تستحضر ذاكرتي من الماضي البعيد صورتين غير متجانستين و غير متكاملتين الا في الانتقام و الرغبة في التمتّع بهرق الدماء .
تتمثّل الصورة الأولى في شبّان الاحياء السذّج و الفالتين على هواهم و فارغي الرؤوس حين كانوا يجتمعون و يتحلّقون في ساحة القرية حول الحلبة امّا للمتابعة و امّا للمشاركة في مصارعة ديوك الحيّ ...
فهذا الرجل ديك أكثر من ديكه و لكنّه دجاجة تسكع تحت وطأة صوت زوجته ...و ذاك بطل الصراخ تفيض رغوة النشوة من فمه ... و تختفي علائم الانس لدى تواجده مع عائلته .
فلا همّ عند هذا و لا مشكلة عند ذاك الا التمتّع بسيلان الدماء التي تطرطش أرضية الحلبة ...و رؤية الريش يتطاير كآمال المهزومين من أرض المعركـــة ...
أمّا الصورة الثانية فتعود الى سليل الحمير المطأطئة الرؤوس، و طلائع الجحاش المؤلفّة لقافلة من الحيوانات الهجينة البائسة التعيسة التي تعطّلت غريزتها الا عن قضم الاعشاب و سحق الشعير تحت فكّيها كسحق الحبوب تحت الرحى ...
و هكذا دارَت على ســــــــــــوريا رحى الهرس و الطحن و التفتيت و الموت :
بشر دون بشريّة ...و اناس دون انسانيّة ...و مجتمعات مخمليّة تعتاش على دموع و عرق و دم الكادحين و المناضلين و العاملين و فعلة الخير ...
وعشرات الوف الديوك هذه مثل عشرات الوف الحمير تلك، أتت الى سوريا بدافع العنجهيّة و الغطرسة و الغرور و التعصّب و الانتقام، أو بتخطيط تآمري اشترك فيه الصمت مع الزعيق،أو بدافع عقيديّ حقديّ ظلاميّ مطبق على نفسه مثل علب التونه و السردين المنتهي الصلاحيّة ... المتعفّنة من نفسها قبل أن يتمّ الاحتكاك بها و فتحها حتى ترى الحشرات تعشّش فيها و فتقشعرّ الابدان لتململ الديدان قبل أن تفقد ، صديقي القارئ، شهيّة الحياة فتفطس من روائح فساد محتوياتها المتنوّعة و المصنّعة في أقبية التآمر السوداء ...
معلّبات بشريّة فاسدة و لكن غير انسانيّة بالتأكيد. عُبئت بكل انواع المحتويات المهترئة أصلا و المتحوّلة فصلا الى كره و حقد و نجاسة و فساد و افساد و مصّ دماء و قطع اعضاء و احراق لحوم و الاستمتاع بشواء اللحوم البشرية مثل النفوس النديّة على نيران الكره و الانتقام و التعديات و الظلم المحكم و فورة السرقة و عاصفة التدمير و المحق و السحق بكل أوجهه ...
مساطر مجانيّة انزلت الى اسواق سوريا و مدنها و بلداتها و قراها ممهدة لتنزيل رؤوس بلاستيكيّة منفوخة بالشعير و الكرسنّة و كل مستلزمات تقوية الحيوانات و مستحلبات تنشيط الثأر و القتل و الفتك و أعمال السوء و التخريب و الترهيب و الارهاب .........
جماعات، فرق، زمر، تجمعات، فصائل، حشرم من الحشرات يفوق الحشرات عددا و عديدا ... ومنذ متى كان لهؤلاء منابر دوليّة و مراجع عالميّة و دور اجتماعات و قصور مزدانة بالرسوم و الصور و هم من ألف البعير و الحمير و فصائل الحيوانات الدابّة من كل جنس و شكل و لون و بيئة ...
و جاءت الساعة ...! و دقّ النفير ..! و بدأ الهروب و ما بعده هروب حتى تكاد ترى أرجلهم تلاصق مؤخراتهم كما يقال في العاميّة " و في الهروب كالغزال " . عفوكم يا أيائل البادية و غزلان المروج ... قد أسأت اليكم ... بلى ...لكنني استعرت مهارتكم فقط في العدو و الركض و الهرب ...سامحوني .
و تغيّرت عناصر الطبخة . و ادخلت عليها تعديلات . فالاطباق التركية و القطرية و السعودية لم تعد تنفع و لم تؤت أصلا الا بالتخريب و التهديم و التفتيت ...
و دخل الطبّاخ الروسي و خلط المكونات ..! فأدخل اطباقا جديدة لا يعرفها المتذوقون و لم يتوقعها الدارسون ...و سقط الرهان على الثلاثي ...
و بدأ التراجع العالمي ...و من ورائه الثلاثي ...بسبب الاخطاء و الحسابات المغلوطة . بل لنقلْ : " بفضل الصمود الاسطوري للجيش العربي السوري و مؤآزرة الاصدقاء و الاحباء و المناضلين من مقاومة الى احزاب الى تجمعات محليّة ...
أضف الى ذلك كلّه عنصرا مهمّا ألا و هو السير في المصالحات و العفو الخاص و تثبيت ثقة الشعب بدولته اذ لم تكن لتوجد لولا تفوّق الارادة الجامعة قيادة و رئيسا و شعبا كريما ...
وحدها الانهزامات المتتالية على وقع التشرذم الدولي المنعكس سلبا على كل الخارجين على القانون من داعش الى النصرة الى الجيش الاسلامي الى أحرار الشام ...الى ...الى ... تعرض في هوليود المؤآمرات .
و قد يأتي من الغيم فصيل جديد بلباس و شعارات متجدّدة ...و دفع وتيرة التصعيد من جديد ...و يصحّ القول في الثلاثيّ السعيد الذكر :" أنا الغريق فما خوفي من البلل " .
مهلا يا أقطاب التآمرات في المنطقة. لقد تماديتم ...و اندفعتم في غيّكم و في غطرستكم و في خدماتكم الظاهرة و المستورة للعدو الصهيوني الذي تجمعكم و اياه مصالح و منافع و استراتيجيات قد كشف هو بنفسه عنها و لم نسمع بالحدّ الادنى عن رفضكم أو تكذيبكم لهذه التصريحات ..............
و بما أنّكم توسّلتم خططا و امكانيات و قدرات هائلة بشرية و تقنية و لوجستية عبر استثمار النفط و الغاز لاشعال و تغذية الحرب في سوريا ، فخسارتكم على الابواب بادية و طلائع تباشيرها هلّت في الافق ... من سيكون المسؤول معنويا و ماديا عن التدمير و التخريب و اعادة الاعمار ؟
بالطبع ، الذي دمّر و خرّب و اجتاح و قضّ مضاجع الابرياء في اوطانهم على يد زمر عديمة العقل و فالتة من عقالها ... و ستكون الحرب ان في اليمن أو في سوريا استنزافا ماديا و بشريا للموارد الانسانية و المالية ...!
الاستنزاف الاقتصادي و الديون المستجدّة القادمة هي من العوامل التي ستساعد على الانخراط في التسوية الواعدة القادمة ببطئ الى الربوع حيث النيران تلتهم كل جامد و كل حيّ .
أضف الى التحولات في النظرة الاقليميّة للاحداث على خلفيّة " الطحشة الروسية المفاجئة و الفاعلة " ، و " انجازات الجيش السوري العربي و المقاومة و الاحزاب " في الميدان السوري على كثير من المواقع و الجبهات ، و الارتباطات الاقتصادية الجديدة بين الغرب مع ايران،و سقوط احلام السعودية في تغيير النظام و تدجينه، و سراب تركيا في القضم و الضمّ و السيطرة الجيوبوليتيكية على سوريا، و افلاس قطر الاعلامي و السياسي .... وانحسار الغرب عن العمل الميداني الفاعل رغم التصريحات المستمرّة عن ضربات جويّة على داعش و حفيداتها و أبناء اعمامها و خالاتها في سوريا و المهجر ...
رحم الله امرؤا عرف قدره و صان عرضه و حفظ كرامته و أرضه ... و يجب الاشارة الى عظمة و بطولة و قوّة و تماسك الالوية في الجيش العربي السوري ...دون النظر الى الشروخ التي حصلت ...و لو حصلت هذه في أي جيش آخر لقلنا على الدنيا السلام يا أهل الكرامة و السلام ..!
و لا نغفلنّ أبدا عن قوة و تماسك هيكليّة النظام ، هذا الخزّان المعنوي السياسي الاداري الامني الديبلوماسي الذي كان – و قد أثبتت الاحداث – خشبة الخلاص للوطن سوريا .
و شرّ البليّة ما يضحك لا بل يجعلنا نهزأ برجالات يصرّحون على وسائل الاعلام في كل العالم متحدثين عن " داعش " و كأنّها البعبع أو الوحش العالمي الجديد الكاسح للسماء و الارض على السواء أو ديناسور العصور الغابرة ، ان رأيته فادفن نفسك في التراب قبل أن تعيش أجلك بين فكّيه ..
و هل " داعش " أعظم من الجيوش العالمية المتقدمة و المتطورة في كل أصقاع الارض أم هي حكاية مطبوخة بالاعلام الدموي و الميدان الدموي و " تصفية الهامات الكبيرة عند العرب " ؟؟؟
أو ليست " داعش " مكاتب، و مراكز، و مجموعات، و فرق، و تنسيقات و فصائل على كامل اراضي الدول بأنساق و مزايا و أشكال متعدّدة و أسماء متنوعة و أدوار مختلفة و حلقات مترابطة و منفصلة وفق الحاجة و الهدف ... مموّلة بحسابات تتغذّى من تبييض الاموال و التهريب و تجارة الممنوعات و الخدمات الارهابية ؟؟؟
كثير من الدول شارك من حيث لا يدري أو يدري في خلق داعش. امّا بالصمت و امّا بعدم التحرك ...اما بالمعرفة المستورة أو بالجهل الفاضح ... امّا بالدعم المالي أو اللوجستي او التدريب او الايواء أو التسهيل أو التسليح ... امّا لغايات تفتيتيّة ترتدي لباس الاصلاح و التغيير و التطوير ...و امّا لرغبات خدميّة للعدو الصهيوني ...
ارتدت داعش لباس الملائكة بيننا فنمت و كبرت و سعت الى التمدّد و الانتشار و السيطرة و التحكّم منزلقة على زيوت معلميها و مدبريها و آمريها ...
و لمّا حان الوقت نزعت القناع الملائكي و لباس النسّاك و عضّت بأنيابها مفاصل الحياة في أوطاننا و نهشت قلوبنا و أفئدتنا لآنّنا كنّا لسنين مضت سكارى بخمرة الاخوّة و رخاء الاخاء و لذّة التواصل الهزيل و وجوب توحيد كلمة العرب و الوقوف جنبا الى جنب مع كل دول الجامعة العربيّة في كل القضايا المحقّة ...
و خرج من خرج عن الاصول و القواعد و القوانين ...فاطلق النار على رأس الجامعة العربية و شرب السمّ حتى الموت ...فكانت الجامعة العربيّة " يوضاسا " في حياة اوطاننا كما كان يوضاس في حياة السيد المسيح له السجود و السلام . و كان تصرّف الرؤساء العرب ازاء بعضهم البعض كما تصرّف " عقبة بن أبي معيط " ازاء النبيّ محمد عليه الصلاة و السلام ..!
قادمون ...قادمون ... قادمون باذن الله تعالى ...الى كل حيّ و زاروب و حبّة تراب ...سقط الرهان الدولي على أجنحة الارهاب المستورة و أذرع العبث و التخريب و التدمير المصطنعة و الافلاسات الميدانيّة و الاستهلاك للطاقات و للقدرات و للامكانيات على كل الصعد ...
بدأ الوباء السعودي القطري التركيّ بالانحسار و الاندثار ... و أخذ السوريون يستعيدون أنفاسهم على وقع الانجازات و الانتصارات ...لا تدخلوا في الانابيب الضيّقة و لا تجعلوا الاطر الصغيرة ترسم مساركم ...
بل انظروا الى السماء فانّها ترسم " نصــــــــــــر ســــــــــــــــــــــــــــــوريا " بكامل الالوان تحت لمعان سيف الحقّ و سطوة العدل و عنفوان الانسان ..
و قوّات السماء ترنّم :
" انّ طفلا جديدا قد ولد لنا اليوم...
اسمه ســـــــــــــــــــــــــــــــوريـــــــا ...
هلّلوا يا ايّتها الملائكة ... ولد ...حقّا ولد ...
و ليكن ايمانكم بحجم تاريخكم و بطولاتكم و مسيرتكم ...آمين