ما تعانيه سوريا اليوم من أنواع الحصار والعدوان ليس شيئا مفاجئا، بل هو نتيجة لما يقرب من 13 عاما من الاستهداف. لقد تراكم العدوان والحصار وصمت الشّارع العربي المؤطّر بهيئات مجتمع مدني أبت أن تقف مع سوريا في محنتها، وكانت في معظمها تنتظر سقوط سوريا لتكون لها رواية أخرى. في تلك الأيام العصيبة كنّا نشعر بالغربة، بل كان التآمر يأتي من تلك الهيئات التي نشطت في مؤتمرات ما سمي بأصدقاء سوريا ومن تحالف معها، عانقوا عزمي الذي وضع سقوط سوريا بين عينيه، عانقوا فلول الإخوان الذين وجدوا في تخريب سوريا غاية لطالما انتظروها. كانوا يشعروننا بأنّنا نرتكب منكرا ونحن نعبر عن تضامننا مع سوريا من منطلق المبدأ، فظنّ الكثير ممن أشرب في قلبه ثقافة الدّكاكين، أنّنا ننافسهم ونغطي عليهم أو نحرجهم، وفعلوا ما استطاعوا من ألوان التآمر والوشاية بنا لكي يردوننا عن موقفنا، ولكنهم فشلوا، فواجهنا إعصارا من كل المستويات.
إنّ الذاكرة حبلى بصور تلك المعاناة، وإنّ الأرشيف مثقل بما يكفي من توثيق اللحظات الأكثر قسوة في خذلان القضية السورية. وإنّ سراق الله أصبحوا يسرقون شعاراتنا التي أسمعناهم إياها في زمن التآمر.
لم نكن يومها في حاجة لمن ينبهنا إلى ما تتعرض له سوريا من أنواع العدوان، بل تواجدنا منذ الوهلة الأولى، ولم تغب عنا هذه القضية لما كنا ندرك بأنّها تشكل خطرا على المنطقة والعالم. عالجنا في الداخل والخارج، وصبرنا على كل أشكال التواطؤ بين هذه القوى التي حاربتنا بأساليب بالغة الإسفاف. في تلك الأثناء، كان الخطاب والموقف يتجهان عند الكثيرين إلى قضايا أخرى، بينما الكواليس تحفل بالقيل والقال، والعناق تلو العناق مع أعداء سوريا لم يتوقف حتى اليوم. لم تكن سوريا أولوية لدى الكثيرين لما كانت على وشك الضياع، ولكنها في زمن الانتصار باتت أولوية.
هل سنتعلم بعد كل هذه المعاناة دروسا من أحد؟ هل سننتظر بعد كل هذه الملحمة من التحدي من يعلمنا أن سوريا صمدت ولن تسقط؟ كنا نتمنّى أن نسمع ربع كلمة من هذا النوع، لما كانت سوريا تواجه العدوان والخراب ومؤتمرات أصدقاء سوريا، وفتاوى شيوخ صبّوا جامّ فتاويهم ضدّ سوريا واستباحوا دم الجيش العربي السوري، وأفتوا بقتل الرئيس. وإنّما نقول هذا ليس من باب الجدل، بل من باب الحقيقة، ولم يعد في المزاج ما يطاوعنا للتجاوز أو التغاضي عن أساليب المؤامرة، وربما قد آن الأوان لإعادة التربية لكل من حاول هذه المرة أن يرفع عقيرته في مواجهتنا.
الكذب على التّاريخ ممكن إذا توفّر شرطان:
- الكذب ممكن على تاريخ المدى البعيد
- الكذب على الموتى
لم يمت بعد أولئك الشاهدون على عنف العدوان ضدّ سوريا التي سخر منّا فلول الإخوان وخصوم سوريا كلما سمعوا منّا عبارة "فخامة الرئيس بشّار الأسد"، كان ذلك علامة نصفع بها خصوم سوريا الذين لم نخشاهم يوما على الرغم من سطوتهم وغلبهم. لأنّهم كانوا قلبا واحدا مع الناتو والرجعية. وكذلك لم يدخل بعد تاريخ العدوان على سوريا في موجة تاريخ المدى البعيد حتى نتطلع إلى نمط الحوليات التاريخية.
ومع ذلك علمتنا هذه السنوات من الصراع أنّ خصوم سوريا ينقسمون إلى قسمين:
- قسم يجاهر بتلك العداوة، وهؤلاء على الرغم من عدوانيتهم هم أهون من غيرهم.
- قسم فضل الصمت وانتظار لحظة السقوط ووزع الأدوار وعانق خصوم سوريا وواصل تحالفه معهم، عبر تجزيئ القضايا وتوزيع الأدوار.
هذا القسم الثاني تعرفهم من خلال المؤشرات التالية:
1- إنّك لن تجد في تاريخهم تناسبا مع هول المأساة التي حلت بسوريا، فليس الكلام الأخير كالأول لا من حيث المضمون ولا من حيث الحماسة.
2- لن تجد برنامجا متواصلا، يوما بيوم ، أسبوعا بأسبوع، شهرا بشهر وحتى حتى سنة بسنة، فالأرشيف فقير من أي موقف تضامني حقيقي في مستوى الحدث.
3- عدم التخلي عن معانقة خصوم سوريا، وعدم إصدار بيانات تدير من تورط في التآمر على سوريا.
4- الحنق ومعاداة من ناصروا سوريا، والوشاية بهم، ومحاولة تشويههم. ولنا في ذلك أمثلة، نتركها لوقتها. ولهذا الموقف مظاهر عديدة، منها التآمر على أنصار سوريا، تجاهلهم في كل الأنشطة الأخرى وتمثل موقف الإخوان نفسه من أنصار سوريا، وتبرير مواقفهم العدوانية بالقدر المعاكس، أي عدم تبرير أي شيء لمن ناصروا سوريا.
اليوم قطعت سوريا المشوار الأصعب في محنتها، وهي محاصرة دوليا، وأصدقاؤها الحقيقيون يحملون هذا الهمّ، فهل سنقنع إيران أو روسيا أو الصين بمساعدة سوريا؟ بل حتى مصر التي نتحدث عنها، فلقد كان خصوم سوريا ممن حضروا في مؤتمر مرسي الذي وجهه لتخريب سوريا، ولم نسمع اعتراضا بل لطالما تباكى أولئك على انقضاء ذلك العهد ولا زالوا.
أنصار سوريا فعلوا كل ما في وسعهم على نطاق واسع، في الشارع وفي الاعلام وفي الهيئات الدولية، لم يتركوا يوما سوريا وحدها تواجه النزيف. الذين كانوا ينتظرون سقوط سوريا ليغيروا في نحوهم فوجؤوا بصمود سوريا ولسنا نحن الذين قلنا ذلك حتى بححنا. لقد صدموا بهذا الصمود، حيث نحن ونحن فقط من كان يؤمن بأن سوريا لن تسقط، حيث قيمة كلّ هذه الشعارات هو في زمنها الموضوعي، يوم كان الخذلان والتجاهل والتآمر هو سيد الموقف. كنا كلّما أقمنا وقفة تضامنية أو ندوة، أو مؤتمرا أو لقاء مع سوريا إلاّ وواجهنا سيلا من الإهانات من خصوم سوريا، الذين تضاعف حنقهم علينا بسبب مواقفنا، كانوا طرفا في هذه الحملات، وبجبن طبعا، لأنّ المجاهرة في مواجهتنا صعبة مستصعبة، لأنّنا من طينة الفرسان لا الرعاديد،ولأنّ عبث الثعالب مع الأسود نهايته وخيمة.
انتصرت سوريا، وستنتصر بقيادتها وجيشها وشعبها وحلفائها وأنصارها، ولا يصح إلاّ الصحيح، بتمام الوضوح في الرؤية والصدق في الموقف، وبأرشيف من العمل البرنامجي، وبما تحتفظ به الذاكرة النضالية للذين قالوا كلمة حقّ في زمن النذالة. إنّ المزايدة عدوان، والتجاهل دجل، لا سيما وأنّ الشاهدين على عقد من الخراب والعدوان هم أحياء يرزقون، وأنّ سوريا ليست بلدا ساذجا لا عين له في الآفاق ولا رؤية له الآماد، وكلّ شيئ في ميزان، والذين وقفوا مع المظلوم منذ أوّل مرة ولم يثنهم عن ذلك أحد، لقادرون على إعادة التربية لمن هم في هذا التحدي رعاديد جبناء. سوريا التي قطعت مشوارا صعبا، تعرف طريقها وهي في المنعطف الأخير للحلّ، ومن كان معها فهو معها، ومن طلع عليه النهار متأخرّا فليعلم أنّ موسم رقصة المطر ولّى لن يعود.
نزلنا للشارع ونحن لسنا من هواته، ولكننا وجدنا أن سوريا تعرضت لمؤامرة كبيرة، تخلى عنها الجميع وخذلوها، نزلنا لنطيح بهذا الصمت، ولهذا ازداد حقدهم، لأنّنا أحرجنا صمتهم الذي كان يشبه صمت أهل القبور. وازداد حنقهم لأنهم رغم تآمرهم الجبان لم يستطيعوا إيقاف تضامننا. وربما لم نكن على قدر من الخبث لندرك أساليبهم الماكرة، والحمد لله أنني لم أكن على دراية بذلك وإلاّ كنت سأخرج عن كلّ الأطوار. فالأسوأ عندما تبتلى بعدو رعديد، وخصم من قبيلة الرخويات. يكفي سوريا فخرا أن أنصارها كانوا منذ البداية من أصحاب المبدأ، فلا نحن سماسرة ولا نحن رعاديد، وهلك الموتورون، والمتحرقون، والمذبذبون، وتجار المآسي والحروب. فمن آثر المبدأ على التجارة كان على من يلوذ باللُّتيا والتي أشرس من أسد. فللمنافقين الذلة وليست للمكافحين.
كنا نقول أن سوريا لن تسقط في وقت انتظر فيه الكثيرون سقوطها، فهذه العبارة لم نكن نسمعها في بداية وذروة الأزمة من أحد، لكننا اليوم تجاوزنا هذا المعجم اللفظي وتركناه لمن استيقظ متأخرا لمصمصمة هذه العظام، اليوم نقول أنّ سوريا ستكون لاعبا دوليا بعد أن ساهمت في تغيير النظام العالمي. ففي سوريا دارت الحرب العالمية الثالثة بالوكالة، هناك صمدت سوريا لتساهم في إنقاذ العالم من هيمنة نظام عالمي وحيد القرن.
نتمنى لسوريا في هذا العام الجديد، انعطافة كبرى على طريق الحل النّهائي. فلتقرع كنائس الشّام في ذكرى المسيح، الشاهدة على عنف المواجهة، يوم تحالف الناتو مع الرجعية لذبح مسيحيي الشرق، وهناك فقط سوريا بقيادتها وشعبها وجيشها تصدوا بقوة لإنقاذ هذا المكون الكبير في الشرق. عام سيكون حافلا بالإنجازات، عودة الأمن والاستقرار والوحدة لسوريا، وهي في كل هذا تسلك على طريق التحرر ومناهضة الإمبريالية، ودحر مؤامرات خصومها، في المنعطف الكبير للانتصار والفرج، نقول لسوريا: هنيئا، ولا أحد بعد كل هذا الصمود يُربّحك جميلا.
ادريس