يعرف الأمن السيبراني (Cyber Security)، ويعني بالإنكليزية تطبيق التقنيات والعوامل والضوابط بهدف حماية الأنظمة وشبكات الحواسيب والبرامج والبيانات من التعرض للهجمات الإلكترونية (Cyber attacks) ويطلق عليه أمن تكنولوجيا المعلومات، أو أمن المعلومات الإلكتروني.
موجات متتالية من التقدم التكنولوجي تكتسح العالم، نجد أنفسنا ضمنها عرضة لمخاطر جمة، تستهدف أمننا الذاتي والوطني بكل أبعاده وأشكاله، وتناولي لهذا العنوان يهدف لتطوير إستراتيجية وطنية تنبت الوعي حول أهمية العنوان الذي يظهر، بل يتسلل بهدوء ضمن ضبابية التطور العلمي الهائل واستخداماته ضمن الحروب الاقتصادية والعسكرية بشكل خاص والبيانات الاجتماعية بالعموم، وتحول الدول للاستثمار في الذكاء الاصطناعي الذي عزز عملية التحول الرقمي والتحول إلى السحابة الحاسوبية في المؤسسات والشركات العامة والخاصة بمختلف أحجامها، كل هذا أمام حجم التسارع في الاتصالات.
أصبح تحقيق الأمن السيبراني هدفاً رئيساَ لنجاح أي عمل في أي دولة، وغدا من غير الممكن مع اتساع رقمنة البيانات والعمليات الإنتاجية والتخزينية والتطوير عدم الإسراع في تحصين كل ما يراد الوصول إليه من دون الأمن السيبراني، وترك أي ثغرة ضمن أي منظومة لا يعني فقط اختراقها، بل يؤدي إلى القضاء عليها أو تدميرها من خلال الهجمات السيبرانية من داخل الدولة وخارجها، والكل يذكر الهجوم السيبراني على المفاعلات النووية في إيران من إسرائيل وأمريكا واختراق إيران أيضاً لمنظومات الحماية الإسرائيلية والهجوم السيبراني على الانتخابات الأمريكية والهجومات على المراكز الاقتصادية في الصين وروسيا، وهذا ما يؤكد امتلاك هذا النوع الذي أصبح سلاحاً في يد الأفراد والدول، يستخدم في الدفاع والهجوم والتحصين.
فالأمن السيبراني ضمن السائد والمتعارف عليه عبارة عن مجموعة الوسائل التقنية والتنظيمية والإدارية التي يتم استخدامها لمنع الاستخدام غير المصرّح به وسوء الاستغلال واستعادة المعلومات الإلكترونية ونظم الاتصالات والمعلومات التي تحتويها، وذلك بهدف ضمان توافر واستمرارية عمل المعلومات وتعزيز حماية وسرية وخصوصية البيانات الشخصية والعامة، وبدقة أكبر يعتبر أمناً للمعلومات والحواسيب والأسرار الحساسة، والفرق بينه وبين أمن المعلومات في أنه يمنع اختراق أمن المعلومات، وفي الوقت ذاته متفوق عليه.
يجب أن يشهد الأمن السيبراني في منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً الدول العربية تطويراً نوعياً وسريعاً، وخاصة أن البعض من الدول تعادي بعضها، وحتى إن لم يكن هناك عداوة، ومنها من وصلت إلى امتلاك الكثير من نواصيه، حيث تخترق بها تكنولوجيا معلومات الآخر وإنجازاته واستعداداته، ما يشكل مخاطر جمة على مجمل الأعمال.
هجمات الأجيال التالية من برمجيات الاختراق والفدية وتدمير المعلومات تتسارع، والمهاجمون مع كل يوم يأخذون مسارات أكثر تعقيداً وخطورة للحصول على التحكم بهذه المجالات، وهذا لا يقتصر على الدول المعادية لبعضها، بل على بعض من أفراد الدول التي تحولت إلى مافيات أو عصابات إلكترونية، وهنا أتحدث عن ضرورة امتلاك هذه الأنظمة من الأمن للدول، وهو حق مشروع للحفاظ على أسرارها، لماذا؟ لأن الإنسان يتجه للانقضاض على الإنسان اجتماعياً، فكيف به علمياً؟ هذا وكما ذكرت نوع من أنواع القرصنات والحروب، واستشراف المستقبل يشير بشكل واضح إلى أن البحث الدائم يجري من أجل اكتشاف نقاط ضعف الإنسان العلمي والفكري، ومن خلالها يتم اختراقه، وأي خلل يكتشفه سرعان ما ينقض عليه، ودور العلم والمعرفة أصبح في اللهاث وراء سد الثغرات والفجوات العلمية والمعرفية والأمنية الخاصة بالأفراد والمجتمعات والدول.
لذلك بات الأمن السيبراني جزءاً أساسياً ضمن أي سياسة وطنية، وذهب صناع القرار، ليس في الدول العظمى والكبرى فقط وإنما في جميع الدول، إلى تصنيف وسائل الدفاع السيبراني عبر تعزيز الأمن به كأولوية في سياساتهم الدفاعية والاقتصادية والإبداعية، وأكثر من ذلك، خصصوا لذلك الدعم المادي السري والعلني، واعتبروه من أهم أولوياتهم، وبه يحاربون الجرائم الإلكترونية والاحتيال الإلكتروني والعديد من أوجه مخاطر السيبرانية.
وهنا أجدني أدعو لطرح مبادرة وطنية تهدف لفتح نقاش بين المختصين حول قضايا حوكمة الإنترنت وأصحاب المصلحة من الأكاديميين والقطاعين الخاص والعام، لبحث قضايا الأمن السيبراني وشرح التحديات القائمة والقادمة في هذا الاتجاه للاستفادة من خبرات الجميع وتكوين رؤية وطنية تفيد قطاعات العمل والدولة، لأن التنسيق في هذا المنحى يحمل الأهمية الضرورية لمواجهة كل أشكال التهديدات السيبرانية، نظراً لطبيعتها المتطورة والعابرة للأطراف والدول، وإيجاد القوانين المناسبة لمكافحة جرائمه.