لجنة روسية – صينية للتحقيق في المختبرات البيولوجية الأوكرانية.. هل ستطلب سوريا الإنضمام إليها؟ التقارير والمقالات | لجنة روسية – صينية للتحقيق في المختبرات البيولوجية الأوكرانية.. هل ستطلب سوريا الإنضمام إليها؟
تاريخ النشر: 06-04-2022

بقلم: الدكتور نواف ابراهيم

يوماً بعد يوم، تزاد قضية المختبرات البيولوجية في أوكرانيا، ومعها مسألة وقوف العديد من الدول خلفها، لا سيما الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي – الناتو ودول أخرى.

تسعى روسيا – من خلال مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة وبناء على ما تقدمت به مع الصين من تقارير وتساؤلات يجب على الولايات المتحدة توضيحها والإجابة عليها فيما يخص مختبراتها البيولوجية في أوكرانيا – إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية مشتركة للبحث في ما قامت وتقوم به واشنطن من إنشاء مختبرات بيولوجية وبكتريولوجية، والتحقيق فيما يقرب من الـ 30 مختبراً، على أن يدخل في عضوية هذه اللجنة كل من روسيا والصين وكازاخستان وأرمينيا وإيران.

هذه اللجنة من شأنها أن تفضح الأعمال السرية التي كانت تقوم الولايات المتحدة في العالم، وخاصة في أوكرانيا مؤخراً، خصوصاً وأنها قد سبق وإتهمت العراق بأنه يمتلك أسلحة كيميائية وأسلحة دمار شامل، في حين أنها سبق وأن إستخدمت أسلحة أخطر منها – لا سيما على الصعيدين التدميري والبيئي – عندما كل من مدينتي هيروشيا وناكازاكي اليابانيتين، أغسطس/آب 1945، والأسلحة الكيمائية في حرب فيتنام، واليوم كانت تخطط لإستخدامها عبر الأراضي الأوكرانيا ضد روسيا والبشرية كلها.

يريد القائمون على هذه اللجنة مساءلة الولايات المتحدة، وفتح تحقيق يبحث عن دورها في إنتشار فيروس “كوفيد – 19” الذي إتهمت فيه بكين، وخاصة أنه في مختبرات ووهان الصينية عمل خبراء أمريكيين على هذا الفيروس. هذه الفضائح “عرّت” وجه الولايات المتحدة المخادع الذي يتحدث عن الحرية والديمقراطية وسيادة الدول، في حين خالفت أغلبية الإدارات الأمريكية – بأفعالهم – كل القوانين والأعراف الدولية، خارقة قواعد إحترام الديمقراطية والحرية التي كانوا يضحكون على العالم في أنهم يدافعون عنها.

أيضاً، كذبت الولايات المتحدة على العالم كله عندما إتهمت سوريا بأنها إستخدمت السلاح الكيمائي ضد الشعب السوري وضد من يسمونهم بـ “المعارضة المعتدلة”، وهي مجامع التنظيمات الإرهابية التي دعمتهم وسلحتهم ومولتهم الولايات المتحدة ومعها دول الغرب وبعض دول المنطقة وفي مقدمتها إسرائيل – صاحبة أكبر خزان نوووي وسلاح كيمائي في منطقة الشرق الأوسط وأبعد من الشرق الأوسط – والكل يغض الطرف عن هذا الخطر الذي بات معروفأً.

في وقت سابق، نشر الكسندر زياغينتسيف، نائب مدير معهد الدولة والقانون التابع لأكاديمية العلوم الروسية، مقالاً حول هذا الموضوع بالتفاصيل معلومات صادمة في موقع الجريدة الروسية – العدد الفيدرالي رقم 58 (8706) – بعنوان “الفيروس فقط للسلافيين” ومقال آخر بعنوان “أسرار خطيرة.. هجوم بيولوجي كان يحضر على روسيا من أوكرانيا“، سبق وأن نشرا في مركز سيتا. والسؤال هنا: أين وكيف وضد من تم تطوير الأسلحة البكتريولوجية؟

إن الولايات المتحدة – وحسب العديد من الخبراء والمعلومات – بدأت منذ لحظة إنتهاء الحرب العالمية الثانية بالتحضير لحرب جديدة ضد أوروبا وآسيا، على أن تكون موجهة بشكل مباشر ضد الإتحاد السوفييتي، حيث إعتبرت – حينذاك – أن إنتصاره هو خطر عليها وعلى مصالحها في العالم؛ لذا، حاولت البحث عن طرق وأساليب جديدة للمواجهة، وكل ما يجري الآن – من نزاعات وحروب – بدأ العمل عليها منذ العام 1945 وحتى يومنا هذا، ولم يتغير شيء سوى التسارع في تطبيق المخطط الذي أفشلته العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وفضحت جزءاً كبيراً من تفاصيله، ويبدو بأن القادم أعظم بما يحمله من فضح لها ولدول الناتو، حيث بدأ العالم يفقد ثقته بأمهات “الديمقراطية والحرية ” في العالم.

من الواضح جلياً اليوم بأن الولايات المتحدة هي التي تهدد الأمن والإستقرار العالميين، عبر سياساتها التي تسعى من خلالها إلى بسط سيطرتها وهيمنتها على العالم، فهي لا تريد الاستماع لأحد من دول العالم، الذي لا يريد كل هذا الدمار. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا على الإدارة الأمريكية: أين هي ديمقراطيتكم ودفاعكم عن الحرية وإلى ما هنالك من هذه الشعارات التي تتغنون بها في وقت بات مفضوحاً ما هو مبيت خلفها لهذا العالم؟

إقرأ أيضاً: الحرب البكتريولوجية.. بين التقارير الأممية والمخابرات العالمية

من المؤكد هنا أن الأحداث الأخيرة تدل على أن أوروبا عاجزة أمام الولايات المتحدة، فهي ما زالت “أسيرة” خياراتها وتقبع تحت عباءتها، لا بل هي مسلوبة الإرادة ومحتلة – بكل ما تعنيه الكلمة – من قبل واشنطن، وأكبر دليل على ذلك خريطة توزع القواعد العسكرية الأمريكية في العالم حيث سنرى أن أكبر تلك القواعد – بعد اليابان – موجودة على الأراضي الأوروبية، وخاصة في ألمانيا في قاعدة “رامشتاين”. إذا، أين هو الإستقلال الأوروبي؟ وأين هي سيادة أوروبا؟ فلقد أظهرت العملية العسكرية في أوكرانيا وهنها.

إن العالم يتغير بسرعة هائلة، حيث يتسارع هذا التغير مع تطورات الأحداث على الساحة الأوكرانية؛ فروسيا تتحرك وفق خطتها المرسومة دون أي تغيير أو إسراع للإمام أو تباطؤ أو تراجع إلى الخلف، إذ تحولت هذه العملية إلى مواجهة حقيقية مع الولايات المتحدة ومن ورائها الغرب الذي ينساق خلفها بشكل أعمى غير واعٍ نحو المجهول.
لقد خالفت الإدارات الأمريكية كل القوانين والأعراف الدولية والإتفاقات، وخاصة مع روسيا بحيث حرموها من حقوقها التي تكفلها الأمم المتحدة ومواثيقها، كما تقود تلك الإدارات حرباً حقيقية ضد موسكو في كل مكان وخاصة دول الغرب، فهم باتوا يحاربون التاريخ والثقافة والهوية الروسية بل وحتى الهوية الدينية بشكل مبطن الذي لم يتحدث عنه أحد؛ فالحلف الأنجلو – ساكسوني يريد القضاء على الأمة السلافية وعلى عقيدتها الأرثوذكسية، وهذا ما لا يمكن أن يتقبله الروسي أو يسكت عنه أو أن يتسامح فيه.

بالنسبة إلى أوروبا، فلقد بدأت تتحسس الخطأ الكبير الذي وقعت فيه بإنسياقها خلف “التهور” الأمريكي غير المحسوب، الذي لا يصب إلا في مصلحة واشنطن البعيدة عن التأثيرات المباشرة لهذا النزاع الدولي الكبير، إذ تحاول – كالعادة – أن تديره عن بعد بما يخدم مصالحها فقط دون الإكتراث بمصالح حلفائها، الذين يتم ابتزازهم على مدى التاريخ والأمثلة كثيرة وواضحة.

حالياً، بدأت ملامح الإهتزاز السياسي والإجتماعي والإقتصادي تظهر في أروربا، وباتت تتحول إلى واقع حقيقي بعد أن سعى الكثير من الساسة الأوروبيين إلى انكاره أو انكار فرضية الوصول إليه، سواء لجهة أسعار الغاز أو المواد الغذائية، والعد لا ينتهي.

اليوم وفي الوقت الذي تضرب فيه موجات مفاجأة من البرد بعض دول الاتحاد الأوروبي، تنظم الولايات المتحدة حملة للإستغناء عن الغاز الروسي دون أن يكون لديها خطة مقابلة لسد الإحتياجات اللازمة. على سبيل المثال، ضربت موجة برد كل من إيطاليا وإنكلترا، إذ لا غاز متوفر بالكم المطلوب ولا خشب ولا فحم حتى.

إنها البداية التي ستنتهي قريباً بإنفجار شعبي عارم في كل دول أوروبا، التي تقف فيها فرنسا على أبواب إنتخابات رئاسية، وإنكلترا التي قد تودع رئيس وزرائها بوريس جونسون، الذي بدأ الشعب يطالب بمحاكمته وإستقالته. نعم إنها البداية، لأن الأصعب ليس فقط في أفول الدولار أو تغييب اليورو لصالح الروبل الروسي، وإنما فيما قد تتخذه روسيا من قرارات أخرى قد تكون أكثر خطراً على أوروبا من بعد موضوع الأسمدة، مثل إيقاف تصدير بعض المواد الخام الأساسية والمعادن النادرة التي تستخدم في أهم الصناعات المدنية والحربية والتكنولوجية كالتيتانيوم، والأخطر من ذلك إذا ما إتخذت موسكو قراراً بوقف تصدير اليورانيوم إلى الولايات المتحدة. ماذا ستفعل واشنطن حينها؟

عندما يتحدث الغرب بالقوة فإنه يجب أن يرد عليه بالقوة. هذه المعادلة فهمتها روسيا جيداً عبر زمن طويل من التجارب التي أثبتت أنه لا يمكن التحدث مع الغرب بطريقة أخرى لأنه سيطمع ويتمادى أكثر. بالحقيقة، لقد وقعت كييف بخسارة كبيرة، بحيث قد تشكل هذه المرحلة قرب نهاية أوكرانيا كدولة وذلك بسبب تعنتها وتصديقها للغرب، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، الذي يحاول تدمير روسيا عبر استخدامها وأراضيها للإنقضاض عليها.

بالحقيقة، لقد كانت روحية إتفاقية “مينسك” – التي كان يصر الرئيس الروسي فلاديمير وبوتين والقيادة الروسية على تطبيقها – الحفاظ على الدولة الأوكرانية ككيان متكامل وذات سيادة وإستقلال، وأن تبقى قائمة كدولة بما يضمن تطبيق شروط الأمن القومي الروسي. لكن الآن، أعتقد أن أوكرانيا لن ولا يمكن أن تعود كدولة على الشكل الذي كانت عليه قبل انطلاق العملية العسكرية الروسية الخاصة. أيضاً، إن مسألة تقسيم أوكرانيا إلى شرقية وغربية قد ذهبت أدراج الرياح، لا بل من الممكن أن تُقسّم إلى 5 أجزاء ما يجعلها غير قادرة حتى على النهوض كدولة أو وجود أي تهديد لجهة عودة النازية إليها أو التسلح النووي أو نشر قواعد أجنبية. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا إنتظرت روسيا 8 أعوام كي ترد وبهذه الطريقة؟

بالعودة إلى صلب عنوان المقال، يبدو أنها فرصة تاريخية يصعب تكرارها أمام الكثير من الدول التي عانت من إتهامات باطلة موجهة من الولايات المتحدة و/أو دول حلف الناتو، التي تقف وراء وجود مختبرات – لا بل وحتى مدن – تحت الأرض في أوكرانيا تصل إلى أكثر من 8 طوابق، بعضها في ماريوبل التي إستقتل العالم بالدفاع عنها تحت حجة الإنسانية، والأمر نفسه في مناطق سورية، كخان العسل وإدلب ودوما، في وقت توجه اصابع الاتهام نحو واشنطن لجهة مسؤوليتها عن نقل هذه الإسلحة الكيماوية إلى التنظيمات الإرهابية لإستخدامها ضد المواطنين وتوجيه الإتهام نحو الجيش السوري وحلفائه، وفي مقدمتهم روسيا، إذ أن من حق الدول التي عانت من هذه الأكاذيب ودفعت أثمان باهظة كنتيجة لها ابراز هذه الحقيقة للعالم.

فلقد عانت سوريا من هذا الأمر. فهل ستطلب رسمياً أن تشارك في عضوية تلك اللجنة الدولية؟ وأن تقدم كل الدلائل القاطعة التي ضللتها لجان التحقيق المسيسة؟ وتضع تساؤلات أمام الرأي العام العالمي ليقوم الغرب، وعلى رأسهم واشنطن – بالإجابة عليها؟

على حوافي هذا الموضوع، يجب أيضاً لفت الأنظار إلى ترسانة السلاح النووي والكيميائي – المحظور دولياً – لدى إسرائيل، ودورها في دعم التنظيمات الإرهابية ببعض تلك الأسلحة لقتل الشعب السوري، ناهيك عن المساعدات غير المباشرة – كالغارات الجوية – التي كان الهدف منها دعم تلك التنظيمات ميدانياً، في حين كانت تقف موسكو لمواجهتهم.

ختاماً، هل ستتوجه سوريا إلى الحليف الروسي والصديق الصيني بطلب العضوية في هذه اللجنة؟
أعتقد جازماً أن الإجابة ستكون “نعم”.


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013