بين ما وعد به "حزب العدالة والتنمية " التركي مع وصوله إلى حكم تركيا وما تحقق لتركيا بعده على يده بون شاسع لا بل تناقض مؤكد حيث لا يشبه ما تحقق شيئا مما كان الوعد قد تضمنه. وإذ لسنا الآن في موقع من يتصدى للإحصاءات والمقارنة، فأننا نكتفي بالتذكير بما أطلق حزب اردغان من وعد ب “صفر مشاكل" في السياسة الخارجية، لكن المتحقق الان على الأرض هو صفر صداقات وعلاقات في الإقليم، من اليونان وقبرص غربا إلى سورية جنوبا فروسيا شمالا إلى أن وصل قطار النزاعات التركية إلى العراق، فأحدث في العلاقات ما أحدث وصولا إلى شكوى ترفعها الحكومة العراقية إلى مجلس الأمن ضد عدوان تركي عليها. أما العلاقة مع إيران فهي متقلبه تميل إلى الجفاف، الذي قد يساوي إلى حد ما الجفاف والخصومة التركية مع مصر. نذكر ذلك لنقول إن تركيا نجحت في كسب عداوات الإقليم، ومن لم يشهر عداءه لها فانه لا يخفي قلقه من الدور التركي وعدوانيته وانتهاكه للقانون الدولي في علاقاته مع الأخرين.
وسنقتصر هنا في البحث على التصدع والنزاع بين العراق وتركيا وهو ما تسببت به تركيا بنشر قوى عسكرية قتالية داخل العراق قوامها كتيبة مدرعات وكتيبة مشاة وكتيبة وحدات خاصة وكتيبة لوجستية ودعم هندسي واتصالات، في مجموع يصل إلى حوالي 1200 عسكري و32 دبابة وبضع العشرات من اليات القتال المدولبة نشرت دون أذن العراق.
تدعي تركيا أن رئيس الحكومة العراقية طلب منها في العام 2014، تقديم مساعدة عسكرية لبلده في مجال التدريب، فاستجابت لطلبه وأرسلت بضع عشرات من الضباط والرتباء ولم يتعد حجم المفرزة يومها أل 80 عنصرا اتخذوا لهم موقعا في معسكر قديم قاموا بتأهيله في "بعشيقة " شمالي شرق الموصل وعلى بعد 150 كلم من الحدود التركية، وفي الآونة الأخيرة تدعي تركيا أنها خشيت على جنودها من داعش، فأرسلت تعزيزات حماية لهم قدر حجمها وفقا للخطر المتوقع.
أما العراق فينفي الادعاء التركي جملة وتفصيلا، ويؤكد انه من غير المسموح به مطلقا دخول قوات أجنبية إلى الأرض العراقية دون طلب أو تنسيق أو قبول من الحكومة العراقية، ومع إصراره على خروج تلك القوات، جوبه برفض تركي وتمسك من قبل اردغان بوجود هذه القوات على الأرض العراقية سواء قبل العراق أو رفض. وهنا نشأ النزاع الذي رفعه العراق إلى مجلس الأمن.
فإلى أين ستقود المواجهة؟ وما هي السيناريوهات المحتملة أو لنقل بصيغة أخرى ما هي المسالك المفتوحة أمام العراق لإخراج القوات التركية من أراضيه؟
قبل الإجابة فأننا نرى وبموضوعية أن وجود القوات التركية على الأرض العراقية وفقا للعرض المتقدم، أنما هو عدوان مكتمل المواصفات وانتهاك للسيادة الوطنية العراقية ومس بأمن العراق ووحدة أراضيه، ما يعني انه خرق لميثاق الأمم المتحدة القائم في الأساس على مبدأ احترام السيادة الوطنية للدول الأعضاء، ولهذا كان منطقيا أن يلجأ العراق إلى مجلس الأمن لوضع حد للعدوان فهل أن تركيا ستتدارك الموقف وتسحب قواتها؟
لا نرى مما ظهر من مواقف أن تركيا ستستجيب بالحسنى للطلب العراقي، فتركيا في الحقيقة لم ترسل هذا الحجم من القوى العسكرية المدرعة من اجل التدريب، كما أنها لم تجازف بأرسالها لتسحبها بمجرد طلب العراق أو رفضه لها، فتركيا لن تقدم على سحب قواتها العسكرية القتالية من العراق أن لم تتعرض لضغط عراقي و دولي بقدر كاف يجبرها على الانسحاب، ضغط لا نقصره على الضغط السياسي بل ولا نستبعد فيه الضغط الميداني العسكري. نقول ذلك لان أهدافا استراتيجية كبرى ومصالح تركية هامة مقترنة بطموحات مضمرة، تضافرت كلها لتحمل تركيا على فعلتها التي لا نستبعد أن تكون بأمر أميركي أو تنسيق مع أميركا.
فتركيا التي انهارت خططها في سورية حيث وجدت نفسها بعد التطورات الأخيرة أمام حلم ضائع من غير امل بالاستعادة، ثم أفقدتها التحالفات والاصطفافات الدولية إلى جانب سورية ومتغيرات الميدان السوري، أفقدتها أي امل بإنشاء المنطقة الأمنة أو فرض الحظر الجوي أو وضع اليد على حلب فضلا عن ضياع الحلم الأكبر المتمثل بوضع اليد على سورية، تركيا التي هذا وضعها في سورية تبحث عن ميدان تعويض فذهبت إلى العراق.
ففي العراق وجدت تركيا أن هناك فرصة لتعويض خسارتها في سورية ، بوضع اليد على منطقة الموصل التي تزعم أنها ارض تركية حرمتها بريطانيا منها بعد انحلال الدولة العثمانية. وترى تركيا أن وجودا عسكريا استباقيا شرقي الموصل في مقابل كردستان سيعطيها اسبقيه في امتلاك السيطرة على المنطقة في حال تقسيم العراق كما يروج ويحضر له وانه سيجعلها على مشارف كردستان العراقية بما يمنعها من الاتصال بكرد تركيا أو كرد سورية حتى لا يشكل اتصالهم خطرا استراتيجيا عليها. تعتقد بذلك وهي شبه موقنة أن العراق ذاهب للتقسيم الحتمي خاصة بعد اتساع الهوة بين مكوناته الطائفية والعرقية تقسيم تعول عليه ليكون لها من الأرض العراقية نصيب.
أما أميركا – التي لا يمكن لعاقل أن يبرأها من الفعلة التركية – فأنها ترى أن الوجود التركي في الموصل، يعد خطوة قد تساعدها في مشروع أنشاء المنطقة الفاصلة بين العراق وسورية. المنطقة التي تعول عليها أميركا لقطع التواصل البري بين إيران وروسيا شرقا وشمالا وسورية ولبنان غربا وجنوبا.
لكل ذلك نقول بان الوجود التركي في العراق ليس عملا عابرا أو زلة قدم أنما هو تنفيذ لخطة استراتيجية كبرى ولذا فان مواجهتها تستلزم عملا من حجمها ومن طبيعتها ولذلك نرى أن الحكومة العراقية ستجد نفسها ملزمة باعتماد واحد أو أكثر من السلوكيات التالية لوضع حد للعدوان التركي:
1) تشكيل موقف عراقي وطني شعبي ورسمي جامع يرفض العدوان التركي ويصر على أزالته. ففي ذلك رسالة قوية توجه للعالم ولتركيا تقطع عليها طريق اللعب على الوتر الطائفي والعرقي. وما تم من مواقف عراقية حتى الأن بما فيها البيان المشترك من رؤساء الجمهورية والحكومة ومجلس نواب يشكل عملا مجديا في ذلك.
2) وضع أميركا أما التزاماتها بموجب اتفاقية الإطار الاستراتيجي أو الاتفاقية الأمنية، التي تنص على وجوب تقديم أميركا المساعدة للعراق في حال تعرض لعدوان خارجي، ونحن نرى أن أميركا ليست بحاجة لجيش ترسله لإخراج تركيا من العراق فيكفي أن تامر تركيا بذلك حتى تنتهي المشكلة. وأن في السلوك الأميركي حتى الأن ما يثير القلق، إذ لا يكفي أن تقول أميركا أنها غير موافقة بل عليها أن تامر تركيا بالانسحاب.
3) توجه العراق إلى مجلس الأمن وطلب إصدار قرار تحت الفصل السابع، وهنا تختبر جدية أميركا وبقية الأعضاء الأوربيين الدائمين في مجلس الأمن والحلف الأطلسي، جديتهم في زعمهم التمسك بوحدة العراق وسيادته.
4) إغلاق حدود العراق مع تركيا ومحاصرته اقتصاديا بشكل يفرض عليه إعادة النظر بعدوانه.
5) توجه العراق إلى الاستعانة بدول جاهزة للدخول معه في تحالفات عسكرية دفاعية واعتقد أن هناك كثر من دولة مستعدة لذلك خاصة روسيا وإيران، تحالف يتبعه توجيه إنذار لتركيا بالانسحاب والا تم اللجوء الى القوة العسكرية التحالفية.
6) البدء بالتحضير لمقاومة عراقية ضد تركيا لتحرير الأرض العراقية منها.
العميد د. أمين محمد حطيط