سورية و (تركيا) تاريخ من علاقات معقدة و مستقبل مجهول : التقارير والمقالات | سورية و (تركيا) تاريخ من علاقات معقدة و مستقبل مجهول :
تاريخ النشر: 05-09-2022

بقلم: طارق صياح حاتم

منذ عام ٢٠١١م انحازت تركية إلى جانب المعارضة السورية و كانت السباقة لتبني خطاب حاد و مسيء للأسد فأطلق مسؤولوها تصريحاتٍ ثقيلة و تهديداتٍ كبيرة و وعوداً بالصلاة بدمشق بعد إقصاء الأسد عن السلطة. الأسد الذي كان بالأمس القريب صديقاً مقرباً و حليفاً هاماً لكن كانت الطموحات بإيصال الإخوان المسلمين السوريين للسلطة أهم بكثير من العلاقة مع الأسد، إذ يبدوا أن الأتراك لم يعرفوا مكانة الأسد لدى حلفائه و حلفاء بلده الذين يعرفون تماماً ماذا يفعلون و يعرفون جيداً سورية و تركيبها السياسي العجيب.
طالبت تركيا بتشكيل لجنة لإزالة الألغام المزروعة على الحدود السورية التركية وفتحت تركية ثغرات في الحدود التركية في إدلب و حلب و تحديداً أطراف باب الهوى و باب السلامة و نقاطاً أخرى غير رسمية لدعم المعارضة السورية بالمال و السلاح من خلال تنسيقها مع القطريين الذين تحركوا آنذاك بتنسيق مع الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز لإسقاط الأسد. و فعلاً حققت هذه الفصائل تقدماً كبيراً و سيطرت على كثيرٍ من الأرياف و البلدات و مدنٍ كاملة كما حصل في الرقة و إدلب و سرعان ما ظهرت الفصائل الجهادية و ابتلعت ما يسمى بالجيش الحر و نذكر هنا جبهة النصرة و تنظيم داعش و جند الأقصى و نور الدين الزنكي و غيرها و آنذاك كان هناك تقارير صحفية تؤكد تعامل الأتراك مع التنظيم من خلال شراء النفط و نقل البضائع التركية إلى مناطق سيطرة التنظيم.
العلاقات السورية التركية بين ٢٠١١: ٢٠١٧
لقد مرت العلاقات السورية التركية خلال العقد الماضي بأسوأ فتراتها التاريخية و قد وصلت الأمور بها إلى تراشق تصريحات حادة و عدائية و مواجهات ميدانية بين الجيشين في بعض المناطق و لقد شهدت تركية استقبال أكبر موجة نزوح في التاريخ الحديث إذ دخلها ما يزيد على ٦٠ بالمئة من سكان محافظة حلب و الرقة و دير الزور و مئات الآلاف من المدن الأخرى كحمص و دمشق و درعا و حماة و هذا ما شكل ضغطاً كبيراً على الاقتصاد التركي و نقمة كبيرة للشعب التركي على قيادته ممثلةً بحزب العدالة و التنمية و على رأسه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ناهيك عن نشاط المعارضة التي كانت تستغل كل مناسبة وطنية أو جلسة حزبية لمهاجمة الرئيس أردوغان من بوابة اللاجئين السوريين و تحريض الشعب التركي ضد القيادة التركية و اللاجئين السوريين. مع تنامي عمليات داعش و سيطرتها في مناطق مختلفة من سورية ازدادت موجة النزوح بشكل كبير و تضاعفت أعداد اللاجئين هناك و ازداد الضغط على الحكومة التركية مع استمرار انقطاع الاتصالات بين البلدين و عدم وجود حل قريب في الأفق. لكن و مع تحرير الجيش العربي السوري للمحافظات من براثم الإرهاب الداعشي و من سيطرة الفصائل المسلحة المعارضة و حصر المعارضة المسلحة في إدلب و ريف حلب و توغل حزب العمال الكردستاني العميل في مناطق شرق الفرات كان لا بد من مراجعة للمواقف و ايجاد حل للاجئين السوريين في الداخل التركي الذين يبدوا أن عودتهم لسورية ستطول كثيراً و هنا بدأت تركية بوضع خطط جديدة لمرحلة جديدة عنوانها إعادة اللاجئين بأي ثمن.
حراكٌ ثنائي و محاولات تقاربٍ خجول :
بعد اندحار داعش في محافظات مختلفة و انتصار الجيش السوري و حلفائه على التنظيم الإرهابي بدأت تركية عملياتها في الشمال السوري لمواجهة الإرهاب الداعشي و الأحزاب الكردية المتمركزة في عفرين و جنديرس و شرق الفرات و خاضت عدة عمليات و هي نبع السلام و غصن الزيتون و درع الفرات و استطاعت خلق منطقة في الشمال تتبع لسيطرتها قولاً و فعلاً من خلال مليشيا الجيش الوطني التابع للاستخبارات التركية و الفصائل المسلحة مثل ملك شاه و سليمان شاه و السلطان مراد و الجبهة الشامية و أحرار الشرقية و عاصفة الشمال و غيرهم و الشرطة الحرة التابعة للدرك التركي والمدارس و الجامعات التركية في الشمال و المدارس و المنظمات و المؤسسات التي ترفع صورة الرئيس التركي و العلم التركي فوقها و في مكاتبها و على جدرانها و هنا أصبح من الممكن البدء بإعادة اللاجئين إلى هذه المنطقة في ظل تزايد الحوادث العنصرية بين الشعب التركي و اللاجئين السوريين و احتقان الشارع التركي ضد قيادته و خاصةً مع الظروف الاقتصادية الصعبة جداً التي عصفت بالبلاد في ظل تفشي وباء كورونا و بعده الأزمة الأوكرانية و اللاجئين الأوكرانيين الذين غزوا أوروبا بحيث لم تعد قضية اللاجئين السوريين تحظى بأهميتها السابقة و انخفاض مستوى الدعم الأوروبي للاجئين في ظل أزمة اللجوء الأوكراني و الأفغاني و أزمة الطاقة التي تعصف بأوروبا كلها .
لا يمكن للشمال السوري لوحده استيعاب ٥ ملايين لاجئ و لهذا لابد من حل جذري للقضية من خلال التنسيق مع المجتمع الدولي و روسيا و الحكومة السورية و من هنا انطلقت اللقاءات الأمنية الاستخباراتية بين الأتراك و السوريين كان أولها لقاء الجنرال علي مملوك بالجنرال حقي فيدان برعايةٍ روسية و تكررت اللقاءات إلى أن وصلت إلى طريق مسدود و توقفت مؤقتاً منذ بداية العام ٢٠٢١م مع انشغال سورية بالانتخابات الرئاسية السورية. لكن مسألة اللاجئين السوريين كانت تتفاقم و تتزايد يوماً بعد يوم و الغضب الشعبي وصل لأوجه و أصبحت الساحة الداخلية لاتخلو يوماً من جرائم عنصرية ضد السوريين في مدن تركيةٍ مختلفة و ضغط المعارضة سياسياً و إعلامياً و اللعب على الورقة الرابحة في تركية و هي ورقة اللاجئين و هذا ما أجبر الحكومة التركية لضبط الموقف قبل انفجار الداخل الذي بات قريباً وفق ما كان ظاهراً للجميع حيث خرج وزير الداخلية التركي سليمان صويلو ليؤكد أنه سيتم إعادة مليون لاجئ سوري إلى الشمال بعد تأمين مسكن و حياة كريمة لهم و لكن الداخل التركي لم يكن متفائلاً كثيراً و تصريح صويلو لم يكن كافياً فكان لابدّ من خياراتٍ إضافيةً و هي تصفير المشاكل الإقليمية و تحريك العلاقات التركية السورية و دفعها للأمام على مبدأ أن بقاء الأسد أصبح أمراً واقعاً لابد من التعامل معه بعقلانية و واقعية.
مع وصول المقداد لوزارة الخارجية بعد رحيل الوزير المعلم كان التعامل مع المقداد أفضل لأنه أكثر حرصاً في تصريحاته و هدوءً على خلاف زميله بشار الجعفري الذي يصعب محاورته أو مناقشته كانت فرصة لقاء بين المقداد و جاويش أوغلو في قمة عدم الانحياز في بلغراد نهاية العام ٢٠٢١ كما صرّح جاويش أوغلو مؤخراً. قمتي طهران و سوتشي دفعتا باتجاه مصالحة بين الحكومتين و القبول بالأمر الواقع و طي صفحة الماضي لإيجاد حلول بين الجارتين بما ينعكس ايجاباً على البلدين معاً فبهذا التقارب يمكن ايجاد حل لقضية اللاجئين و قضية الإنفصاليين الأكراد بالنسبة لتركية و كذلك حل لمنطقة الشمال السوري بالنسبة لسورية. ترتيبات سوتشي و إحراز بعض التقدم في ما يخص أوكرانيا من السماح ببيع محصول الحبوب و التوسط في مشكلة الطاقة لأوروبا و كان المقابل التحرك باتجاه القيادة السورية و عرض روسية إمكانية لقاء بين الرئيسين لكن القيادة التركية تلقت الموضوع بثقل كبير و تحدثت عن إمكانية إجراء اتصال هاتفي فمن المبكر جداً الحديث عن لقاء مباشر و لكن القيادة السورية رفضت الاتصال دون التعقيب عليه رسمياً و ذلك بضغطٍ من روسية و بقي التنسيق على المستوى الأمني و الاستخباراتي فقط و هنا أطلق السيد جاويش أوغلو تصريحه الأخير مفجراً قنبلةً سياسيةً كبيرةً أحدثت صدمةً للمعارضة السورية و الفصائل المسلحة بينما اكتفى الائتلاف السوري بتصريح مقتضب محاولاً تجنب الغضب التركي و محاولاً حفظ ماء وجهه أمام المعارضة السورية في الشمال و لكن ما يبدو من التصريح و توقيته أن القرار اتخذ في تركية و سيتم التحرك باتجاه مصالحة رسمية تركية سورية و إجبار المعارضة على العمل الجاد و التحرك نحو حل سريع و جذري و إلا ستصطدم بالتخلي السياسي عنها بعد أن سئم الجميع و تخلى عنها بعد خسارتها لأراضيها و انحسارها في جزء صغير مغلق من سورية على الحدود التركية و هذا ما سنراه قريباً و كل تلك المظاهرات التي تسعى بعض الوسائل الإعلامية العربية و الإقليمية إظهارها و تضخيمها تأتي من أولئك الذين يتوجسون خوفاً من انتهاء الحرب و انقطاع المنفعة المادية التي يحصلونها اليوم في الشمال لقاء عملهم تحت الراية التركية و أيام قليلة و لن نرى أثراً و لن نسمع صوتاً لهذه المظاهرات. القيادة السورية كانت و لاتزال همها الأول حل القضية السورية و عودة اللاجئين و لابد من التسامح و فتح صفحة جديدة لصالح السوريين في الداخل و الخارج دون المساومة على المبادئ الوطنية و الوصول لحلول سياسية تحت سقف الوطن و تحت مظلة القرار ٢٢٥٤ و بما يتناسب مع إرادة الشعب السوري بكل أطيافه و مشاربه السياسية.
الأيام القادمة ستشهد لقاءات أكثر ترتيباً و سرية على المستوى السياسي و الاستخباراتي و هنا نذكر الأنباء التي تتحدث عن لقاءات خماسية في لبنان بين سفراء سورية و تركية و العراق و الأردن و الخارجية اللبنانية و نشاط الجزائر و الإمارات و محاولات العمانيين التقريب بين سورية و تركية ستفضي حتماً لنتائج تصبّ في مصلحة الجميع دون استثناء فهل سنرى جاويش اوغلو و المقداد في موسكو أم في الجزائر ؟


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013