تحت عنوان: «لماذا يجب على الولايات المتحدة العمل على وقف للنار في أوكرانيا وإنهاء هذه الحرب؟» يحلل جاك ماتلوك الذي كان آخر سفير أميركي في موسكو عام 1991 في أثناء انهيار الاتحاد السوفييتي، في تحليل نشره في مجلة «ريسبونسيبيل ستيكرافت» الأميركية الإلكترونية في 17 تشرين الأول الجاري، الوضع القائم فيما يجري بين الغرب وروسيا في موضوع أوكرانيا، فيرى أن «التطورات التي نتجت عن المواجهة بين الغرب وروسيا حتى الآن تفرض على الولايات المتحدة، وهي اللاعب الأهم في الوضع الأوكراني إيجاد طريق لإنهاء الحرب».
ويحدد ماتلوك «أربعة أحداث قادت الحرب في أوكرانيا إلى مسار تزداد خطورته بشكل مميز وهي:
1- عملية ضم روسيا لأربع مقاطعات أوكرانية إضافية بدأت يعطل الحلول الوسط التي كانت تظهر من قبل.
2-عملية تفجير خط «السيل الشمالي 2» ستعطل دور روسيا كمزود رئيس للغاز لألمانيا ولو انتهت الحرب في أوكرانيا بمعجزة.
3- عملية التفجير الأوكرانية لجسر القرم منحت روسيا مبرراً لتصعيد العمليات الحربية الروسية على أوكرانيا.
4- العمليات الانتقامية الروسية واتساع أهدافها سينتج عنها أضرار لأوكرانيا أكثر مما تستطيع أوكرانيا تحقيقه من الأضرار على روسيا».
يقر ماتلوك أن «ظروف أوكرانيا الآن حتى مع استمرار دعم حلف الأطلسي لها، لن يكون بمقدورها خلق دولة مستقرة تؤدي وظيفتها داخل الحدود التي تحققت لها بعد 1991 حين انهار الاتحاد السوفييتي».
ويحذر ماتلوك أوكرانيا من «محاولة استعادة هذه المناطق بالقوة العسكرية حتى لو شجعتها واشنطن ودعمتها هي وحلف الأطلسي للاستمرار بالحرب، فروسيا في أغلب الاحتمالات وليس بوتين وحده، ستهدم أوكرانيا بقوتها العسكرية، فالواقع يتفوق على الوهم عندما يتنازع طرفان».
يبين ماتلوك أنه «إذا توقفت الحرب بعد دمار كبير لمدينتي كييف ولفيف، فهذا سيفترض أن التصعيد الروسي لم يتضمن استخدام السلاح النووي»، وهذا في الواقع ما تدركه معظم الدول الأوروبية المتورطة بضغوط أميركية للانخراط في حرب أميركا ضد روسيا، وهو ما يستنتجه المرء من حقيقة أن روسيا لا تزال بعد مرور ثمانية أشهر تقريباً على العملية الروسية العسكرية، تتمتع بوضع مريح نسبياً على الجبهة الخارجية والداخلية، بل أكثر قوة وتحديداً، كما تجد الولايات المتحدة نفسها في وضع ينسجم مع نسبة خساراتها النسبية على صعيد نفوذها الخارجي وأزمتها الاقتصادية غير الكارثية بعد، على حين أن أوكرانيا هي التي تدفع كل أثمان الحرب الأميركية على روسيا، وهي أثمان يستحيل الاستمرار بدفعها من النواحي الداخلية والخارجية كافة، أما أوروبا فقد تولدت لها مشاكل وأزمات لم تتمكن حتى الآن من تأمين الحلول النهائية لها لا في ساحة علاقاتها كدول اتحاد أوروبي ولا على المستوى الاقتصادي بعد الثمن الذي دفعته وستدفعه أكثر إذا ما استمر انخراطها بحرب فرضتها واشنطن على معظم حلفائها.
في مجلة «ديبث نيوز» الإنكليزية يثبت ديفيد سبيدي في تحليل نشره في المجلة في أيلول الماضي أن واشنطن فرضت توسيع دائرة حلف الأطلسي الجغرافية حتى اقتربت إلى حدود ألف ميل من حدود روسيا، وخرقت بذلك هي ودول أوروبية في حلف الأطلسي الاتفاقية التي وقعتها مع آخر رئيس للاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف بالامتناع عن توسيع جغرافية الأطلسي حين جندت دولاً كثيرة في الحلف ضد روسيا، ثم استفزت واشنطن عام 2008 روسيا حين عقدت قمة للحلف الأطلسي في بوخارست، وأجرت مناورات عسكرية للحلف في البحر الأسود، وأعلنت عن قرب انضمام جورجيا وأوكرانيا للحلف رغماً عن روسيا.
إن ما يذكره سبيدي يؤكد أن هذه السياسة كانت عبارة عن إعلان حرب متدرجة ضد روسيا وتضييق الحصار على قدراتها العسكرية وإمكانات دفاعاتها في الجوار الأوروبي وعند البحر الأسود الذي يشهد اليوم الرد الروسي على السياسة العدوانية الأميركية، واستشهد سبيدي بالتحذيرات التي أطلقتها نخبة رفيعة المستوى من المسؤولين الأميركيين منذ عام 2008 وكذلك بعض السفراء السابقين في موسكو من خطر هذه السياسة الأميركية وتوقعوا أن تواجهها روسيا بكل قدراتها وهذا ما يجري الآن، ويرى الكثيرون من المحللين في أوروبا وأميركا أن الغرب لم يترك لروسيا مساحة كافية من المناورة أو الحلول الممكنة بعد إصرار واشنطن على استخدام أوكرانيا ضد روسيا وخاصة بعد أن أحبطت روسيا ضم جورجيا من قبل.
هذا يعني أن حرباً أميركية كانت تجري بأشكال مختلفة ومضامين عسكرية واقتصادية وابتزازية ضد روسيا بمشاركة أوروبية أطلسية جندت لها واشنطن أكبر عدد من الدول، قبل انطلاق ساعة الصفر المعدة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وتحقيق أهدافها ضد أكبر عدد من الدول المنخرطة في الحرب ضد روسيا.