(لبنان خطأٌ تاريخيٌّ وجغرافيٌّ، ويجب إزالة هذا الخطأ وتصحيحه) بتلك الكلمات حدّد ديفيد بن غوريون أوّل رئيس وزراء للكيان الصّهيوني المؤقّت استراتيجيّة كيانه العدوانيّة تجاه لبنان بعد احتلال فلسطين عام 1948 خلال اجتماعه بالمطران الحويك وفقاً لما أورده المؤرّخ لويس صليبا، في كتابه (لبنان الكبير أم لبنان خطأ تاريخي). تلك هي الحقيقة التي يدركها الكثير من اللّبنانيين كمعايشتهم للاعتداءات الصّهيونيّة على الجنوب وأهله ومن باب التذكير لا بدّ من استحضار الشّواهد التّاريخيّة التي تلخّص معاناة لبنان مع العدوّ «الاسرائيليّ» منذ أن تُرك الجنوبيّون في مواجهة عدوّهم ومصيرهم حين واجهوه باللّحم العاري وتصدّوا لعدوانه دون أن يملكوا أيّ سلاحٍ رادعٍ أو أيّة معادلةٍ تدفع عنهم ظلم العدوان وتحفظ أرضهم…!
وما ارتكبه العدوان «الاسرائيليّ» عام 1948 عندما نفّذت عصابات الاحتلال «الإسرائيلي» أولى عمليّاتها العدوانيّة أطلقت عليها (عملية حيرام) فاحتلّت 15 قرية في جبل عامل وارتكبت مجزرةً في بلدة حولا ذهب ضحيّتها نحو مئة مواطن انتهت العمليّة بتوقيع العدوّ على اتفاقية الهدنة مع لبنان في «رودوس» سنة 1949. شكّل ذلك العدوان التّرجمة العمليّة لاستراتيجيّة بن غوريون العدوانيّة تجاه لبنان التي لم ولن يتخلّى عنها الكيان.
حينها ذبح أبناء الجنوب في حولا على مذبح لبنان الكبير وشرّدوا، وما بكتهم دولتهم ولا رثاهم مجتمعٌ دوليٌّ، حينها خرج إمام الجنوب العلّامة السّيد عبد الحسين شرف الدين كاسراً صمت الدّولة اللّبنانيّة وعجزها موجهاً رسالةً إلى رئيس الجمهورية آنذاك بشارة الخوري بعض ما جاء فيها: وحسبنا الآن نكبة جبل عامل في حدوده المتاحة، ودمائه المباحة، وقراه وقد صيح فيها نهباً!
هذا الجبل العريق تضرب عليه الذّلّة والمسكنة ممّن ضربت عليه الذلة والمسكنة في سحيق التاريخ. هذا الجبل الذي يقوم بما عليه من واجباتٍ، ولا يُعطى ما له من حقوقٍ كأنّه الشّريك الخاسر فإنْ لم يكن من قدرةٍ على الحماية، أفليس من قدرةٍ على الرّعاية، وإنْ قرأتم السّلام على جبل عامل، فقل السّلام عليكم وعلى لبنان».
تلك الاتفاقيّة التي لم تحمِ لبنان ولا جنوبه ولا الجنوبيّين من الإرهاب الاسرائيليّ بل تنامت عمليات الاعتداءات ورغم الاتفاقيّة واصل الصّهاينة اعتداءاتهم وعمليّاتهم العسكريّة التي شملت معظم البلدات الحدوديّة وحتى البعيدة عنها، وتمثّلت بغزو القرى وقتل المواطنين، وضرب البنية الاقتصاديّة والاجتماعيّة، ودفع الأهالي إلى النّزوح.
لم تردع اتفاقيّة الهدنة بين العدو «الإسرائيلي» ولبنان في «رودوس» سنة 1949 عمليّات العدوّ واعتداءاته بل وسّعت جغرافية اعتداءاتها ودائرة إرهابها لتتجاوز الجنوب وتصل الى كافة المناطق اللّبنانيّة مكرّسةً واضعةً لبنان هدفاً دائماً لإرهابها لم نسمع حينها أصوات (السّياديين) تنعق في عواصم العالم ولم يدافعوا عن لبنان باليد ولا باللّسان ولا حتّى بالقلب، هم أنفسهم أصحاب اتفاق الذّل في 17 أيار من صاغوا استراتيجيّة الذّل للبنان في مقابل استراتيجيّة بن غوريون الإرهابيّة التي كانت المقاومة السّد المنيع بوجه العدوان فانتصرت عليه وهزمته شرّ هزيمة، قاتلت وانتصرت وتحوّلت إلى مجتمعٍ مقاومٍ راكم قدراته وعلى قدر معاناته جاءت انتصارات تلك المقاومة التي هي عنوان المعركة السّياسيّة وليست الانتخابيّة وحسب، هي الهدف لكلّ الذين يحملون برامج ترشيح طبق الأصل عن برامج الأحزاب الإسرائيليّة مثل اللّيكود و(إسرائيل بيتنا) وحزب العمل في حين يعترف قادة العدوّ بقوّة وصلابة المقاومة، فوفقاً لما نقلته صحيفة «هآرتس» عن مسؤولين كبار في المؤسّسة الأمنية قولهم إنّهم «مردوعون في لبنان»، وإنّ «حزب الله، بوسائل ليست متطوّرة كثيراً لكن بحزم، نجح في أن يشكّل تحدياً لحرّية عمل إسرائيل».
في لبنان تلك هي المقاومة التي يريد محاربتها مرشحو اليمين الصّهيوني في لبنان تحت عنوان الدّيموقراطيّة ومن أجل السّيادة التي حدّدتها لهم السّفيرة الأميركيّة دوروثي شيا وباركها سفير نظام آل سعود. ولعلّ الكثيرين من أولئك الواهمين يبنون أملاً كبيراً على زيادة مقاعدهم الانتخابيّة ليطالبوا «ديموقراطيّاً» بنزع سلاح المقاومة. رهانٌ غبيٌّ لأدواتٍ لم تستخلص العبرة من التّاريخ الذي يقول لا توجد مقاومةٌ تستمدّ شرعيّتها من برلمانٍ أو حكومةٍ بل إنّ المقاومة تكتسب شرعيّتها من بيئتها ومجتمعها للدّفاع عن أنفسهم. وبالتالي فإنّ رفع عنوان سلاح المقاومة كعنوانٍ للحملات الانتخابيّة حوّل المعركة النّيابيّة إلى معركةٍ سياسيّةٍ لن ينتصر فيها إلّا المقاومة وسلاحها، ولن يُهزم فيها إلّا الأميركي والصّهيوني وأدواته في لبنان والمنطقة، وأنّ اليد التي ستمتدّ على سلاح المقاومة ستقطع أياً كانت وما تبقّى من الأيّام سيشهد بأنّ المقاومة التي وعد أمينها السّيد حسن نصر الله بالانتصار وقال ولّى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات، والمقاومة التي أنجزت انتصاراتٍ بتحرير الأرض والأسرى وستحرّر الغاز اللّبناني وستصحّح الخطأ التّاريخيّ والوجوديّ بإزالة الكيان الصّهيوني المؤقّت والبقيّة ستأتي…