اللوحة للفنان الفلسطيني الصديق يوسف كتلو... 50×150 – زيت على كانفس – تشرين ثاني 2015 *** "وذكرى عن خواطرها لقلبي * إليكِ تلفُّتٌ أبدا وخَفْقُ جزاكُمْ ذو الجلالِ بني دمشقٍ * وعزُ الشرقِ أولُهُ دمشقُ" *** أفق يرحل نحو الضوء... والأرض قوس قزح... قرص الشمس يعانق البعيد ويأتي... مدى فسيح وشاسع كالأمنيات القادمة لا محالة... دمشق وسيفها المشرع في وهج السماء... وفلسطين ناسٌ يمتشقون ذاتهم وينهضون إلى جانب السيف كتوأم... مساجد وكنائس تتساند كالسنابل... تاريخ يحكي رواية الأرض وناسها... خيلٌ تحمل أوطانا... تحمل أقدرا وترمح صاهلة مع الريح... تحضن بيوتا وناسا ينامون على وعد لا يغيب... وعد من زيت وزيتون وسماءٍ ليس لها حدود. إلى الشمال قليلا سنابل القمحٍ تغني "ع البال بعدك يا سهل حوران"، وفي الجنوب قليلا ترد دوالي العنب المتعربشة على سفوح الخليل والجليل التحية "أذكر يوما كنت بيافا..خبِّرنا خبِّر عن يافا"...فيتعانق يمام دمشق مع يمام القدس ويحلِّقان. تطلق فلسطين ضفائرها مع الريح شمالا... إلى حيث قلبها وروحها؛ دمشق... هذه ليست همسة عاطفة طارئة... وإن كان للعاطفة كل ما يليق بها حين تعانق فلسطين سورية... هو هذا وأكثر... هو نداء الانتماء والوفاء ونذور التاريخ... وكل كلمة هنا لها معنى. فلا فلسطين بدون الشام هي فلسطين.. ولا الشام بدون فلسطين هي الشام... هكذا تُعلِّم معادلات التاريخ والأرض والسماء والناس... ومعادلات التاريخ لا تكذب خبرا أو قولا... من على ضفاف بردى وسفوح قاسيون ترسل الشام عينيها جنوبا نحو الجليل والقدس وغزة... نحو أحلامها .. وقلبها الذي يغفو على صدر المتوسط... نحو وطنٍ يزهر عند حافة البحر برتقالا ورمّانا... ولا تفارق عيناه نجمة تشع في الشمال... فلسطين لا تنسى ذاتها... ولا تنسى من خاض لأجلها ألف حرب وحرب منذ بدء التاريخ... فكيف تنسى نصف روحها...!؟. هناك من يخلط اللحظة بالتاريخ فيخطئ... وهناك من يختزل فلسطين بهذا أو ذاك فيخطئ أكثر... تقول ألواح الطين الكنعانية: لكي تفهموا وتعرفوا عودوا دائما للسياقات العميقة... هناك أكون... قد أصمت قليلا لأي سبب.. ولكن إياكم أن تخلطوا أو تخطئوا... فحين يَجِدُّ الجَدُّ تكون فلسطين حيث يجب أن تكون تماما... نعم... ففلسطين التي نؤمن بها ونعرفها لا تملك نفطا أو غازا... لكنها تملك تاريخا وعيا وذاكرة... مرجعيتها إنسانيتها وعروبتها... قد تضيع أو تخطئ أو تنحرف بوصلة بعض من فيها.. أما بوصلة فلسطين العميقة... الناس والمكان والتاريخ ، فلا تخطئ ولا تنسى... لهذا فهي تؤشِّر دائما حيث يجب. تقاوم بما تيسر من شبابها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا... مقاومة ممتدة وطويلة... ربما ليس كما تريدون... قد تصمت قليلا ولكنها حتما ترد... ربما ليس كما تريدون... هكذا هي... ذلك لأنها تقاوم وترد على طريقتها... وكما يقول الفلاح الفلسطيني: "تغني موّالَها على هواها"... وهواها في كل الأحوال، إن ابتسمت أو عبست، هو ذات هواء بلاد الشام... قولوا ما شئتم.. ولكن تذكروا أن فلسطين لا تقاوم ولا ترد وفق حسابات اللحظة ...بل وفق حسابات التاريخ... ليس بالحديد والطائرات والدبابات والجيوش... بل بما هو أكثر من هذا عمقا وجمالا وعنادا وبسالة: تقاوم بجسدها وروحها وناسها وأطفالها وبناتها وأشجارها... هنا عبقرية فلسطين لمن ينسى... فلا تحبسوها في قيود تنظيم أو حزب أو زعيم أو قائد أو لحظة منحوسة عابرة... إنها كما الشام تماما... تجد فيها كل شئ... لكنها تبقى كما الشام تماما عابرة للتاريخ والأسماء والزعماء والتجار والطوائف والغزاة واللصوص... جميعهم يذهبون أو يرحلون.. لكنها تبقى حيث هي تصهل على مدى الكون... هي فلسطين ندٌّ لكل ما عداها... كما هي الشام ندٌّ لكل ما عداها... وفلسطين والشام لم تكونا يوما سوى حقل قمح ونخيل وخيل وأرض وسماء واحدة... يا شام يا أختنا في الروح... نأتيك بأفراحنا ودمعنا ودمنا المقاوم... نعرف يا شام أنك تقاتلين اليوم بكل أثقالك... لكننا لا نخاف... فنحن نعرف أيضا أن عند أقدام الشام وبأسها تسقط الخيانة والارتداد والبؤس والنذالة.. فلولا عنادك وصبرك وبسالتك لعاث اللصوص والقتلة والغزاة والجهل والتخلف في وعينا وثقافتنا وذاكرتنا ودمنا وأحلامنا ما شاؤوا... ومن لا يدرك ذلك لا يعرف خوافي التاريخ في هذا الشرق الباسل والقاتل... الملتبس والواضح.. حيث النقيض ونقيضه... البداية والنهاية... الأساطير الأولى وأبجدية الإنسان... هنا تتقرر مصائر أمة بكاملها بل وأبعد من ذلك... مصائر الإنسان. بعد كل هذا، نقول لك يا شام بأننا نعرف أن استهداف فلسطين منذ أكثر من قرن ويزيد لم يكن عبثا أو صدفة... ونعرف بذات اليقين أيضا أن استهداف سورية لم يكن عبثا أو صدفة... فهنا ذاكرة الإنسان الأولى... هنا مهد طفولته ويفاعه... هنا كان وعيه ونضوجه... هنا سر مجد الأمة. والغزاة والعابرون يدركون هذه الحقائق.. كما يدركون بديهيات التاريخ وخوافي الإنسان في شرقنا العربي... لهذا فهم يعرفون أنه بدون قهر وكسر بلاد الشام... وبدون إغراق درّة وادي النيل مصر، وبدون إطفاء جمرة بلاد الرافدين، وبدون سحق زهرة العرب اليمن، وبدون تحطيم أيقونة كرامتنا الجزائر... لن يمرّوا. هي ضريبة التاريخ والدور إذن... ندفعها ونقاوم... والتاريخ لا يكون إلا مع من يقرر أن يكون... وفي النهاية لن يمرّوا!. ============
اللوحة والنص هما موقف ويقين ورسائل في العمق... أرسلت لنا من فلسطين .. ويجب أن تنشر في كل مكان وليس فقط على شبكات التواصل... لأنها عصارة قلب وعقل ورؤية... وليس عاطفة أو مجاملة... فقد صمدنا معا حين كانت اللحظات منحوسة وعابسة.. والآن نقف عند خط الوضوح والنصر...