استعمل مصطلح الرأي العام puplic opinion منذ بداية القرن الثامن عشر، على الرغم من وجود ما يشبه معناه في الكتابات الفلسفية القديمة والوسطى، ويعد حالياً من الموضوعات المهمة في حياة كل مجتمع لارتباطه بالحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
والرأي العام لمجتمع ما هو محصلة وجهات نظر أعضائه وتنظيم آرائهم نحو القضايا الملحة، لهذا فهو نتاج جمعي للآراء المتفرقة، وليس إجماعاً على رأي معين يتفق عليه كل شخص في هذا المجتمع، كما لا يمثل بالضرورة رأي الأغلبية، بل قد يختلف عن رأي أي فئة من فئاته.
ومن الواضح أنه لا يمكن أن يملك أي مجتمع رأياً عاماً سليماً إلا عندما تتحقق لأعضائه ظروف المناقشة الحرة التي تحتم بدورها استعداد الأعضاء لتوجيه آرائهم وتوفير وسائل اتصال جمعي مرنة، كما تحتم معرفة الأعضاء لظروفهم معرفة موضوعية صحيحة تعتمد على مدركات علمية سليمة.
وعلى هذا الأساس فإن الرأي العام يضعف في المجتمعات ذات الأنظمة الاستبدادية، وفي حال غياب الرأي الآخر، وعند انشغال أعضاء المجتمع بتأمين حاجاتهم اليومية عن التفكير في القضايا العامة.
أهمية الرأي العام:
لأن الرأي العام هو نتاج جمعي، لهذا فهو يمثل المجتمع معبأً للعمل نحو الموضوعات التي تهمه، ومن ثم يسهل تنسيق العمل، أي يتجه دائماً نحو اتخاذ القرار على الرغم من أنه لا يتسم بالإجماع. لهذا لا يمكن تجاهل قوة تأثير الرأي العام في تحقيق أو تعطيل البرامج والإصلاحات في مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كذلك تعقد بموجبه الاتفاقات وتبرم المعاهدات كما تعلن الحروب، لذا تسعى الحكومات بوسائل متعددة التعرف على الرأي العام تجاه المشكلات التي تواجهها. يفهم من هذا أن الرأي العام هو وسيلة الشعوب لإيجاد قنوات اتصال بينها وبين حكوماتها، وبالمقابل يحاول قادة الحياة العامة والحياة الاجتماعية والاقتصادية استثماره من أجل دعم الاتجاهات التي تحقق أهدافهم وإضعاف الأخرى المعيقة، كما في العلاقات العامة والتربية والتعليم والإدارة والتدريب والتثقيف والتوعية وفي مكافحة التعصب ومجال التفاهم والسلم الدوليين وفي العلاج النفسي وغير ذلك.
ولعل الرأي العام هو خير ما تتوسل به الدول النامية لدفع عمليات التنمية الوطنية، وتغيير أنماط حياة الناس وتأهيلهم نفسياً لهذه التغيرات ودفعهم للمشاركة في الأنشطة الحيوية والقضاء على ظواهر اللامبالاة والسلبية.. وذلك بسعيها نحو تكوين رأي عام سليم قائم على المعطيات العلمية التي تدحض تلك الشائعة غير العلمية وتحل محلها، مستعينة لذلك بوسائل الإعلام ومؤسساتها المختلفة.
خصائص الرأي العام:
يتكون الرأي العام في أي مجتمع من القضايا المهمة لأعضائه، وتلك الملحّة عليهم، كذلك من القضايا التي تمس حياتهم اليومية وتثير قلقهم، لأنه شديد الحساسية نحو تلك المسائل، لكنه يظلّ ساكناً حتى تظهر فيتبلور عندها، ويعبر عن ذاته بسلوك الأشخاص وآرائهم، ويبدو ذلك من خلال جماعات المجتمع ومؤسساته.
كذلك ينشأ الرأي العام ويتحرك وفقاً للعوامل التي تنشأ في أثناء مناقشة قضية ما، ولاسيما أن عملية نشوئه قد تتضمن أحياناً عناصر عاطفية وانفعالية، وليس فقط عناصر منطقية.
ويؤثر التراث الثقافي بمضامينه المختلفة في تكوين الرأي العام نحو القضايا الثقافية العامة، ويكون إلى حد ما ثابتاً، في حين يتكون الرأي العام المؤقت نحو القضايا اليومية التي تحتل فيها العاطفة الأهمية الكبرى، أما الرأي العام المضّلل الذي يحيد عن الصالح العام فهو الذي يتكون بتأثير الدعاية والشائعات، وذلك في حال غياب الوعي وعدم توافر المعلومات التي تدور حول القضايا العامة.
دراسة الرأي العام:
تتناول دراسات الرأي العام طبيعته وطرائق تكوينه وأساليب تعديله والظروف المحيطة به وذلك بهدف:
1- معرفة آراء الناس ومواقفهم نحو مختلف القضايا التي تمس أوضاعهم المختلفة للاستفادة منها في أغراض عملية كالتخطيط للبرامج المختلفة وتعديلها.
2- الكشف عن تيارات الرأي العام بهدف توجيهها نحو الأهداف المطلوبة وتعبئتها والتأثير فيها.
3- التنبؤ باتجاهات الرأي العام نحو مختلف القضايا ونحو الانتخابات العامة.
4- رسم صفحة نفسية توجه الآراء نحو جوانب العمل المختلفة ومواقفه المتعددة: الظروف الفيزيقية، العلاقات الإنسانية، نظام الأجور.
لاشك في أن توجيه الرأي العام لتعميق جذور التقدم يتطلب دراسة الظروف الموضوعية المكوِّنة له من دراسة آراء الأشخاص وسلوكهم. وتعتمد بحوث الرأي العام على العينة وتتبع الخطوات المنهجية نفسها المتبعة في البحوث العلمية عند دراسة الظواهر الاجتماعية، كما تستوجب التزام الباحث بالموضوعية.
تتعدد طرائق بحث الرأي العام وأدواته وتتناسب مع موضوعاته والهدف المرجو منها والإمكانات المادية والفنية المتاحة، ويفضل الاستعانة بأكثر من طريقة وأكثر من أداة، لتحقيق الموضوعية.
ومن بين أهم الأدوات المستعملة للحصول على الآراء، والتي تعرف باستفتاءات الرأي العام ما يأتي:
- الاستبانة: هي استمارة تتدرج فيها الأسئلة، وتوزع على الأشخاص الذي يخضعون للدراسة، ويجيبون عنها كتابة. هذه الوسيلة شائعة الاستعمال لأنها قليلة التكاليف وتفيد في الحصول على استجابات أكبر عدد ممكن من الأشخاص، وتشعرهم بالطمأنينة والثقة لأنهم غير معروفين من قبل الباحث، إلى جانب أنها تضعهم أمام مواقف مماثلة تسهل عملية الوصول إلى تعميمات.
- المقابلة: يوجه الباحث أسئلة الرأي العام إلى الأشخاص الخاضعين للدراسة، كما هي مرتبة في الاستمارة، ويسجل الإجابات كما يستشف من تعبيراتهم ومظاهرهم، معطيات قد لا يدلون بها لفظياً، وتفيد هذه الوسيلة في الحصول على المعلومات في المجتمعات التي تنخفض فيها مستويات التعلم.
وهناك «المقابلة الحرة» التي يتحدث الباحث فيها مع الأشخاص ضمن إطار عام يحدده في ذهنه أو يدونه على ورقة، ويسجل النتائج.
تستخدم هذه الوسيلة على نحو خاص في المقابلات السياسية التي تتم مع المسؤولين لمعرفة آرائهم نحو القضايا المعنية.
كذلك يمكن استعمال «الهاتف» و«الوسائل الإسقاطية». تقوم الوسائل الإسقاطية على عرض بعض المثيرات الاجتماعية الغامضة على شكل صور أو جمل وقصص ناقصة، ويدل تنظيم إدراك الأشخاص لها على آرائهم واتجاهاتهم.
وتستعمل الوسائل الإسقاطية عادة في حالة عدم رغبة الأشخاص في التعبير عن آرائهم أو عند شعورهم بالخوف أو الحرج من التعبير.. لأن المبحوث لا يعرف الغرض من استعمالها.
كذلك يمكن أن تتناول دراسات الرأي العام معاني «محتوى الاتصال» التي يعبر عنها بالرموز اللفظية أو الموسيقية والمصورة.. فتحلل محتويات الأفلام ومضامين المواد التلفزيونية والإذاعية والمسرحيات والمقالات الصحفية ومحتويات الكتب والوثائق والتعليقات وغير ذلك، ذلك لأن المحتوى يفترض أن يدل على الرأي العام للجماعات التي يصدر عنها، وبهذه الطريقة يدرس الرأي العام المحلي والقومي والعالمي.
تفرغ البيانات مع ضرورة الاحتفاظ باستجابات منفصلة لكل سؤال، عوضاً عن جمعها معاً، كما في مقاييس الاتجاهات النفسية، ثم تحلل إحصائياً بشكل يتناسب مع هدف البحث.
وهكذا فإن دراسات الرأي العام تدخل ضمن إطار العلوم التي تهدف إلى تحسين الواقع الاجتماعي من أجل سعادة الإنسان لأن معرفة الواقع معرفة علمية هي من خطوات هذا الطريق.