الهوى والغرام والوله والعشق والحنين والأنين والهيام مرادفات تشير إلى الحب، أما خصائصه فإنها تقترن بالخير والشر، بالفضيلة والرذيلة، بالغيرة والأنانية، بالرحمة والحنان والتضحية، بالجور والاستبداد والقسوة واللين، ومن المدهش أن الجانب الوحشي في الحبّ قد يسيطر على نفس الإنسان العظيم، أضعاف ما يسيطر على ذات الإنسان المتوسط أو العادي، وعندئذ يتجلى إسراف العظيم في إلحاق الشر بمن يهوى، أو يرفعه إلى أعلى مستوى، وقد يتخذ الإسراف فيه شكلاً فظيعاً مروعاً، يقضي على فضائل الحب في الحالتين، فمتى أحبَّ المرء واستبدَّ به الحبّ جنح إلى الإسراف، إما في إنكار الذات والتضحية، وإما في إرادة التملك ممثلة في الغيرة المصحوبة بشتى أنواع الجور والعسف والاضطهاد.
هل للحب خصائص أو أعياد؟ وهل يعرف القوانين أو اللغات؟ أم إنه إشارات وسهام تلتقي من دون أي اختيار؟ يكتب العشاق لبعضهم رسائل بديعة، يخطّون على سطورها لقد غمرتني عطفاً، وطوقت عنقي بجميل لا أقدر أن أنساه أبداً، إن حبك يشرق على حياتي كشمس الربيع، وسمو أخلاقك يرفعني في عين نفسي، ويجعل شخصي في أنظار الناس، إنه يطهرني من أدراني، ويضفي على فكري حلةً من النبل الأصيل، لقد أحببت فيك شتى فضائل الجنس البشري الخلاقة، ولن أكون إلا خليقاً بحبك، ها أنت جعلت أخلاقي حميدة وفي مستوى راقٍ من الجمال والنقاء والخدمة الإنسانية الخالصة لوجه الخير والجمال، لقد أبصرت بعينيّ مثُل الفضيلة، وأنجبت على الينبوع، فرددت منه عميق ظمئي، ومهما ارتويت فلابد أن يتجدد ظمئي، ولذلك أريد أن أحيا بقربك، وعلى مشهد منك، وفي ظل حنانك الوارف.
سأل طفل أمه ذات مرة: أين كنتُ يا أماه، وفي أي مكان كنتِ تحتفظين بي؟ ارتعشت عواطف الأم حنواً، وضمت طفلها إلى صدرها وأجابت: كنتَ يا حبيبي مستقراً في أعماق فؤادي، بل كنت ماثلاً بين ألاعيب طفولتي، فعندما كنت أنهض في الصباح لأجل مثال الله العجيب من الطين، لم أكن أجبل سواك، هكذا رسم طاغور علاقة الحبّ بين الأم ووليدها.
الحب العنيف ليس دائماً أفضل أنواع الحب أو أكثرها بقاءً، لأنه ربما يحمل في طياته مأساة تطيح بأحد الحبيبين، إن لم تذهب بهما معاً، والحب نضال بين عاشقين وأسرتيهما والمجتمع والعادات والتقاليد، وكثيراً ما يفقد جادة صوابه، فيندفع الغضب والحقد والحسد والغيرة لاعتراضه، فإذا تمّ اختراقه تحول إلى كراهية، وتلفّظ بعبارات غير لائقة.
الحب حاجة روحية ينبغي ألا تغادر الإنسان، لأنه به يغدو تجسيداً جديداً لإنسان فارقه الصبر، وأعياه الاحتمال، بل من أجل طلب تحقيق فرصهم وغاياتهم بأنانية مجحفة، وإذا أدركنا أن ائتلافاً روحياً وتجارب نفسية لما يحققه من رقة في النفوس، فإن أيامه مختلفة من عالم مسحور، ودنيا غير منظورة.
إنه الحب يبدأ بين مترددين، تأخذه الصداقة تدريجياً، تقوى وتشتد، ثم تتطور إلى ذاك الحب الذي لا يسعى إليه، بل يخترق قلبين في جسدين، يحملان فكرين مختلفين، يؤلف بينهما إلى أن تخامره الشكوك والمخاوف، وتحوم حوله، فيذهب إلى الصراع العنيف بين الحب والواجب، بعد هذا القليل الذي خططه حول خصائص الحب.
أجدني أصوغ رسالة بتصرف لعاشقين، بدأت بها أغار منكِ عليكِ .. أغار من شعركِ المتهدّل على كتفيك، أغار من هذا الرداء المسترجل الزي، الذي يكوّز نهديك العارمين، ويلف ردفيك الشاخصين، أغار من هؤلاء الذين يحملقون فيك، وينظرون إليك نظر الجائع الهالك وتجيب: "اصنع ما شئت.. اذهب.. وعدْ.. أو لا تعدْ أبداً.. إن قلبي الذي يتضاءل رويداً رويداً يقدم لك هذا الاختيار، لكني أعلم، وأنت تعلم أنك لا تملك غير طاعتي، وليس لك خيار، آه عليّ في هذه الليالي الحالكات أن أفكر في الرغبات واللذات، تلك التي منعتها عن جسدي لأعطيها لك يا حبيبي، رغم أن في قلبي الحالم بك محاربين أقوياء، شاهري السيوف، لا تغمض لهم عين، وهم بلا رحمة، ولا شكاة من التعب، والآن يأمرونني بكل قوة أن أحبك.
ويجيبها: اتركي ليلي الهادئ، دعي أحلامك تمرّ عليه بأطيافها، حركي صمتي الشاكي، دغدغيه بهتافاتك الراقية، لنتذاكر نشواتنا، ونبضات قلوبنا حافلة بالسعادة، تفكري في أننا نسترق القبلات، وتغوص الشفاه، لا تريد أن تفترق، فهل هذا بداية حب؟ أم حبّ يسعى لفهم خصائصه؟
هل افتقدت مجتمعاتنا الحبَّ، وسادت المادة على كل شيء، فأحدثوا للحبّ يوماً سمّوه «عيد الحبّ»؟!
هلّا تفكرتم في ذلك بعيداً عن إن كان له معايير أو خصائص أم لا؟.