ما تأثير الإضراب عن الطعام على الاحتلال وإدارة مصلحة سجونه؟ وهل حقاً حققت الحركة الأسيرة الفلسطينية جدوى من وراء استخدامها ذلك السلاح؟
أعلنت الهيئة القيادية لأسرى الجهاد الإسلامي في السجون الإسرائيلية تعليق إضرابها المفتوح عن الطعام بعد تسعة أيام من بدئها له، وذلك بعد جلسات حوار طويلة بين ممثليها وإدارة مصلحة السجون الإسرائيلية، على مدار أكثر من ثلاثة أيام خضعت بعدها إدارة السجون الإسرائيلية لمطالب أسرى الجهاد والحركة الأسيرة في فترة زمنية قصيرة.
وبعيداً عن دلالات هذا الإنجاز الكبير للحركة الأسيرة الفلسطينية بقيادة أسرى حركة الجهاد الإسلامي، والذي يعتبر استكمالاً لكسر غطرسة المنظومة الأمنية الإسرائيلية، التي حقّقتها عملية انتزاع الحرية في سجن جلبوع، والتي على إثرها شرعت إدارة السجون الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية في معاقبة أسرى الجهاد الإسلامي، إلا أن هذا الإنجاز يفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات حول قضية الإضراب المفتوح عن الطعام، وكيف تحوّل إلى سلاح مقاومة استراتيجي في أيدي الأسرى الفلسطينيين ضدّ إدارة السجون الإسرائيلية؟ وما تأثيره على دولة الاحتلال وإدارة مصلحة سجونها؟ وهل حقاً حققت الحركة الأسيرة الفلسطينية جدوى من وراء استخدامها ذلك السلاح؟
يعتبر اتخاذ الأسرى الفلسطينيين قرار الإضراب عن الطعام، سواء على المستوى الجماعي (الإضرابات الجماعية) أم على المستوى الفردي (الإضرابات الفردية) بمثابة وصولهم إلى مرحلة نفسية وتعبوية تتساوى فيها قيمة مطالب الإضراب بقيمة حياتهم وأرواحهم، بمعنى أن الأسير الفلسطيني في اللحظة الذي يعلن فيها إضرابه المفتوح عن الطعام يدرك تماماً وباقتناع راسخ أنه يعلن استعداده لفقدان حياته في سبيل تحقيق مطالب إضرابه، والتي بالتأكيد تندرج تحت عناوين في أغلبها ذات علاقة بالكرامة والحرية واستقلالية الحركة الأسيرة، وتحسين الحياة المعيشية داخل الأسر، وبالتالي اقتناع الأسير الفلسطيني بعدالة مطالب الإضراب ومشروعيّتها، وعناده وإصراره على إجبار دولة الاحتلال على تحقيقها، واقتناعه الراسخ بأنه قادر على تحقيق ذلك، يمثّل العامل الرئيسي في نجاح الإضراب، الذي لا تُقدِم الحركة الأسيرة عليه إلا بعد استنفادها للأساليب النضالية والاحتجاجية كافة من أجل تحقيق مطالبها الإنسانية، حيث من الجدير بالذكر أن الإضرابات المفتوحة عن الطعام، بكل ما تحمله من قسوة على حياة الإنسان وجسده، مثّلت الوسيلة النضالية الأكثر نجاعة لدى الحركة الأسيرة الفلسطينية على مدار تاريخها، في فك شيفرة تعنّت سادية ونازية دولة الاحتلال وإدارة سجونها، ومراكمة إرثها التنظيمي والحياتي.
تدّعي "اسرائيل" في تعريفها لذاتها أنها دولة يهودية وديموقراطية، كما ورد ذلك في وثيقة الاستقلال المزعومة عام 1948، الأمر الذي جعل من الديموقراطية مكوّناً رئيسيّاً في البروباغندا التسويقية التي تحاول دولة الاحتلال استجلاب شرعيتها من خلالها أمام المجتمع الدولي ومؤسّساته، وبالتالي صورة الديموقراطية المحافظة على حقوق الإنسان تمثِّل أهم الأقنعة التي تختبئ خلفها بشاعة الوجه الصهيوني الاستعماري الإحلالي الحقيقي، لذلك فإن من عوامل الخشية الإسرائيلية من الإضرابات المفتوحة عن الطعام كشفَ حجم النازية والفاشية اللتين تمارسهما إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية تجاه الأسرى الفلسطينيين، وإزالةَ الستار عن قوانينها العنصريةِ تجاه كلِّ ما هو فلسطيني، وأنها دليل قاطع على عدم التزام دولة الاحتلال بوثيقة جنيف الرابعة، الأمر الذي يفضح أكذوبة الديموقراطية الإسرائيلية الزائفة، فضلاً عن قدرة الإضراب، بما فيه من وجع إنساني مهول، على وضع قضية الأسرى الفلسطينيين، بما تحمله من بعد وطني وسياسي وحقوقي، على أجندة الإعلام الدولي، الأمر الذي يزيد من التعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية بشكل عام وقضية الأسرى الفلسطينيين بشكل خاص، وبالتالي تنظر إليه "إسرائيل" على أنه خطر استراتيجي على شرعية وجودها وتهديد لها على المدى البعيد.
تمثّل الحركة الأسيرة الفلسطينية أيقونة النضال الفلسطيني، وتمثل ركيزة من أهم ركائز الوحدة الفلسطينية، سواء على المستوى الشعبي أم على المستوى السياسي، حيث لا يوجد بيت فلسطيني لم يذق مرارة السجون الإسرائيلية، ولذلك تمتلك الحركة الأسيرة قدرة كبيرة على تحريك الشارع الفلسطيني، بما تملكه من رصيد هائل في وجدان وعاطفة الكل الفلسطيني الوطني، الأمر الذي يترجَم حالةً نضالية واحتجاجية دعماً وإسناداً للأسرى في حال ذهابهم إلى الإضراب المفتوح عن الطعام، حيث هناك علاقة طردية ما بين قوة دعم الإضراب شعبياً والتأثير على أمن "دولة" الاحتلال، فزيادة الدعم الشعبي للإضراب تنعكس سلباً بشكل تلقائيّ على أمن الاحتلال، وخاصة إذا كان توقيت الإضراب مدروساً بعناية، بحيث يحقّق أكبر تأثير على حالة "إسرائيل" السياسية والأمنية على الساحة الفلسطينية أو الإقليمية. لذلك، من أكثر المراحل صعوبة لدى الحركة الأسيرة الفلسطينية أثناء النقاشات التحضيرية للإضراب هي مرحلة اختيار توقيت البدء بالإضرابات، ولا سيّما الجماعية، لما يحمله التوقيت من تأثيرات حاسمة على نجاح الإضراب وفشله.
تدير "إسرائيل" أمنها بناءً على استراتيجية إدارة الأولويات الأمنية، حيث من الممكن أن تتعايش مع تهديد أمني أقل خطورة في سبيل منع تهديد أمني آخر أكثر تهديداً وخطورة، فضلاً عن التزامها بقاعدة الربح والخسارة التي تقود التفكير الإسرائيلي عند التعاطي مع كل القضايا، بما فيها القضايا الأمنية.
تدرك المقاومة الفلسطينية تلك المسألة جيّداً، لذلك تستفيد منها في حالة دعمها ونصرتها لإضرابات الأسرى، ولا سيّما بعد تزايد قدرات المقاومة الصاروخية على تهديد الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وخاصة من قطاع غزة، الأمر الذي منح إضراب الحركة الأسيرة الفلسطينية ورقة قوة إضافية، حيث بات المستوطن الإسرائيلي يربط ما بين أمنه الشخصي واقتصاده وحياته اليومية وبين تعنّت حكومته وإدارة سجونها تجاه الأسرى الفلسطينيين، من خلال معادلة أرساها الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الأستاذ زياد النخالة في الإضراب الأخير، ومفادها (المساس بحياة الأسرى المُضربين معناه الحرب).
وبالتالي بات الإضراب يؤثر على المناحي الحياتية كافة في "دولة" الاحتلال، الأمر الذي زاد من معدلات الخسائر الإسرائيلية مقارنة بما ستكسبه من تعنّتها تجاه الأسرى المضربين عن الطعام، وخاصة إذا كان الاستقرار والهدوء مطلبين لحلفاء الاحتلال، ما يرفع وتيرة ضغطهم على المستوى السياسي في "إسرائيل" للاستجابة لمطالب الإضراب، وتقصير عمره الزمني