتالة وليون، أدام الله سعده وهنأ أيامه، بعمل هذه الأبواب الجديدة لهذه القبة السعيدة». وتُقرأ أيضاً عبارة: «ولا غالب إلا الله»، التي كانت شعار بني نصر ملوك غرناطة، على هذه اللوحة ذاتها منقوشة ثماني مرات يميناً ويساراً بخط كوفي جميل وباللونين الأزرق والأبيض. وفي قاعة السفراء هذه توجد العبارة الآتية منقوشة بالخط الكوفي الجميل «عز لمولانا، أيده الله ونصره»، ويذكر أن «بضر، بدر، بطر» هو ملك قشتالة بيدرو pedro الأول. وفي القسم العلوي من المصراع الأيسر للباب تُقرأ عبارة مشوشة مختلطة الألفاظ تشير إلى أن الذين اضطلعوا بالعمل هم المعلمون الطليطليون وذلك عام 1404. ويذكر المستشرق أمادور دي لوس ريوس أنه رأى في هذه العبارة ما يدل على أن هذا القصر قام بإنشائه معلمون وصناع من المدجنين من سكان طليطلة. وعلى الحزام الخارجي لفناء العذارى نقشت عبارة «الحمد لله على نعمه». وفي البهو الأيمن المسمى جناح الملوك الأندلسيين نقش في جهة القبلة بيت الشعر الآتي:
يا أيها المجلس الجديد يأتيك الطالع السعيد
وفي أفاريز هذا البهو وفي موضوعات مختلفة تُقرأ عبارات «المنة لله…العظمة لله…التوفاق نعم الرفاق» وعبارة «عز لمولانا السلطان…». وفي البهو الخارجي لهذا الجناح، في قوسه الأعلى نقشت هذه العبارة مكررة «يا ثقتي، يا أملي، أنت الرجاء، أنت المولى، اختم بخير العمل». ونقشت على جدران الطابق الأول من القصر هذه العبارة المكـررة «النعمة الشاملة». كما نقشت في الحزام الخشبي الأوسط هذه العبارات مكررة «اليمن والسلامة، العزة والكرامة، السعد الدائم». وفي الساحة الكبرى نقشت عند المدخل عبارة «الحمد لله على نعمه»، كما نقشت العبارات الآتية مكررة «عز لمولانا، الملك لله. اليمن والإقبال، ولا غالب إلا الله».
ومما يلفت النظر آية الكرسي المنقوشة في زاوية من فناء العرائس.
ومن المعروف أن الصناع كانوا ينقلون كثيراً من الآيات القرآنية محرفة بطريقة التقليد فقط. وكانوا يثبتون بعض هذه الآيات الكريمة في زخارف الأديار ذاتها من دون أن يدركوا أنها آيات من القرآن الكريم.
الطابق العلوي من القصر:
بنى الملوك الإسبان هذا الطابق تقليداً للطراز المعماري الأندلسي، مما جعله يحاكي الطابق الأول الأرضي، ويتألف من مصلى الملوك الكاثوليك، وبهو الملوك، وجناح الملك بيدرو، وفيه غرف وأبهاء عدة فُرِشت جميعها بالأثاث الفخم، وزينت جدرانها بصور بريشة كبار الفنانين في عصرهم. وكسيت جدرانها كلها بالقيشاني الملون ونقشت عليها نقوش عربية مختلفة مقلدة.
اهتم بدراسة قصر إشبيلية (الكازار) عدد من الباحثين المختصين في الشرق والغرب مثل: محمد عبد الله عنان، وجورج مارسيه G.Marçais. ورأى بعضهم أن هذا المبنى يقوم في بعض أجزائه على أنقاض قصر المعتمد بن عباد الذي كان موقعه قريباً من النهر، وفي مثل هذه البقعة التي يقوم عليها هذا القصر (الكازار).
ويؤكد بعض الباحثين أن بقايا قصر ابن عباد كانت قائمة حتى أواخر القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي، وأن معظم الأجزاء السفلية من قصر إشبيلية (الكازار) قد بنيت في هذه الفترة الزمنية في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي، في عهد الخليفة أبي يعقوب يوسف وابنه الخليفة المنصور، المنتصر في معركة الأرك الشهيرة.
وتحدد الرواية الأندلسية تاريخ إنشاء قصر إشبيلية (الكازار) في عام 567هـ/1173م. ويؤكد الباحثون أن الخليفة أبا يعقوب يوسف قد بدأ بإنشائه، وقد أنشأ في الوقت نفسه قنطرة على نهر الوادي الكبير، كما أصلح أسوار المدينة. ويذكر أن بقية من أسوار الموحدين[ر. الموحدون (دولة-)] مازالت قائمة في مدينة إشبيلية.
ويقول الباحث محمد عبد الله عنان أنه ليس من المستبعد أن يكون هذا القصر (الكازار) الذي أنشأه الخليفة الموحدي قد أقيم على بقايا قصر أندلسي سابق وأقدم، وربما كانت هي بقايا قصر المعتمد بن عباد. ويذكر «الغزال» سفير سلطان المغرب إلى ملك إسبانيا أنه حينما زار مدينة إشبيلية عام 1766م أُنزل في قصر إشبيلية نفسه، ويقول إن هذه الدار- أي القصر- تقع داخل قصبة أحد ملوك الإسلام، وقيل إنها كانت للمعتمد بن عباد، وإنها من الديار التي لم يكن لها مثيل في البلاد الإسبانية، ثم يصف هذا القصر وحدائقه بكل إعجاب.
ففي عهود الموحدين 1130ـ1269م كان يحيط بهذا القصر أسوار لها أبراج منيعة بقي منها اليوم برج وحيد على النهر هو البرج المثمن المسمى باسم «برج الذهب» الواقع جنوب غربي القصر على ضفة نهر الوادي الكبير، وعلى مقربة من قنطرة «سان تلمو»، ويتألف البرج من ثلاث طبقات، ويبلغ ارتفاعه نحو 15م، ويعود تاريخ إنشائه إلى عام 619هـ/1221م، وذلك بإشارة السيد أبي العلاء حاكم إشبيلية الموحدي يومئذ، وكان يربط هذا البرج بالقصر سور للدفاع عنه.