عرّف قانون الآثار السوري الآثار بأنها "الممتلكات الثابتة والمنقولة التي بناها أو صنعها أو أنتجها أو كتبها الإنسان قبل مئتي سنة ميلادية أو مئتين وست سنوات هجرية". ويمكن عدّ ممتلكات أحدث أثرية إذا كان لها خصائص تاريخية أو فنية أو قومية مميزة؛ إذ الآثار الثابتة هي المتصلة بالأرض، والمنقولة هي المصنّعة؛ لتكون منفصلة عن الأرض أو عن الآثار الثابتة.
إن حماية التراث هي حماية للهوية، ولذلك تُعنى البلدان بالحماية الوطنية من خلال وجود قوانين تُحدِّد كل ما يتعلق بحفظ الآثار والتراث وإبرازهما heritage conservation and presentation، فتسجيل أثر على قائمة المواقع الأثرية الوطنية هو إقرار الدولة بأهميته التاريخية أو الفنية أو القومية، وكذلك العمل على حفظه وصيانته ودراسته والانتفاع منه.
يأتي حفظ التراث على المستوى الدولي من خلال اتفاقيات بوصفه يخص الإنسانية جمعا رغم وجوده ببلد بذاته. وتُصدِر اليونسكو قائمة تسجيل (نماذج) تراثية فيها قائمة للتراث الثقافي والطبيعي World Cultural Heritage List وقائمة للتراث المعنوي World Intangible Heritage List. ومن أساسيات التسجيل على قوائم التراث: أن تكون الدولة صاحبة "الأثر" ضمن اتفاقية الحماية، وأن يكون "الأثر المُقترح" محميّاً أصلاً وفق القوانين الوطنية، وله "قيمة عالمية استثنائية"، وكذلك تطابقه مع واحدة أو أكثر من الخصائص المحددة للتسجيل. وتعدّ سورية من أوائل الدول التي وقّعت اتفاقية حماية التراث الثقافي واللامادي، ولها عدة مواقع مسجّلة على قائمة التراث الثقافي العالمي، منها: مدينة دمشق القديمة وبصرى وتدمر ومدينة حلب القديمة وقلعة الحصن وقلعة صلاح الدين. وهناك مواقع أخرى تنتظر مثل: نواعير حماة وإيبلا وأفاميا ومعلولا وطرطوس القديمة ودورا أوروبوس وجزيرة أرواد وماري والرقة وأوغاريت وقصر الحير الشرقي وقلعة سمعان وسواها.
بدأت حماية التراث بحفظ قطع أثرية مهمة ومميزة ونقلها إلى القصور وبيوت الأثريا ، وفيما بعد أُنشئت المتاحف التي تحتفظ حتى الآن بالقطع الفريدة رغم تنوع مواضيعها، إلى أن تم إيجاد متحف الموقع أو عرض يُقدم أقرب تصوّر متكامل للتراث. وتتغير مراحل حماية التراث وفق التبدلات ومتطلبات الحماية وبحسب الإمكانات المادية والإبداعية، فحفظ التراث الثقافي وطنياً تدرّج من حفظ الأجزا المهمة إلى حفظ أشمل وأعم يُعنَى حتى بالمعنوي منه، وعالمياً تم البد بمواثيق دولية للوصول إلى معاهدات حفظ التراث الثقافي وما تحت المياه وغيرها للوصول إلى اللامادي والتنوع الثقافي. كما أن قوانين الحماية وأساليبها ليست ثابتة كذلك، فالحماية كانت تُطبقها السلطات الأثرية وحدها، ثم أتت إدارة التراث Heritage Management في العقود الأخيرة؛ لتضم كل الأطراف والجهات المهمة بالتراث. وقد بُدِئ بإشراك المجتمع المحلي في هذا المجال حيث تُضَم الجهود كلها لحفظ أكبر كمية من "المفردات" التراثية مهما كانت أهميتها. فالناس يرغبون في أن تُسمع آراؤهم وتزداد فاعليتهم بازدياد انخراطهم في أي مشروع؛ ولاسيما التراثي لأنه انعكاس للهوية والخصوصية. كما تتجه مشاريع الحماية الآن نحو الإدارة التشاركية والتفاعلية participative management؛ على أن يؤخذ في الحسبان الكمية والنوعية للمشاركة ودمج مهارات مختلفة والتعاون مع جهات متعددة واعتماد "اللغة" القريبة من الناس واحترام اعتبارات الأهالي في الحفظ وكذلك دمج الخبرا والمختصين على نحو لطيف مع الأهالي من دون تسلط أو تكلُّف.
إن إدارة التراث هي تنفيذ ما يضعه الخبرا في مختلف المجالات من خطط وبرامج بهدف حفظ التراث وتقديمه وتسوية الخلافات المتعلقة بقضاياه عند الحماية والاستخدام. وتواجه المؤسسات الثقافية عامةً والتراثية خاصةً في كل مكان تحديات مختلفة، ولهذا يتمحور دور الإدارة الثقافية/ التراثية في مناقشة هذه التحديات وخلق الوسائل المناسبة للتعامل معها. وبما أن الثقافة - ومن ضمنها التراث - تشمل التقاليد والحداثة؛ فهي تتطلب الحماية والتغير، وهي نمط حياة وهوية مجتمع، وتنال كل جز من الحياة، فحفظ البيئة الثقافية والتراثية ضرورة، وتنشيطها اقتصادياً مهم كتقديم فرص عمل واستثمار، إضافة إلى صيانة أهميتها المعنوية؛ مما يُحسن بالنتيجة نوعية الحياة، ويقوي المجتمع، ويحفظ هوية الوطن وخصوصيّته بالمجمل في زمن ثقافة العولمة.
مراجع للاستزادة:
- Bernard M. FEILDEN and Jukka JOKILEHTO, Management Guidelines for World Heritage Sites. (2nd ed.), ICCROM (Rome 1998).
- Gordon GRIMWADE and Bill CARTER, Managing Small Heritage Sites with Interpretation and Community Involvement. International Journal of Heritage Studies 6 (1) (Routledge, 2000), pp. 33-48.
- Douglas HURT, Agricultural Museums: A New Frontier for the Social Sciences. The History Teacher 11 (3): Society for the History of Education (1978), pp. 367-375.
________________________________________