ازدهر الفن الكَلداني Chaldean في القسم الجنوبي الأقصى من حوض نهري دجلة والفرات. وقد اتسع مفهوم لفظ كلداني ليشمل بلاد بابل كلها، ويفيد لفظ بابل معنى (باب الرب إيل). وتقع بابل في جنوب بغداد على مسافة 110كم، على نهر الفرات قرب مدينة الحلة.
اشتق اسم كلدان من اسم القبائل الآرامية التي استقرت في هذه المنطقة في القرن الحادي عشر قبل الميلاد. وتعرف مملكة بابل الثانية أحياناً باسم (الامبراطورية الكلدانية) وذلك بعد فتوحاتها للبلاد الغربية وخاصة بلاد الشام، فأصبحت هذه الامبراطورية تضم بلاد آشور وبلاد الشام.
في عهود الكلدانيين، ظهرت أهمية بابل من جديد على المسرح السياسي والحضاري بين 625ق.م ـ 539 ق.م، وغدت القوة الكبرى الأولى في منطقة الشرق الأدنى القديم، وكان عهد الملك نبوخذ نصر الثاني (604 ق.م ـ 562 ق.م) يجسد قمة قوة بابل وازدهارها العمراني والمعماري.
اهتم الكلدانيون بإعطاء امبراطوريتهم مظهر الضخامة عادِّين أنفسهم ورثة الأكاديين. فحافظوا على التقاليد المعمارية والفنية واهتموا بترميم مباني المعابد والأبراج. كما اهتموا بجمع الوثائق التاريخية والآثار القديمة التي تعود إلى عهود أجدادهم القدماء. والمدينة البابلية التي أظهرتها التنقيبات الأثرية هي مدينة بابل الجديدة التي بني معظمها في عهد نبوخذ نصر الثاني يحيط بها سوران ضخمان.
اهتم الكلدانيون بتنظيم مدينتهم وجمالها، فقد جعلوا لمدينتهم ثمانية أبواب أهمها باب عشتار الذي يطل على شارع المواكب الكبرى، ويحيط بجانبي هذا الباب برجان معماريان ضخمان ومتقدمان إلى الأمام يقيم فيهما الحراس.
وكان يزين جدرانَ باب عشتار كسوةٌ من الآجر المغطى بالميناء الجميلة الألوان والمتألقة بأشعة الشمس، وتمثل هذه المساحات الجدارية من الآجر صوراً بارزة لحيوانات مثل الأسود والثيران والتنين.
واشتهرت بابل ببرجها المشهور وحدائقها المعلقة. يبلغ طول ضلع قاعدة هذا البرج 90م، ويبلغ ارتفاعه 90م، وقد جهز بدرج ثلاثي، وشيد في قمته معبد صغير يقيم فيه السدنة.
وهناك معبد الرب مردوك قرب برج بابل، وهو يعد المبنى الأكثر أهمية في المدينة. وهو معبد تقليدي له باحة جميلة يزينه تمثال الرب الجالس الذي وصفه فيما بعد المؤرخ هيرودوت[ر] (480ق.م ـ 425ق.م) وتحدث عنه وعن وزنه مع قاعدته وكل ما يتعلق به مما يعطي فكرة عن هذا المعبد وغناه وأهميته الكبيرة.
وهناك مباني القصور البابلية الكلدانية العديدة المختلفة. يقع أحدها بين شارع المواكب الكبرى ونهر الفرات. وكان هذا القصر بروائعه المختلفة بمنزلة متحف حفظ فيه الملوك الكلدانيون القطع الثمينة والنفيسة الأكثر أهمية التي قدمت إليهم، أو استولوا عليها في أثناء حملاتهم الحربية المختلفة. وكان هناك قصر الصيف والقصر الكبير للملك نبوخذ نصر تحميه جدران دفاعية منيعة. فيه قاعة العرش الكبيرة بأبعادها 50م×15م.
وقد أظهرت التنقيبات الأثرية قرب باب عشتار البنية التحتية التي تتيح تخيل الحدائق المعلقة المشهورة إحدى عجائب العالم القديم السبع. وينسب بناء هذه الحدائق إلى نبوخذ نصر رغبة منه في إرضاء زوجته آميتيس. والجدير بالذكر أن هذه الحدائق المعلقة البابلية تركت صداها الكبير فظهرت صورتها في بعض الأيقونات الأوربية.
إذا لم يترك الفن الكلداني كثيراً من التماثيل والمنحوتات فإنه اهتم بالمنحوتات الزخرفية والتزيينية الجميلة، وذلك بوساطة الآجر المغطى بالميناء المتألقة بأشعة الشمس. ومن أجمل نماذج هذا الآجر المغطى بالميناء ما يُشاهد في بوابة عشتار وتمثل الأسود تسير فاغرة الأفواه توحي بأنها تزأر في أجواء مثيرة. وتعد هذه الطريقة الزخرفية من إبداع البابليين الكلدانيين الأكثر ابتكاراً وإبداعاً.
وإذا كان قدماء البابليين والآشوريين قد اشتهروا بجمال أختامهم الأسطوانية التي تمثل الموضوعات الميثولوجية المختلفة وموكب الأرباب بقوتهم وأشجار النخيل وغير ذلك فإن الكلدانيين استخدموا الأختام المبسطة والمسطحة في التوثيق، وهي تمثل رموز أرباب بابل وخاصة مردوك وابنه نابو كاتب الأرباب. وقد ازداد الاهتمام بالرموز مثل آلة المر الزراعية رمز الرب مردوك. وقد تابع فنانو نقش الأختام تقاليد فن العصر السابق. وكان أحد الموضوعات المفضلة في الأختام موضوع «بطل يسيطر على حيوان مفترس أو وحش» الذي يظهر في الخاتمين المحفوظين في متحف اللوڤر ورقمهما AO 22353 وAO 4600. وكان الحجر الخلقيدوني الأشقر أو الأزرق من المواد المفضلة عصرئذٍ في استخدامه ختماً والنقش عليه.