تتكون مدينة دمشق من قسمين، القسم القديم ضمن الأسوار ويطلق عليه اسم «المدينة»، والقسم الحديث. ويختلف القسمان اختلافاً بيّناً في التخطيط العمراني وفي الهندسة المعمارية، إذ تتلاحم المباني في المدينة القديمة، لا يفصلها عن بعضها بعضاً إلا مسارات تسمى «الحارات» و«الأزقة». وتتحلق المدينة القديمة بمبانيها حول مركز المسجد الجامع الأموي، وما يتصل به من منشآت عامة وأسواق. أما المدينة الحديثة، التي تنامت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945، فقد توزعت مبانيها على طرفي الشوارع التي نظمت عمران المدينة بحسب مشروعات التنظيم التي وضعها مُخطَّط المهندس الفرنسي دانجيه Danger عام (1936)، ومخطط إيكوشار Ecochard، وبانشويا Panshoya عام (1967).
وقد اختلف الطابع المعماري الحديث عن الطابع المعماري التقليدي الذي انتشر في المدينة القديمة ضمن الأسوار وخارجها وفي الأحياء التي أضيفت منذ القرن السادس عشر، مثل الصالحية، والميدان، والقنوات، وسوق ساروجا، والقصاع والعقيبة.
يتميز الطابع المعماري التقليدي بخاصية «الجوانية» بمعنى أن المنشآت العامة والخاصة تبدو منكفئة على الداخل، لا تتصل بالخارج إلا بواسطة بّوابة متواضعة، وليس من واجهات خارجية للمباني، بل إن جميع الواجهات تطل على مركز المبنى وهو الفناء المفتوح نحو الفضاء.
والخاصية الثانية للعمارة التقليدية هي «الزخرفية التشكيلية»، إذ لم يترك المعمار مساحة من الأرض أو السقف أو الجدران لم يتعامل معها تشكيلياً عن طريق الرسم أو التلوين أو النقش أو الحفر أو التنزيل. فإذا صارت العمارة الحديثة كتلة نحتية، فإن العمارة التقليدية مهادٌ لإبداعات فنية متنوعة مازالت علامة متميزة لفن العمارة الدمشقية.
والخاصية الثالثة للعمارة التقليدية هي «الإنشائية»، إذ كانت مادة الطين مادة أساسية في إنشاء المباني الدمشقية. ويعود السبب إلى ندرة الحجارة في دمشق، أما حلب فتتمتع بوفرة مقالعها القريبة من المدينة، مما جعل مبانيها القديمة والحديثة تعتمد على الحجر. ففي مباني مدينة دمشق، رُفعت الحيطان عن طريق تنضيد ألواح الطين المجفف «اللّبن» أو الطين المشوي «الآجر» مدعماً بإطارات ومجازات خشبية. أما السقوف فتغطى بالأعمدة والجسور التي تحمل سطحاً من الطين.
ويستفاد من الحجر الغشيم أو الحجر النحيت في رفع المداميك السفلى للجدران، أو في تأطير الأبواب والنوافذ وفتحات الأواوين، وفي تبليط أرض الفناء والدهاليز والمطابخ، وفي رفع العضادات. ويستعمل في ربط الأحجار ملاط خاص يسمى «حصرمل» وهو خليط مخمّر من السماد والرماد المأخوذ من «قميم» الحمامات، وهو ملاط متماسك يعادل الإسمنت في قوة الربط. ولتكليسة الجدران تستعمل «الطينة»، وهي طين أحمر مقوى بالشعر أو التبن أو خيوط القنب، وتكسى الجدران الداخلية بالكلس المطفأ فوق الطينة.
تقوم تغذية المباني بالمياه على شبكة دقيقة من المجاري والأنابيب، تتصل بموزع «الطالع» الذي يستمد ماءه من شبكة عامة تمتد عبر جميع مباني المدينة، وتنقل مياه الأنهار بسهولة، بسبب دراسة ميول المجاري دراسة دقيقة ما زالت مثار إعجاب الباحثين. وتتوزع المياه في أنحاء المبنى للمساعدة في التنظيف والترطيب وتشغيل المجاري.
مازال هذا التوزيع قائماً على الرغم من دخول مياه عين الفيجة الشروبة إلى المدينة القديمة منذ العام 1924، وحلول الأنابيب المعدنية والقساطل الإسمنتية محل المجاري القديمة.
تختلف خصائص المدينة الحديثة اختلافاً بيناً، فقد قامت هذه العمارة على مبدأ «البرانية»، بمعنى أن تطل أقسـام المبنى على الخارج، ولم يعد للفناء الداخلي مكان في الأبنية التي اعتمدت على المبدأ «الطابقي»، فثمة شقات في كل دور من أدوار البناء المتعالي، منفصلة عن بعضها، ومقسمة إلى غرف ومنافع. وحل محل الزخارف التشكيلية الداخلية، نظام معماري مستمد من النظام الاتباعي الكلاسيكي المحدث New classic، أو من النظام الباروكي Baroque، أو الكولونيالي Colonial، أو المحدث Modern. وتتجلى هذه الأنظمة في واجهات الأبنية الحديثة، ولم يعد للمقياس الإنساني مكان في العمارة الحديثة، إذ تدخل علم العمارة النظري الغربي في فرض مبادئ إنشائية ومعمارية تعتمد الحساب والنظرية، وليس المقياس الإنساني.
وعندما ظهرت مادة الإسمنت حلّت محل مادة الطين والخشب، بل حلّت محل الحجر، وكونت تحولاً في نظام الإنشاء، وخاصة عندما سلّح الإسمنت بقضبان الحديد، مما ساعد على إقامة السقوف دون اللجوء إلى الأعمدة والعضادات، ودون اللجوء إلى الأقواس والقباب والقبوات.
وإلى جانب الإسمنت تهافت المعماريون على استعمال الحجر والرخام والحجر الاصطناعي، ودخل المعدن من حديد وألمنيوم، كما دخل الزجاج في تغطية الواجهات سعياً وراء عمارة حداثوية تزيد من الانفتاح على الخارج ومشاهِدِهِ، وعلى الطبيعة هواءً وشمساً.
مئذنة العروس - المئذنة الشمالية في الجامع الأموي:
تنوعت أشكال العمارة في المدينة القديمة بحسب الوظائف، فكان للمساجد شكل مختلف عن شكل المدرسة أو المشفى (بيمارستان) أو الخان أو الحمام، وعلى قلة الوظائف الاستعمالية القديمة، فلقد كان شكل المبنى شديد الترابط مع الوظيفة.
على أن أشكال العمارة في المدينة الحديثة أصبحت شديدة التنوع وذلك لزيادة الوظائف مما لم يكن له وجود سابق، ثم لظهور طرز معمارية كثيرة منذ القرن التاسع عشر. مـن أهم الـوظـائف المعمارية في دمشق، الوظيفة الدينية المتمثلة بالمساجد.
كان الجامع الأموي الكبير[ر] أقدم آبدة معمارية إســلامية وأكـثرها كمالاً، أنشئ في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك (86-96هـ/705-715م)، وكان على غير مثال سابق، ولكنه أصبح أنموذجاً أساسياً للمساجد التي أقيمت معه أو بعده مباشرة، كالمسجد الأقصى وجامع حلب وجامع القيروان وجامع قرطبة.
أصبحت مآذن الجامع الأموي قدوة في بناء المآذن في المغرب العربي والحجاز وفي الأندلس، وهي مآذن مربعة المقطع حملت اسم «الصومعة»، أضيف إليها في عصور لاحقة مآذن ذات طراز مختلف هو الطراز الشائع في عصر إضافتها.
وفي دمشق مازالت بعض المساجد التي تعود إلى العصور المتلاحقة، لعل أقدمها بعد الجامع الأموي، جامع المدرسة النورية من عهد نور الدين بن زنكي، وجامع التوبة وجامع الحنابلة من العصر الأيوبي، وما زالت قائمة معالم جامع تنكز المملوكي إلى جانب عدد من المساجد المملوكية، مثل جامع التيروزي، ومن المساجد العثمانية التكية السليمانية[ر] وجامع محي الدين بن عربي وجامع درويش باشا وجامع سنان باشا.
وتطور شكل عمارة المسجد في دمشق الحديثة، فمع أن أكثر المساجد الحديثة استعادت الأسلوب المملوكي في تشكيل المآذن والقباب والزخارف، إلا أنها استغنت غالباً عن الصحن واكتفت بالبناء كله كحرم جامع للمصلين، كذلك تضمنت أكثر المساجد الحديثة مرافق جديدة، مدرسة أو قاعات اجتماع أو مستوصفاً، مما اقتضاه الواقع الاجتماعي المتطور.
المدرسة الجقمقية من الداخل:
بيمارستان نور الدين (الفناء الداخلي)
انتشرت في المدينة القديمة وخارجها، وفي الصالحية منشآت خاصة بالتعليم هي «المدرسة» التي ظهرت منذ القرن الثاني عشر، ومثالها المدرسة النورية والمدرسة الركنية (ق13) والمدرسة العادلية (ق13) والمدرسة الظاهرية (ق13) والمدرسة الجقمقية (ق15) والمدرسة السيبائية (ق16) ثم المدرسة السليمانية (ق16) وغيرها.
وفي المدينة الحديثة انتشرت أبنية هامة لاستيعاب المدارس، وقبل إنشاء المدارس الأجنبية كالعازارية واللاييك (العلمانية) والفرنسيسكان، أنشئت مدرسة الطب ومدرسة دار المعلمين حسب الطراز الكلاسي (وزارة السياحة اليوم). ثم أنشئت المدرسة التجهيزية (ثانوية جودت الهاشمي) 1933 للمهندس سليمان أبو شعر، ثم مبنى دار المعلمين الابتدائية (مقر القيادة القطرية)، وقد أنشئت تقليداً للطراز العربي.
أما المشافي والخانات والحمامات، فقد بقي من المشافي القديمة في دمشق بيمارستان نور الدين (ق12) والبيمارستان القيمري (ق13)، ويتألفان من مجموعة المقاصير وإيوان، تحيط فناء المشفى. وفي المدينة الحديثة أنشئ المشفى الفرنسي والمشفى الإيطالي، وانتشرت المشافي العامة المجانية والمشافي الخاصة بتزايد مستمر.
أما الخانات وهي كثيرة في دمشق تعود إلى العصر العثماني، ووظيفتها إيواء المسافرين والقوافل واحتواء بضائع التجار، ومن أهمها خان أسعد باشا العظم[ر] الذي وصفه لامارتين الشاعر الفرنسي بكثير من الإعجاب، ولقد انتهى بناؤه عام 1172هـ/1756م واستملك مؤخراً ورمم ليصبح سوقاً سياحياً، وهو من أضخم الخانات تبلغ مساحته 2500م2، مؤلف من طابقين مشرفين على الصحن ويحوي واحداً وعشرين مخزناً في الطابق السفلي وخمساً وأربعين غرفة في الطابق العلوي، ويغطي البناء ثماني قباب، وفي وسط الباحة بركة مثمنة.
وتشتهر دمشق بحماماتها العامة، وكان فيها مئة حمام عندما زارها ابن جبير (117م) ويتألف الحمام من ثلاثة أقسام، البارد والدافئ والحار، ومن القميم، وتعلو مقاصيره قباب ذات عيون زجاجية. ومن الحمامات المشهورة في دمشق، حمام التيروزي وحمام الجوزي والسروجي والورد.
مقر الحكم الأموي غربي الجامع الأموي
أما عمارة المباني الرسمية، فلعل من أهم المباني العامة، المنشآت الرسمية التي تضم الوزارات والدوائر والدواوين المخصصة للإدارة وللخدمات العامة، وأقدم هذه المباني مقر الحكم الأموي الذي أنشئ غربي الجامع الأموي ومتداخلاً معه في الصالات التابعة له والتي تسمى «مشهد» ولقد ضمّ هذا المقر دواوين الدولة التي تنامت في عهد عبد الملك بن مروان وابنه الوليد، وما زالت أثارها واضحة في منطقة المسكية.
ومنذ القرن الثاني عشر الميلادي كانت سلطة الدولة محصنة في بناء ضخم مازال ماثلاً هو قلعة دمشق[ر] أهم معالم دمشق المعمارية، وتقع في الزاوية الشمالية من دمشق القديمة، وكان الملك العادل الأيوبي قد أنشأها عام 615هـ/1218م على أنقاض قلعة سلجوقية أنشئت عام 469هـ/1076م. لها أربعة أبواب واثنا عشر برجاً، ويحيطها خندق مائي، وفيها مسجد وقصر ودور.
وازداد عدد المباني الرسمية، وخاصة مباني الوزارات مثل وزارة التربية ووزارة المالية ووزارة التعليم العالي ومبنى الجمارك العامة وهي أبنية عصرية الطراز.
وظهرت في دمشق منذ عام 1970 منشآت عامة ذات وظائف جديدة مثل الملاعب الثلاثة الكبرى وكليات جامعة دمشق، وبناء مكتبة الأسد الوطنية، وبناء المسرح، وصرح الشهيد، وبانوراما حرب تشرين التحريرية، ولقد حاول المعماريون في البنائين الأخيرين التقيد بالطابع الأصيل، بينما صممت المباني الأخرى حسب الطراز الحديث.
نهضت العمارة السكنية الخاصة بسرعة توازي زيادة السكان وتطور الحياة الاجتماعية، ومن أبرز العمارة الخاصة البيت الذي تختلف عمارته في المدينة القديمة عنها في المدينة الحديثة.
قصر العظم نموذج للبيت الدمشقي:
يعد البيت الدمشقي القديم من أنجح ما توصل إليه المعمار لخدمة الوظيفة السكنية وشروطها الاجتماعية، وقد كان هذا البيت على مقياس صاحبه، يحقق له السكنى والسكينة، والأمن والحماية، والاستقلال والحرية، والسترة من فضول الآخرين، والمتعة بجمال الطبيعة، الماء والنبات.
ويقوم البيت الدمشقي على مبدأ «الجوانية» المذكور سابقاً، وهو مؤلف من قسمين قسم الاستقبال وقسم المبيت، وقد يضم قسم الخدم ومرآب العربات والاصطبل، ونموذج هذا البيت، قصر العظم في البزورية، والبيوت العادية التي تخص عائلات معروفة مازالت قائمة حتى اليوم، منها بيت نظام وبيت السباعي وبيت خالد العظم وبيت السقا أميني وبيوت الدحداح، والمجلد وجبري والصفدي وبيت عنبر، وقد استملكت بعض هذه البيوت ورممت لتصبح مراكز إدارية لحماية المدينة ولنشر الثقافة.
وتتألف هذه البيوت من طابقين، وفي كل طابق عدد من الغرف تنفتح كلها على فناء الدار «الديار» الذي يلعب دوراً مهماً في حماية المسكن من مؤثرات الخارج، الحرارة والتلوث والضجيج. وفي الطابق السفلي ينهض إيوان ضخم ينفتح على مشهد الفناء المزين، والمعطر بـأنواع النباتات العطرية الفل والياسمين والشمشير وأشجار النارنج والليمون، والتي تشكل فردوساً يستقي معينه مـن نوافير البرك «البحرات» وإلى جانبي الإيوان قاعتان أو قاعة واحدة عالية السقف ذات مصطبة «طزار» تزين جدرانها كتبيات خشبية تتصل بزخارف السقف، وتحيط الأثاث الدمشقي المؤلف من أرائك وسجاجيد وقطع نفيسة.
وفي القسم المنخفض من القاعة ويسمى «درقاعة» بركة ذات فسقية وفي الجدار سلسبيل «المصب» تصل مياهه إلى البركة حيث تنقذف من خلال النافورة.
وفي الطابق السفلي، المطبخ المشترك وغرف أخرى تستعمل للإقامة صيفاً، أما الطابق العلوي فهو مخصص للإقامة شتاءً في غرف عادية قد تتصل بشرفة «مَشْرقة» تظللها عرائش كبيرة.
تمتاز العمارة السكنية الدمشقية بعامل التكييف الطبيعي، حيث تلعب المياه المتحركة على سطح السلسبيل أو النافرة من صنابير النوافير دوراً مرطباً، كما تلعب العتبات والطزرات دور الوقاية من الهواء البارد والملوث، ضمن نظام مدروس.
من روائع الأعمال التشكيلية في المباني العامة فسيفساء الجامع الأموي الكبير، وفيه مشاهد طبيعية لعلها تمثل الفردوس، أو أنها تمثل العالم الواسع الذي انتشر فيه الإسلام كما يقال، وعدا الفسيفساء الذي عاد إلى الظهور في بناء المدرسة الظاهرية المملوكية كانت صناعة الخزف قد تطورت وانتشرت في دمشق، وجميع الألواح الخزفية الملونة التي تسمى «القيشاني» والتي كانت في الجامع الأموي، أو ما زالت في المباني العثمانية، مثل التكية السليمانية والدرويشية والسنانية، هي ألواح دمشقية.
القاعة الشامية في المتحف الوطني بدمشق:
تزهو المساكن الدمشقية بزخارف خشبية تسمى «العجمي» وهي ألواح ملونة بمواضيع زخرفية بارزة أو تشبيهية تغطي الجدران والسقوف، ومثالها الرائع نراه في القاعة الشامية في المتحف الوطني بدمشق، وفي القاعة الدمشقية في متحف متروبوليتان Metropolitan في نيويورك وفي جامعة نيويورك، ويزدهي قصر العظم وبيت العظم كما جميع البيوت الدمشقية المسجلة أثرياً، بهذه الكسوة الخشبية المزخرفة، إلى جانب زخارف حجرية وملاطية تقوم على تنزيل الملاط الملون على الحجر بأشكال هندسية رائعة، وتسمى هذه الطريقة الزخرفية «الأبلق» ومازال واضحاً منذ القرن السادس عشر وما بعده في العمارة الدمشقية.
وعوضاً عن الفسيفساء المؤلف من فصوص زجاجية أو حجرية ملونة، فلقد أبدع الفنان الدمشقي نوعاً من الفسيفساء الحجري يسمى «المشقّف» ويقوم على تقطيع فصوص الحجر بأشكال هندسية مختلفة، تشكل بتجمعها صيغاً رقشية هندسية تغطي فسقيات الماء التي تزين الصالات والمصبّات، ويبلغ عدد فصوص إحدى البحرات خمسة آلاف فص حجري هندسي.
ثمة نوع من الفسيفساء استعمل في زخرفة الأثاث الخشبي، ولكن عوضاً عن الحجر استعمل العاج أو العظم مرصعاً بقضبان الذهب أو الفضة، ويسمى موزاييك نسبة إلى الفسيفساء.
كذلك انتقل التشكيل الفني والترصيع إلى الأواني النحاسية التي حفلت بزخارف بارزة أو غائرة، مرصعة بقضبان الفضة أو الذهب بأشكال هندسية أو نباتية.
وفي مجال النسيج برع الدمشقيون في العصر المملوكي بصناعة السجاد الدمشقي المؤلف من أشكال هندسية مثمنة ملونة بالأحمر والأزرق القاتم، وفي متحف فيينة ومتحف ميتروبوليتان نماذج من سجاد دمشق الذي يتميز بوضوح عن السجاد الإيراني والتركي، وإلى جانب السجاد برع الدمشقيون بإنتاج نسيج «الدامسكو» والأقمشة الحريرية.
ذكر المؤرخون أنواع الصناعات الفنية التي انتشرت في دمشق، ومن أهمها الأقمشة الحريرية كالخز والديباج الذي يضاهي ديباج الروم وأصفهان، وهذه صناعة يدوية تقوم على الأنوال البدائية وعليها يبدع الصانع أجمل الأشكال والألوان. وتركزت هذه الصناعات النسيجية الفنية في منطقة القيمرية التي أطلق عليها اسم الهند الصغرى نظراً لمضاهاة صناعتها إنتاج الهند.
ومن الصناعات الفنية نفخ الزجاج الذي تجمع في منطقة الشاغور، ومازال هذا الفن مثار تقدير وإعجاب، وكانت أفران تذويب الزجاج تقوم على وقود «الجفت» المكون من قشر الجوز وبقايا عصر الزيتون، ثم استعملت المصادر الحرارية الكهربائية والبترولية.
ومازالت فنون الحفر والترصيع منتشرة في الشارع المستقيم، امتداداً لسوق مدحت باشا، وتزهو هذه المنطقة بمحلات لبيع البروكار والأغباني والدامسكو والقطع النحاسية المنزلية أو الخشبية «الموزاييك» وصناعة المينا.
ولعل أكثر الصناعات الفنية الدمشقية شهرة هي صناعة السيف الدمشقي المؤلف من قبضته المزخرفة والمرصعة، ومن شفرته المصنوعة من الفولاذ الدمشقي المرن ذي التمشيح الطيفي اللون والذي يطلق عليه اسم «الجوهر». ومازالت صناعة الفولاذ الدمشقي وتمشيح الجوهر من خصائص الصناعة الدمشقية، ويسعى المختصون في العالم إلى تقليدها.
الفن التشكيلي (المخطوطات والفن الحديث)
مع أن التمثيل والتشبيه لم يكن مسوّغاً دائماًً، تبعاً لتقليد منع التشبيه تقيداً بأحاديث شريفة، إلا أن هذا الفن بدا في ترقين المخطوطات الدمشقية أي تـزويـدهـا بـرسوم إيضاحية، نرى ذلك في مخطوط «مختار الحكم ومحاسن الكلم» (ق7هـ/ق13م) وكتاب « قانون الدنـيا وعجائبها «لأحمد المصري (971هـ/1563م) ومقامات الحريري (699هـ/1300م) ومقامات أخرى زوقها غـازي بـن عبد الرحمن من دمشق (699هـ/1300م) موجودة فـي مكتبة الدائرة الهندية - لندن. وكتاب «الحيوان» للـجـاحظ (ق 8هـ/ق14م)، موجود في مكتبة الدولة - ميونيخ، وكتاب «كليلة ودمنة» (756هـ/1354م) موجود في المكتبة الوطنية - باريس وغيرها. وخاصة رسوم القصص الشعبية، ويقوم فن التصوير في هذه المرقنات الدمشقية غالباً على التبسيط الواقعي والتلوين الجميل المحفوف برسوم الطبيعة والإنسان والحيوان.
انتشر الفن التشكيلي في دمشق بداية على شكل الرقش (أرابيسك)، وما إن انفتحت دمشق في بداية القرن العشرين على الإبداع الحديث في الغرب حتى ظهر فن اللوحة وفن التمثال على يد الرواد الأوائل، مثل توفيق طارق وعبد الوهاب أبي السعود، ثم تبنت وزارة المعارف تعليم الفنون التشكيلية ودعم الفنانين، إلى أن تولّت وزارة الثقافة منذ عام 1959 مهمة رعاية الفن، من خلال المعارض والمؤلفات. وظهرت أجيال من الفنانين التشكيليين في مجال التصوير والنحت والحفر والزخرفة الداخلية والإعلان، بعد إنشاء كلية الفنون الجميلة في دمشق منذ عام 1959 وبعد إنشاء مراكز الفنون التشكيلية، وتزهو دمشق بروائع النحت التي تزين الحدائق العامة والساحات، كما يزهو المتحف الوطني بدمشق بروائع الفن التشكيلي، الرسم والنحت والحفر، ويسعى الفنانون التشكيليون إلى تحقيق الأصالة الجمالية في أعمالهم الفنية الحديثة التي تواكب مدارس الفن في العالم.