إعتدنا كل اربع سنوات أن نخوض الإنتخابات على أساس منافسة سياسية؛ وعلى أساس قانون الأكثرية. وفي الموسم الماضي كنا على تجربة جديدة مع القانون النسبي وسيكون لنا هذا العام تجربة جديدة مع نفس القانون في غياب كلي حتى كتابة هذه السطور لجمهور تيار المستقبل وغياب اي برنامج إقتصادي أو إجتماعي أو سياسي للخصوم. والشعارات المطروحة محصورة بنزع سلاح حزب الله و "إنهاء الإحتلال الإيراني" وإضعاف حلفائه. وللتذكير فإن هذه الشعارات هي نفس أهداف الإدارة الأمريكية والتي صرح بها كلًا من بومبيو وفيلتمان، وتابع التنفيذ السفيرة شيا. فباعتنا شيا سراب إستجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن في اللحظة التي أعلن فيها سماحة السيد حسن نصر الله عن توزيع المازوت عبر البلديات لدور الأيتام والعجزة، المستشفيات ومحطات توزيع المياه مجانًا. فوصل المازوت الإيراني إلى كافة المناطق اللبنانية؛ بينما حصدنا الأوهام من وعود شيا التي ضغطت على الوزراء بمنع مناقشة أي عرض روسي أو صيني أو إيراني لمعالجة مولدات الطاقة الكهربائية، وأصلاح المرافئ ومصافي لتكرير النفط علمًا بأن بعض العروض هي بمثابة هبات والبعض الآخر على نظام الB.O.T دون أن يتحمل لبنان أي ليرة كديون. وفرضت أيضًا التفاوض مع جهة حصرية متمثلة بصندوق النقد الدولي. وجميعنا نعرف بأن الصندوق ليس جمعية خيرية، وأساليبه تعتمد على إقرار قوانين لضمان إسترجاع القروض وبفوائد وشروط مجحفة تؤدي إلى إنتقال كل مؤسسات الدولة الخدماتية إلى عهدة شركات أجنبية لا تعطي لبنان اي قرش من ذلك.
فدراسة جدوى الخيارات المتاحة تؤكد بأن العروضات من الشرق (روسيا، الصين وإيران) هي الأفضل والأنسب للبنان وشعبه.
وقد يستغرب الكثيرون لماذا تبنت السعودية جعجع وحلفائه دون غيره ودعمه اللا محدود في الإنتخابات متناسية بأن جعجع هو قاتل رئيس وزراء كل لبنان الشهيد رشيد كرامي.
وقد قدم جعجع عدة أوراق إعتماد للإدارة الأمريكية والسفارة السعودية بأنه يستطيع مواجهة حزب الله عسكريًا؛ وقدم مع غيره عدة عينات على قدرتهم بجر حزب الله إلى فتنة داخلية منذ سرقة الحراك الشعبي في 17 تشرين الاول /أكتوبر 2019. ولما فشلت كل المحاولات جاهر جعجع بالقول بأن لديه أكثر مَن عشرة الآف مقاتل مجهزين وجاهزين لقتال حزب الله؛ فكان الردع اللفظي والعملي لسماحة السيد حسن نصر الله حين كشف وللمرة الأولى بأنه لدى حزب الله أكثر من 100 ألف مقاتل مجهزين ولم يذكر سماحة السيد عديد التعبئة والسرايا اللبنانية والداعمين لهم.
ومع هذا فقد إقترف جعجع عن سابق تصور وتصميم مجزرة الطيونة لجر حزب الله إلى حرب طائفية ليضمن تمويل ميليشياته وتكريس نفسه زعيمًا للمسيحيين. ولكن مع إعتكاف الرئيس الحريري مع تياره ترشحَا وانتخابًا أصبح جعجع المرجع "السني" الوحيد في تشكيل اللوائح في كل لبنان مع دعم غير متناهي من السفير السعودي في لبنان.
ومن أهم المستجدات على الساحة الأقليمية هو تطبيع دولتين من مجلس التعاون الخليجي مع العدو الصهيوني؛ وكما نعلم،فإنه لا تستطيع اي دولة في مجلس التعاون أن تُقدم على شق عصا الطاعة وتقوم بمثل هذه الخطوة بدون موافقة السعودية ومباركتها.
وبناءً عليه، فالإنتخابات الحالية أصبحت معركة سياسية بإمتياز بين نهج المقاومة وحلفائها وبين قادة التطبيع وسياسة الإرتهان لأمريكا وحلفائها.
فعلى الناخبين ان يختاروا لبنان الذي يريدونه، وليتحملوا مسؤولية خياراتهم. فصوتهم مسؤولية وطنية؛ فليحكِّموا عقولهم ولينتخبوا.
وإنّ غدًا لناظره قريب