بهدوء تام سنحاول قراءة ما يجري على الساحة العالمية ذلك لأن الانفعال كلفنا – كعرب عامة – و- كسوريين خاصة – الكثير والكثير جداً وساق بعضنا إلى الاعتقاد بأن الإدارة الأمريكية يمكن أن تكون قوة سلام أو صديق للعرب ، أو حليف لهم في مواجهة الإرهاب ، أو وسيط نزيه أو محاد في أي مباحثات سلام مع الكيان الصهيوني ، بل ومنهم من لامنا على مواقفنا (( المتعنتة)) ، وطلب منا حسنوا النية أن نحاول فهم هذه الإدارة واتهمونا بالبعد عن الواقعية والبراغماتية وبعدم فهم لما يجري في العالم المتحضر .
أما الآخرون فقد اندسوا في ركب الفكر الأمريكي وفي نسيجه وأرادوا لنا أن ندخل هذه العباءة وطبعوا القبل على وجه كوندليزا رايس التي بشرتهم بأن ما يصيب المنطقة من كوارث ودمار هو مخاض لولادة الشرق الأوسط الجديد كما رقصوا مع سيدها وأهدوه سيوفهم اللاعربية، وقدموا أنفسهم كعبيد ينفثون سمومهم ويشهرون حرابهم لنشر ما أسماه سيدهم بالفوضى الخلّاقة . ولكن كنا دائما واثقين من أن الساسة الأمريكيين الأنكلوسكسونيين والكيان الصهيوني وجهان لعملة واحدة نهلا من نفس الفكر المعادي للإنسانية .
• الصهيونية شكل من أشكال العنصرية المعادية للإنسانية :
ولسنا هنا نطلق الكلمات على عواهنها ، بل كما يقال من فمه أدينه ، فمنذ أطثر من مائة عام أي منذ أن وضع ذلك السكير اليهودي أصابعه على قيثارة ليغني لحن (( الهانكفاه )) الذي تحول مع مرور الزمن إلى
نشيد وطني للكيان الصهيوني إلى يومنا هذا يظهر الفكر الصهيوني في كل يوم بألوان ومظاهر مختلفة تؤكد على حقيقة المعادية للإنسانية .
وبذكر هنا تصريح عوف ديايوسف زعيم حركة شاس المتطرفة (( التي تمثل سبعة عشر نائبا يمثل فكرها في الكنيست الصهيوني )) . هذا التصريح الذي يتناقض مع أية قيمة يعتز بها بني البشر حيث أمد على العرب جميعهم (( جراد – بهائم – حوش – أفاعي )) لا يصح لإسرائيل أن تقترب منهم أو تتصل بهمأو تجتمع بأي منهم في مكان واحد .
ولا يخفى على أحد أن الكيان الصهيوني مداناً أصلاً إلاهياً كما جاء في سفر أشعيا ، الفصل الأول 11-14 حينما خاطب الرب اليهود قائلاً : (( لا اطيق مواسمكم واحتفالاتكم ، رؤوس شهوركم وأعيادكم كرهتها نفسي ، صارت ثقلاً عليّ وسئمت احتمالها )) . ومنذ نشوئه كان الكيان الصهيوني ولا يزال يقوم على منطق القضاء على الآخر وإلغاء كل ما هو انساني لحساب طقوس بربرية دموية حيث راحوا يقتلعون شعب فلسطين من أرضه على مرأى من العالم وهو يبارك عمليات التطهير العرقي الذي قامت به المنظمات الصهيونية الارهابية والتي صارت اليوم معروفة للقاصي والداني . فالمشروع الصهيوني قام منذ مائة عام على حقيقة واحدة هي إلغاء الآخر سلاحه الإرهاب ............. .
واستندوا في هذا على اسطورة طوّروها بذكاء شديد بحيث تحولت في أذهان العالم – الأوربي الأمريكي – بشكل خاص إلى حقيقة لا تقبل النقاش وأقصد بذلك أسطورة المحرقة . ولاحقوا كل من يحاول أن يفتح هذا الملف مثل روجيه غارودي والأب بيير في فرنسا ، فالكيان الصهيوني لا يرى إلا نفسه. وهم في بحثهم المزعوم عن هيكل سليمان لا يريدون أن يروا الآثار الرومانية واليونانية والإسلامية والمسيحية التي عثروا عليها ولا يريدون أن يروا أي لون في فلسطين سوى لونهم ، ويقومون بإزالة أي معلم من شأنه إيقاظهم من خرافاتهم التي بنوا على أساسها كيانهم الفظيع على أرض فلسطين لأنهم يدركون أن هذا الآخر هو صاحب حق فبالتالي لا بد من إزالة كل أثر يدل عليه ، وبطبيعة الحال فهذه مراهنة خاسرة لأنها ضد منطق التاريخ ، والدولة اليهودية ذات اللون الواحد التي يريدونها ما هي إلا أكبر وصمة عار بحق العالم المتحضر وشرعة حقوق الإنسان التي يتبجح بها ما يسمى العالم الحر .
هذه الدولة القائمة على إلغاء وإبادة شعب بكامله . وسلاح الكيان الصهيوني لإقامة هذه الدولة هو الارهاب .
ويمكن هنا أن نشير إلى العمليات الإرهابية المنفذة من عصابات هذا الكيان على الشعب العربي حيث أجبروا أكثر من سبعمائة ألف فلسطيني على ترك ديارهم ووطنهم ومن بين العمليات المنفذة مجزرة دير ياسين التي أدت إلى استشهاد 254 فلسطينياً أغلبهم من النساء والأطفال والرجال الطاعنين في السن ، ومن أبرز المعالم الإجرامية لهذه المجزرة المروعة بقر بطون النساء الحوامل في قرية دير ياسين من قبل اليهود . وقد استمرت العمليات الإرهابية حتى بعد تأسيس الدولة اليهودية الصهيونية .
ونشير هنا إلى أسماء بعض هذه المجازر " مجزرة شرفات " مجزرة قبيه " مجزرة كفر قاسم " مجزرة السمو " مجزرة صبرا وشاتيلا " مجزرة عيون قرا " مجزرة المسجد الأقصى " مجزرة الحرم الإبراهيمي " مجزرة جباليا " .
وقد عمل الصهاينة بعد كل مجزرة من هذه المجازر إلى نشر وبث أخبارها المأساوية لزرع الرعب في أوساط الآخرين لإجبارهم على مغادرة منازلهم ومحلاتهم التجارية وديارهم التي ولدوا فيها ، وآبائهم يعيشون منذ قرون هناك ، وتزامناً عمدت إلى تشجيع يهود الشتات على الهجرة إلى فلسطين مع أنهم لم يعيشوا من قبل لحظة واحدة فيها .
وقد فهم الرئيس الأمريكي فرانكلين عام 1787 طبيعة الصهاينة أو اليهود ، لا فرق حين قال : (( إنني أحذركم أيها السادة إذا لم تخرجوا اليهود من أمريكا إلى الأبد فإن أولادكم وأحفادكم سيلعنوكم إلى الأبد ....... إنّ اليهود لا يتحلون بالمثل العليا . إنّ اليهود سيعرضون مقوماتنا الاجتماعية للخطر ولذلك يجب أن يخرجوا من بلادنا بموجب دستور )) .
ويكفي أن ننظر إلى طاقم الإدارات الأمريكية المتعاقبة في أيامنا هذه لنرى كم كانت نبوءة الرئيس الأمريكي صحيحة .
إن كياناً قام على مبدأ إلغاء الآخر وعلى الإرهاب لا يمكنه أن يؤمن أصلاً بالسلام ولا بالتعايش مع الآخرين كما تنبأ فرانكلين ونظرة سريعة إلى تاريخ الإرهاب الذي قامت عليه اليهودية التلمودية تؤكد صحة ما ذهبنا إليه ، لقد نشأ العنف اللاأخلاقي الفظيع مع التوراة اليهودية المزيفة . كما يقول المستشرق (( فانسان مونتري )) وتشكل أسفار موسى الخمسة في التوراة المحرفة أول قانون للإرهاب الديني . وقدمت اليهودية أول تعصب ثابت مقرون بالسيف . وفي عام 1962 ظهرت في القدس طبعة بلغتين لجزء من كتاب موسى بن ميمون الذي يحمل زوراً وبهتاناً اسم (( كتاب المعرفة )) ويتضمن لأ÷م القواعد السادية للعقيدة اليهودية وكيفية ممارستها . وفيه النص القائل بإبادة الكافرين من اليهود (( علينا إبادتهم بكلتا اليدين مثل يسوع الناصري وتصادق وبيتوس وتلاميذهم )) .
وبمثل هذا المنطق الإرهابي العنصري ، يتحدث موسى بن ميمون عن السود والترك وغيرهم ، فيقول : (( جوهرهم كجوهر العجماوات والبهائم ، وبالنسبة لرأيي فإنهم ليسوا على مستوى بني البشر ، وأما مستواهم فهو أدنى من مستوى الإنسان وأعلى من مستوى القرد )) ولا أدري إن كانت الحسناء الأمريكية كونداليزا رايس وربيبتها سوزان رايس وزعيم البيت الأبيض باراك حسين أوباما قد قرروا هذه الكلمات . ومن كل ذلك يتبين لنا أن الكيان الصهيوني لا يمكن أن يكون إنسانياً وهو لقائم على الإرهاب وإلغاء الآخر .
وإذا ما وقفنا أمام ما تقدم عرفنا أن العصابات الإرهابية المنتشرة في سورية ماهي إلا صنيعة هذا الكيان وأزلامه وراعييه . والسؤال الذي يطرح ، ما الذي يجمع هذا الكيان اللاإنساني مع قادة وصناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية طليعة ما يسمى العالم الحر الديمقراطي .... ألخ ؟
• الإرهاب (( عقيدة أمريكية )) :
يدرك العرب عامة ، والسيوريون خاصة جيداً أن كل قنبلة تسقط عليهم إنما هي مصدّرة من أميركا ، وكل رصاصة ، وكل دبابة ، وكل طائرة حربية تقتل أبناءهم إنما صنعت بدولارات أمريكا ، أو دفعت أمريكا نفقاتها ، وكل عربة مفخخة وكل انتحاري قادها أو فجّر نفسه بمجموع الأبرياء من أبناء سورية والعراق .... ألخ ، إنما قام بفعله برعاية ومباركة ودعم الولايات المتحدة الأمريكية ، فمليارات الدولارات الأمريكية هي التي مكنت الحكومة الإسرائيلية من إرعاب واغتيال العرب على مدى أكثر من نصف قرن من الزمن . إنّ كل عربي واع ويقظ يدرك جيداً أنّ الإرهاب الإسرائيلي لم يكن ليستمر لولا الدعم المالي والعسكري والسياسي الأمريكي ، وإنّ الصهاينة باستطاعتهم أن يحصلوا على كل ما يحتاجونه من الكونغرس الأمريكي وإن كل واع في العالم يدرك أن باستطاعتهم أن يحصلوا على كل ما يحتاجونه من الكونغرس الأميركي ، وإن كل واع في العالم يدرك أن التنظيمات الإرهابية المنتشرة في المنطقة من أفغانستان إلى العراق فسورية ونيجيريا ومالي .... الخ . تحت مسميات مختلفة لمعنى واحد ابتداءً من تنظيم القاعدة وأخواتها الإرهابية مما يسمى داعش وجبهة النصرة وجيش الفتح وجيش الاسلام وجند الشام والجيش الحر وبوكو حرام وجيش القدس وجماعة بيت المقدس والاخوان المسلمين ...... اخ . وألوية وكتائب وهابية متطرفة تلحق بها كلواء التوحيد واهل الحق وعاصفة الشمال وكتائب الفاروق .... الخ . هي صناعة الولايات المتحدة الأمريكية فكراً وتمويلاً وتسليحاً وتدريباً وهي أداتها لتدمير هذه الدول وشعوبها وصولاً لأهدافها .
• إنّ أمريكا ليست إلا المعنى العام الانكلوسكسوني لإسرائيل :
إن أمريكا ليست الا الفهم التطبيقي لفكرة اسرائيل التاريخية ، وان كل تفصيل من تفاصيل التاريخ للاستعمار الانكليزي لشمال أمريكا حاول ان يجد جذوره في أدبيات تلك الاسرائيل ويتضمن وقائعها وأبطالها وأساطيرها وأبعادها الدينية والاجتماعية والسياسية ، ويتبنى عقائدها في الاختيار الإلهي وعبادة الذات وحق تملك أرض وحياة الغير . لقد ظنوا أنفسهم بل سموا أنفسهم ( الاسرائيليين ) و( عبرانيين ) و( يهودا ) ، وأطلقوا على العالم الجديد اسم (( أرض كنعان )) و(( واسرائيل الجديدة )) . واستعاروا كل المبررات اللاأخلاقية لإبادة الهنود (( الكنعانيين )) واجتياح بلادهم من مخيلات العبرانيين التاريخية .
إنّ فكرة أمريكا هي فكرة (( استبدال شعب بشعب ، وثقافة بثقافة )) عبر الاجتياح المسلح وهذه هي محور فكرة اسرائيل التاريخية .
وإن الاعتقاد بان هناك قدراً خاصاً بأمريكا ، وإن الامريكيين هم الإسرائيليون الجدد ، والشعب المختار الجديد له جذور عميقة في الذاكرة الأمريكية وهو يتجلى لعينيك في معظم المناسبات الوطنية والدينينة وفي كل خطابات التدشين التي يلقيها الرؤساء الأمريكية مفادة أن (( إرادة الله – القدر – حتمية التاريخ .... الخ )) . اختار الأمة الأمريكية (( الأنكلوسكسونية المتفوقة )) وأعطاها دور المخلص (( الذي يعطي حق تقرير الحياة والموت والسعادة والشقاء لسكان المجاهل )) . أليس هذا مضمون الخطاب الأمريكي تجاه سورية والدول العربية والذي برز أكثر وضوحا بأحداث ما سموه زوراً، الربيع العربي . وكانت فكرة الاختيار الإلهي هذه محركاً لولبياً في التاريخ الأمريكي والأساس الميتافيزيقي لمعظم الممارسات العنصرية العنصرية في التاريخ القديم والحديث . وإبادة شعوب بكاملها وتسببت بمقتل ملايين الأطفال والنساء والشيوخ ، ونشرت الجثث التي ما زالت منتشرة في سورية والعراق وأفغانستان وليبيا ونيجيريا واليمن ، وأكثر من أربعين دولة اجتاحتها أو دمرتها الولايات المتحدة ، كما استخدمت فيها جميع اسلحة القتل والتدمير المحرمة دوليا من كيميائية وجرثومية وعنقودية ونووية . وعززت القناعة بان لأميركا قدراً أعلى من كل أمم الأرض وأنه مهما حل باسرائيل فوق ارض فلسطين فان اسرائيل الامريكية تبقى القلعة المحصنة لإعادة بنائها ولقيمها ومبادئها واخلاقها .
إن يهود الروح الذين يمثلهم الأنكلو سكسون هم الذين يحملون رسالة اسرائيل التي تخلى عنها يهود اللحم والدم ، وهم الذين أعطاهم الله العهد والوعد ، وهم الذين ورثوا كل ما أعطاه الله تاريخياً ليهود اللحم والدم ومعظمهم من أعداء السامية . لقد اختار الله يهود اللحم والدم مؤقتا وبشروط أخلفوها ولكنه اختار الأمة الأمريكية (( الانكلوسكسون مؤيداً لأنها تستأهل الاختيار ولأنه وهبها كل ما يلزمها من قوة وثروة لأن تكون شعب الله وفوق كل الشعوب الى الأبد )) .
وقد شبه الإنكليز خروجهم من جزيرتهم بما يضاهي الخروج الأسطوري للعبرانيين من أرض مصر ، وبرروا بذلك استعمارهم للعالم الجديد للعالم الجديد أمريكا ، ولم يساورهم شك في أخلاقية إبادة الهنود مقارنة باجتياح العبرانيين لأرض كنعان وتأييد السماء لإبادة أهلها .
وقد أعطوا مدنهم أسماء مدن إسرائيلية( نيو انغلاند ) مدينة على جبل وهذا التعبير رمز لأورشليم ولصهيون أيضاً ، ومايزال يستخدم الى الآن للدلالة على المعنى الإسرائيلي لأمريكا ، ويعبر عن التماهي بين تجربة الأمريكيين في العالم الجديد وما يرويه العهد القديم عن تجربة العبرانيين في العالم القديم . كما قال صموئيل فيشر في (( شهادة الحقيقة )) بقوله : ( لتكن اسرائيل المرآة التي نرى وجوهنا فيها ) وقد عبر ونثروب عن الرسالة التي يحملونها الى مجاهل أرض كنعان الجديدة بقوله في خطبته التي ألقاها في الحجاج على متن السفينة الأسطورية أربيلا : (( إننا سنجد رب أسرائيل بيننا عندما يتمكن العشرة منا من منازلة ألف من أعدائنا وعندها سيعطينا مجده وابهته وعندما يتوجب علينا ان نجعل من نيوانغلان مدينة على جبل .......... )) وقد استخدم كل من الرؤساء الأمريكيين الخمس الأخيرين (( ريغان – بوش الأب –كلينتون – بوش الابن – اوباما )) وهذه المصطلحات في خطبهم وكلامهم مؤكدين بذلك المعنى الاسرائيلي لأمريكا .
في منتصف القرن الثامن عشر وضع جوناثان ادوارست أحد أعظم فلاسفة الاستعمار الانكلوسكوني الأسس الفكرية لما يسمى اليقظة الكبرى ، وأن الله لن يتخلى عن شعبه وحاول ان يفسر فيه لماذا سنقيم (( مملكة الله )) في أمريكا ، ولماذا سينتشر نورها قريباً في أنحاء العالم ، مجددا فكرة المعنى الإسرائيلي لأمريكا وعلى أن أمريكا هي أرض الميعاد .
ولا يترك الأمريكيون مناسبة إلا ويؤكدون المعنى الإسرائيلي لأمريكا . وقد أكدوا ذلك بمناسبة ولادة الجمهورية وانتصار الثورة وإنها أية على مباركة الله للطموحات الانكلوسكسونية ، لقد تحولت اسرائيل الله الى جمهورية .
وكلمة وطني أو قومي في الولايات المتحدة الامريكية تعني إجماع الجماعات العرقية والطبقات الاجتماعية المختلفة على ما يريده الزنابير (( البيض الانكلوسكسونية البروتستانت )) . وليس هناك اجماع وطني أو قومي على قضية لا تخدم الزنابير أو تفيد عصابات وول ستريت . كما نبه نيكولاس ستريت بكتابه (( الولايات المتحدة التي تضطلع بدور أسرائيل في المجاهل )) إلى أن ظلم فرعون لندن يجب أن لا يحجب العيون عن مشروع إسرائيل الله الأمريكية ، فما لم يتواضع شعب الله لربه ويتب إليه ويحافظعلى عهده فإنه لن يتحرر من القيد البريطاني ، ويعبر البحر الاحمر الى الأرض الموعودة ويحقق
كما كان قيام الدستور الأمريكي مناسبة للتاكيد على وجه الشبه ، وقد شبه الأمريكيون الانكلوسكسون دستور بلادهم بين ما تزال على موسى من ألواح (( شريعة موسى )) وبين ما تزال على قلب واضعي الدستور (( هذا نرجس الأعمى مرة ثانية ينظر في مياه النهر فتلتبس عليه اسرائيل التاريخية باسرائيل الأمريكية وما جرى في كنعان الفلسطينية مع ما يجري في كنعان الامريكية ، وهاهو يدير اسطوانة الخروج والعبودية لفرعون مصر وفرعون لندن ويتذكر بأن الأمتين المختارين لم يكن لديهما جيش لحظة خروجهما لكنهما بعد اجتياز البحر الأحمر والمحيط الأطلسي أعانهما رب الجنود على دخول كنعان وتملكها وتدمير أهليها )) ، (( هذا شعب لا ينام حتى يأكل فريسة ويشرب دم قتلى )) سفر العدد 24023 كما شبه الأمريكيون تأسيس مجلس الشيوخ بالسبعين رجل الذين اختارهم موسى من الحكماء والرقباء ليحكموا معه .
ولا يجد صموئيل لانغدون رئيس جامعة هارفرد حرج من القول بأن حكومة موسى كانت جمهورية وقائمة على المبادىء الجمهورية وأن قبائل إسرائيل كانت تحكمها حكومات محلية لا مركزية لا تختلف عن الحكومات المحلية للولايات المتحدة الأمريكية .
كما أكد الآباء المؤسسون للدولة الأمريكية الرؤساء مثل (( جفرسون – أدامس – فرانكلين – بابن )) المعنى الإسرائيلي لأمريكا حيث أصر فرانكلين وجفرسون على صورة ( الخروج الإسرائيلي ) من مصر إلى كنعان كمثل أعلى للنضال الأمريكي من أجل الحرية . كما وضعا تصميما لخاتم الولايات المتحدة بناء على طلب الكونغرس عام 1776في عيد الاستقلال يمثل رسما لموسى رافعا يده والبحر الأحمر منفلق وفرعون في عربته تبتلعه المياه . كما اقترح جفرسون رسماً لبني إسرائيل في التية يرشدهم السحاب في النهار وعمود النار في الليل كما ختم الرئيس جفرسون خطابه التدشيني لفترة الرئاسة الثانية بتعبير يشبه رسمه المقترح (( إنني بحاجة إلى فضل ذلك الذي هدى آباءنا في البحر الأحمر ، كما هدى بني إسرائيل وأخذ بيدهم من أرضهم الأم ليزرعهم في بلد يفيض بكل لوازم الحياة ورفاه العيش )) .
وفي القرن التاسع عشر تمحور المعنى الإسرائيلي لأمريكا ببسط السيطرة على جيران كنعان (( ما وراء النهر )) الميسيسبي : (( المؤابيين – والحثيين – والأموريين – والغرزيين – والحوئيين – واليبوسيين – والصيدونيين – والميدانيين – وبني اسماعيل )) . الذين أسرعت إليهم العناية الإلهية فانبتت في رؤوسهم جميعاً بالهنود وأعطت أرضهم وأرواحهم لشعب الله ، فاستباح الأمريكيون هذه الأراضي كما استباحوا أرواح سكانها . وكان لا بد من التوسع غرب المسيسيبي بعد أن ضم جيفرسون لويزيانا عام 1803 ليصححوا مسار رحلة كولومبس إلى الهند الحقيقية لقطف ثمار بستان العالم وقد سهل لهم الرب ذلك ؟ .
وفي أربعينيات القرن الثامن عشر ، كان لا بد من تصحيح المعنى الإسرائيلي لأمريكا ليعبر عن ثقتهم المطلقة بالنفس والطموحات التي أقرها لهم القدر الإلهي بنظرية الجغرافيا الحيوية التي تقول : (( إنّ المكان الجغرافي للدولة المتفوقة كائن حي ينمو باستمرار ولا يموت طبعاً )) . بدلاً من نظرية القضاء والقدر الجغرافي أو الزعم بأن يد القضاء هي التي ترسم الحدود الجغرافية للأمم . (( لا تعترف الولايات المتحدة وإسرائيل إلى الآن بحدود جغرافية لهما وليس في دستورهما إشارة الى ذلك )) . وبذلك أصبح قدر أمريكا الأنكلوسكسونية أن تمتلك ما تشاء من أرض لأن ذلك حقها الطبيعي . وقد عبر عن هذه المعاني الأمريكيون في أدبياتهم وقصائدهم وملاحمهم وكتبهم كما في سياساتهم ، وقد كان اجتياح الفيلبين وهاواي وغزو 1898 أول نتائج هذا التصحيح .
ومع دخول أمريكا في كل حرب وتوسع وإبادة لشعب كان الرؤساء الأمريكيين يبررون ذلك بظهور مجاهل جديدة ووحوش جدد وأنهم يدافعون عن الحضارة ضد الهمجية ، وللدفاع عن طريقة الحياة الأمريكية ، ومن أجل إنقاذ العالم كما فعل ولسون وروزفلت في الحربين العالميتين وريغان وبوش في العراق وأفغانستان ... الخ .
وبعد أن توسعت أمريكا إلى غرب المسيسبي ، ولم يبق أمامهم غرب فصار لزاماً عليهم أن يتخرعوا غرباً ولو في الشرق فكانت استباحة أفغانستان ، والعراق ، وليبيا ، وسورية ، واليمن وغيرها . وهنا نذكر مقطعاً مما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية المنحدرة من أصل يهودي السيدة مادلين أولبريت وذلك لمراسلة ال(( BS )) ، السيدة لسلي أشتال في الحادي عشر من أيار 1962 ، والتي وجهت السؤال التالي للسيدة أولبرايت : سمعنا أن نصف مليون طفل عراقي توفوا حتى الآن وهذا العدد يفوق بكثير عدد الأطفال الذين ماتوا في هيروشيما وأنت تعلمين ذلك فهل يستحقون ذلك ؟ .
فأجابت السيدة أولبرايت : أنا أعتقد أن الخيار صعب للغاية ، ولكن هل يستحقون ذلك أم لا نعم أنا أعتقد أنهم يستحقون ذلك . (( وما زال بعض الأمريكيين يتساءلون لماذا نحن مكروهين إلى هذا الحد )) .
هذا الأمريكي المقدس الذي لا يعتقد الذي لا يتعمد إلا بالدم (( هذا شعب لا ينام حتى يأكل فريسة ويشرب دم قتلى )) نعم لقد أصبحت هذه الأخلاق الإبادية بسامتها الإنكليزية عقيدة وإيديولوجيا بل صارت النواة الصلبة للقومية الأمريكية التي لا تزال تخصب الأدب والفن ، والسينما ، وصناعة الجريمة والموت ، وتعطي أوضح صورة للمفهوم الأمريكي عن نفسه وعن العالم .
هذه الأخلاق التي ضربت جذورها في عقيدة الاختيار وكراهية الكنعانيين ورافقت بناء أمريكا لحظة بلحظة ، وجبهة بعد جبهة .
إنّ عالمنا كله يعيش اليوم تحت رحمة مافيا كولومبس الذي أوصى باستثمار ذهب أمريكا في تحرير أورشليم ، وإنّ الهنود الحمر الذين أبيدوا بالنيابة عنا نحن الكنعانيون في الحقيقة لا يزالون يعشيون فينا .
وإن!ّ الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم الإرهاب لا يمكن أن تقوم بمكافحته مادام يحقق أهدافها ويتمثل عقيدتها وفكرها ، ولا يمكن للص ان يكون الشرطي الذي يحمي المدينة من اللصوص ! .
ومازال ثمة من يسأل لماذا لا نثق بالأمريكيين ؟ ولماذا لا نفهم الإدارة الأمريكية ؟ ولماذا نحن براغماتيون وغير واقعيين ، ولا نفهم ماذا يجري في هذا العالم المتحضر ؟ ولماذا نقول أن الصهيونية والولايات المتحدة الأمريكية وجهان لعملة واحدة ؟ ..