أحد الضباط الفرنسيين والذي كان موجودا بسوريا في مرحلة الاحتلال الفرنسي كتب في مذكراته جملة شهيرة ولكنها لم تصل الى مسامع أحد لا في سوريا ولا في الدول العربية لأنها تقزمهم أكثر مما هم أقزام.
قال " لو علم العرب ما جرى للفرنسيين في معركة المزرعة لاعتبروه يوميا قومياً"
هل سمعتم ؟
قال العرب ولم يقل سوريا لانه يدرك ان معركة المزرعة لا تقل قدرا عن معركة اليرموك والقادسية ونهاوند وعين جالوت .. بل هي أهم منهم جميعا فتلك المعارك قد دارت بين فريقين يملكان نفس السلاح تقريبا مع فارق العدد في بعض الأحيان، لكن معركة المزرعة حصلت بين فريقيين مختلفين كليا بالعدة والعتاد.
فالجيش الفرنسي كان عديده 13 الف جندي وضابط مجهزين بأحدث أنواع الأسلحة آنذاك من طائرات ودبابات ومدرعات ورشاشات وبنادق ... مقابل ثوار لم يتجاوز عددهم 3500 رجل أسلحتهم كانت البلطات والسيوف والخناجر والعصي وبعض البنادق التي كسبوها من معارك سابقة وكانت النتيجة ساحقة بحيث قتل وأصيب مابين 3500 الى 4000 من الفرنسيين وهرب الباقي تاركين رفاقهم المصابين وأسلحتهم ومؤنهم باتجاه درعا مستقلين القطار الى الشام حيث كانوا يدوسون فوق بعضهم أثناء صعودهم الى القطار خوفا من ثوار بني معروف، وكان عدد الشهداء الذين سقطوا فوق تراب المزرعة ورووا بدمائهم الطاهرة أرضها قرابة 350 شهيد.
ماذا قيل بعد هذه المعركة؟
• قال الجنرال اندريا قائد الحامية الفرنسية في المنطقة الجنوبية عن موقعة المزرعة
انقلبت موقعة المزرعة الى كارثة عظيمة ، كانت هذه الهزيمة حملاً ثقيلاً علينا وضربة قاسية لنفوذنا واحترامنا في الشرق ، هذه المأساة ماتزال مرسومة على اديم الارض ...وهي منظر للدمار.... فضيع العظام مبعثرة فوق التراب ...ومومياء الاجساد البشرية التي حفظتها شمس المشرق ملقاه في كل مكان ، هنا عربات مقلوبة محطمة ، وهناك شاحنات محروقة لم يبقى منها الا هياكلها ، انها معركة محزنة حقآ تجلب الضيق والغم هي شهادة ضاهرة على المصيبة التي حلت بنا .
• ميشو قائد القوات الفرنسية في المزرعة الجنرال :
عندما وقف مدافعآ عن نفسه امام محكمة عسكرية في باريس حين قال لم يدر في خلدي ان يتمكن مقاتلون عزل من السلاح من الانتصار على فرقة عسكرية خاضت غمار الحرب العالمية يبلغ تعدادها ثلاثة عشر الف جندي مجهزين بالاسلحة الحديثة من مدافع ودبابات وطائرات مستغلين الاشتباك المباشر وعنصر المفاجآة
و اضاف قائلا لم أواجه في حياتي مقاتلا اعزل تكمن فيه الشجاعة الفائقة مثل مقاتل تلك المعركة
• قال الشيخ هاني علم الدين من السويداء:
«بعد أن بدأ هجومنا الخاطف على العدو، سلّط رامي رشاش نيرانه علينا، فقتل منا:
حسين وفرحان وأسعد علم الدين، وكاد يقضي علينا جميعاً لو لم يتسلّل إليه فتى في نحو الرابعة عشرة من عمره، ويعالجه بطعنة خنجر في ظهره أودت به. فأسرعت نحوه وقبلته على جبينه، وحاولت أن أعرف اسمه، فلم يجبني، وإنما قال: بخاطرك يا عم!.. ووثب كالنمر باتجاه اثنين من رفاقه كانا يفعلان فعله في المعركة... فلم أتمالك نفسي من البكاء، وأنا أنظر إليهم وسط غبار تلك المعمعة الرهيبة».
• الدكتور الشهبندر في مذكراته، ص 30 ـ 31، طبعة دمشق 1933، في وصف ما شهده بنفسه من آثار تلك المعركة: «وقد زرت ساحة هذه الملحمة مراراً، وحاولت أن أحصي عدد الجثث الملقاة فيها بالضبط فلم أفلح لسعتها، وحسبي أن أقول إنني مشيت من عين «المزرعة» إلى الطريق المعبدة مغرّباً، نحو ساعتين، بين الجثث والعتاد الملقى على الأرض، فلم أنته منها، ورأيت خمس سيارات مصفحة محروقة، وقد أمالها الدروز على جوانبها عند الهجوم بأكتافهم، وقتلوا سواقيها ومساعديهم بالمسدسات من كواها المرتفعة، وأن رؤية هؤلاء السواقين متعانقين ملتحمين، تدل على هول ما لاقوه من المهاجمين..».
ثم يتحدث عن الجنود الفارين من المعركة، ويصف وصولهم إلى محطة ازرع، على لسان شاهد عيان من المسافرين، فيقول: «وقد وصفهم احد المسافرين في المحطة، فقال: لا أدل على الاختلال الذي طرأ على عقول هؤلاء، في هذه الملحمة، من رؤيتهم وهم يلقون بأنفسهم على القطار الذاهب إلى دمشق، فقد كانوا يتمسكون بالمركبات تمسّك الغريق بنواتئ........ الصخور. وكثيراً ما كان الشبح منهم يتراءى عن بعد قادماً إلى المحطة ثم يختفي، إما لخور عزيمته، أو لضلاله الطريق. وكانت الضمائد على جراحهم واللفائف على رؤوسهم، فيتوهّم المرء أنهم أهل مستشفى فرّوا منه لحريق أصابه...».
ويذكر ظافر القاسمي هذه المعركة، المصدر السابق ص 119 ـ 120، فيقول عنها ما نصه: «معركة المزرعة، هي التي عرفت في تاريخ الثورة السورية، وعلى ألسنة الخاصة والعامة، باسم حملة ميشو (Michaud) وسارت مسير الأمثال، وطارت شهرتها في الآفاق، وشككت الأوساط العسكرية في قوة الجيش الفرنسي ونظامه وكفايته. في وقت كان الناس فيه يعتقدون بأن فرنسا تملك أكبر جيش بري في الدنيا، وكانت فرنسا نفسها تباهي بذلك أية مباهاة، وما من شك في أن القوتين، قوة الدروز وقوة فرنسا، لم تكونا متعادلتين، ولكن لحكمة أرادها الله كتب النصر المبين فيها للمجاهدين على شكل يكاد يكون أقرب إلى الأساطير منه إلى الحقائق..».
• جاء في (الكتاب الذهبي) نفسه، ص 141 وما بعدها، أن الحملة الفرنسية كانت تتألف من «لواء مشاة بقيادة «لونيه» ويشتمل على كتيبة القائد «غابل» التابعة لفيلق الإفريقيين الحادي والعشرين، كتيبة سنغالية، وكتيبة سورية بقيادة «لوغاي»، وكتيبة الرشاشات الثانية التابعة لفيلق الرماة الإفريقيين الحادي والعشرين بقيادة الكابتن «غراردي» تعضده مفرزة سيارات مصفحة بقيادة اليوتنان «غاسكه»، وسريتي رشاشات كان يتولى قيادتهما «دجو» و«سيكالدي»، وقوافل ذخيرة.