نحو اساس عملي لتسوية متكاملة : كامل الطاقة للبنان وسوريا مقابل توريدها لأوروبا ؟ التقارير والمقالات | نحو اساس عملي لتسوية متكاملة : كامل الطاقة للبنان وسوريا مقابل توريدها لأوروبا ؟
تاريخ النشر: 04-08-2022

بقلم: الدكتور عصام نعمان

ما كان الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين ليعود الى بيروت لولا ان الولايات المتحدة و"اسرائيل" أخذا على محمل الجدّ تهديد قائد المقاومة السيد حسن نصرالله بإستخدام القوة اذا ما أقدم العدو الصهيوني على إستخراج الغاز من حقل كاريش قبل التوصل الى تسوية مقبولة حول المنطقة المتنازع عليها . حتى لو أمكن التوصل الى إتفاق حول المنطقة المتنازع عليها في المياه الإقليمية الجنوبية بين لبنان وفلسطين المحتلة فإن المقاومة لن تتخلّى عن تنفيذ تهديدها ما لم ترفع اميركا حظرها عن شركات الحفر والتنقيب المطلوبة للعمل على طول ساحل لبنان من الشمال الى الجنوب حيث تتوافر كميات هائلة من النفط والغاز .
يترَدّد ان لا عروض في جعبة هوكشتاين بل مجرد افكار يريد مناقشتها مع المسؤولين في لبنان لأن اولويته في هذه الآونة هي تخفيف حدّة التوتر لتفادي الإشتباك بين الاطراف ذات الصلة وذلك في سياق العمل الجاد لإبتداع صيغة تسوية مقبولة .
تتعدد الإقتراحات المدلى بها بشأن التسوية المرجوة في وسائل الإعلام ، ولاسيما الإسرائيلية ، وكلها تبدو مرفوضة من جانب المقاومة فيما لم يصدر عن الجانب الرسمي اللبناني اية مقترحات في هذا المجال . فهل يمكن إستشراف اسس عملية لتسوية متكاملة بين أطراف الصراع ؟
لعل الخطوة الاولى في هذه العملية البالغة الصعوبة هي في عرض مواقف ومطالب كلٍّ من لبنان و"إسرائيل".
يتمسك لبنان بكامل حقوقه في ثروته النفطية والغازية الكامنة في القواطع Blocks العشرة الكائنة على طول ساحله من حدوده الشمالية مع سوريا الى حدوده الجنوبية مع فلسطين المحتلة ، ويعتبر مبدئياً الخط 29 حدّه البحري الجنوبي مع المياه الاقليمية الفلسطينية التي أقام فيها العدو الصهيوني منشآت ومنصات لإستخراج النفط والغاز. ويطالب لبنان ايضاً برفع الحظر عن شركات الحفر والتنقيب الذي فرضته الولايات المتحدة للضغط عليه بغية إنتزاع موافقته على صيغةٍ لترسيم الحدود البحرية الجنوبية مناسبة للعدو الصهيوني .
في المقابل ، تدّعي "إسرائيل" ان "مياهها الإقليمية" (المحتلة) تمتدّ الى شمال الخط 23 اللبناني ما يجعل كامل حقل كاريش المتنازع عليه وقسماً من حقل قانا ضمن ما تدعيه من "حقوق" في المنطقة الإقتصادية الخالصة اللبنانية . وفوق ذلك ، يضغط المسؤولون الصهاينة على الولايات المتحدة لتدويم الحظر على شركات الحفر والتنقيب بغية منعها من العمل لمصلحة لبنان بدعوى ان إستحصاله على عائدات من النفط والغاز يصبّ في مصلحة حزب الله وبالتالي يعزّز عملياته القتالية ضد "إسرائيل" .
الى ذلك ، إزداد الامر تعقيداً مع إندلاع الحرب الروسية-الإوكرانية إذ اصبح لاميركا مصلحة في تعجيل إستخراج "إسرائيل" للغاز من منشآتها البحرية من جهة ومن جهة اخرى عدم تمكين لبنان من إستخراج غازه قبل ضمان توفيره لحلفاء اميركا في اوروبا الذين يعانون من قطع الغاز الروسي عنهم .
هكذا تشابكت مصالح الاطراف المتصارعة ، خصوصاً بعد إنعقاد قمة طهران بين رؤساء روسيا وتركيا وايران والإنعكاسات الإيجابية المحتملة لها على اطراف محور المقاومة والممانعة وفي مقدمهم سوريا وحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية .
بعد هذه التطورات ، بات يترتّب على مهندسي اية تسوية بين الاطراف المتصارعة في غرب آسيا ، من شواطئ الحوض الشرقي للبحر الابيض المتوسط الى شواطئ بحر قزوين، ان يأخذوا في الحسبان مصالح جميع الاطراف المتصارعة في ساحاتها عند مبادرتهم الى إجتراح تسوية متكاملة للإفادة من ثروات الغاز والنفط في الحوض الشرقي للمتوسط .
في ضوء هذه الواقعات والتطورات ، ارى في منظور واقعي إعتماد الاسس الآتية لتسوية متكاملة :
أولاً : إعتماد الخط 29 ، وفق احكام قانون البحار ، حداً فاصلاً بين مياه لبنان الاقليمية ومياه فلسطين المحتلة بحيث تكون كل مكامن النفط والغاز شمالي هذا الخط ملكاً خالصاً للبنان ، وتلك الواقعة جنوبه من ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة الفلسطينية .
ثانياً ، تعلن الولايات المتحدة في مجلس الامن الدولي ، ويأخذ المجلس علماً بقرار صريح منه ، رفعَها الحظر عن جميع شركات الحفر والتنقيب الراغبة في العمل في الحوض الشرقي للبحر الابيض المتوسط من الاسكندرون شمالاً الى الاسكندرية جنوباً ، بما في ذلك كامل المنطقة الاقتصادية الخالصة لقطاع غزة .
ثالثاً ، يتعهد لبنان وسوريا بإعلانٍ في مجلس الامن الدولي ويأخذ المجلس علماً بموجب قرار صريح منه ، توريد إنتاجهما من الغاز والنفط الى جميع أنحاء العالم ، وخاصةً الى دول اوروبا، وذلك بموجب اتفاقات تراعي اسعارهما الرائجة في الاسواق العالمية . كما يتعهدان بانشاء صندوق سيادي في كلٍّ منهما لتمويل مشاريع الإعمار والإنماء في اراضيهما ، كما تُخصصان الاموال اللازمة لتأمين اعادة النازحين السوريين الى ديارهم وبيوتهم .
تبدو هذه الاسس المقترحة اشبه بتمنيات في حمأة الصراع والتوتر اللذين يسودان منطقة غرب آسيا . لكن نظرةً متأنية وموضوعية اليهما كفيلة بأخذهم في الحسبان والعمل جدّياً وبنَفَس طويل من اجل اعتمادهم في صيغة تسوية متكاملة للصراع على موارد الطاقة في الحوض الشرقي للبحر الابيض المتوسط .


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013