ماهيتها:
موازنة الدولة هي le budget صك تقديري تفصيلي لنفقات الدولة ولوارداتها، تعده السلطة التنفيذية لسنة مالية مقبلة، ولا تنفذه إلا بعد إقراره من السلطة التشريعية. فموازنة الدولة تتصف بما يأتي:
ـ تقديرية: ذلك أنها تحضر لسنة مقبلة، وتحضيرها يجري عادة في أواخر السنة السابقة؛ ولذلك يصعب تحديد ما سوف يصرف من نفقات، وما سوف يجبى من واردات بصورة دقيقة.
ـ قانونية: ذلك لكونها تنطوي، من جهة، على موافقة السلطة التشريعية على تقدير مجموع النفقات والواردات السنوية، ومن جهة أخرى على إذن تلك السلطة للسلطة التنفيذية بالإنفاق في حدود الاعتمادات المرصدة في الموازنة وبتحصيل الواردات المقدرة، وفقاً للأصول والإجراءات القانونية المقررة.
ـ سنوية: لأنها توضع لمدة سنة، وبالتالي فإن موافقة السلطة التشريعية عليها تقترن بمدة السنة ذاتها.
وللموازنة أهمية في حياة أي دولة، وتستمد هذه الأهمية من أنها تُظهر البرنامج السياسي والاقتصادي للحكومة، فتبين مدى تدخل هذه الأخيرة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، هذا التدخل الذي تفسره إلى حد كبير أهمية نسبة نفقات الموازنة إلى الدخل القومي.
مبادئ الموازنة
عَرَفت المالية العامة[ر] منذ القدم مبادئ عامة عند وضع الموازنة، وعلى الرغم من أن هذه المبادئ أخذت تفقد أهميتها نتيجة الاتجاهات التدخلية للدولة الحديثة - التي تعدّ موازناتها في طليعة الأدوات الرئيسية للتدخل - فإن هذه المبادئ ذات أثر وأهمية كبيرين في إعداد الموازنة وتنظيمها، وبما يحفظ لكل من السلطتين التنفيذية والتشريعية دورهما المحدد في الدستور والقوانين لتحقيق تنفيذ الموازنة والرقابة عليها. ومبادئ الموازنة هي:
1- مبدأ وحدة الموازنة l’unité: يقصد بمبدأ وحدة الموازنة أن تدرج جميع نفقات الدولة ووارداتها في صك واحد، وهكذا، فمهما تعددت مصادر الواردات، ومهما تباينت مصادر الإنفاق لا يكون للدولة الواحدة إلا موازنة واحدة. والهدف من توحيد الموازنة هو التنظيم والوضوح، وبالتالي تمكين المعنيين بشؤون الدولة من تكوين فكرة صحيحة وسريعة عن نشاط الدولة، وعن مدى تعادل أعبائها وإمكاناتها، وبالتالي الإلمام بمركز الدولة المالي بصورة سريعة وواضحة. وقد وجدت بعض الاستثناءات على هذا المبدأ وهي:
أ- الموازنات المستقلة: ارتبط وجود هذه الموازنات بتطور مهام الدولة الحديثة التي أصبحت تمارس أنشطة صناعية وتجارية كانت مقتصرة في الماضي على الأفراد، لذلك فقد دعت الضرورة إلى عدم تطبيق الأصول المالية العادية على المؤسسات العامة الصناعية والتجارية، واستلزم إنشاء هذه المؤسسات منحها الشخصية الاعتبارية[ر]، والاستقلال المالي والإداري، وأن تكون لها موازنات خاصة بها مستقلة عن الموازنة العامة للدولة.
ب - الموازنات الملحقة: وتوضع عادة للإدارات والمرافق العامة ذات النشاط التجاري أو الصناعي أو الثقافي أو الاجتماعي، وتلحق موازناتها الخاصة بالموازنة العامة من أجل تعرف حقيقة أوضاعها، وتخضع هذه الموازنات لإجراءات الموازنة العامة ذاتها، وذلك لكون الإدارات العامة التي توضع لها هذه الموازنات تتمتع بالاستقلال المالي من دون أن تتمتع بشخصية معنوية مستقلة عن الدولة.
ج - الموازنات الاستثنائية: وتوضع إما لإقامة مشروعات كبرى (مطارات - سكك حديدية - سدود…) وإما لإعادة الإعمار بعد الحرب، وإما لمواجهة كوارث طبيعية مثل الزلازل.
د - الحسابات الخاصة خارج الموازنة: وهي حسابات تفتح في الخزينة العامة وتتعلق بدخول أموال ليست من قبيل الإيرادات العامة، وإما خروج أموال لا تمثل نفقات عامة بالمعنى الفني، لذلك لا تذكر هذه الأموال في الموازنة العامة، ومن أمثلتها: التأمينات التي يسددها المقاولون للخزينة العامة ضماناً لحسن تنفيذ الأعمال، وسلف الدولة قصيرة الأجل التي تمنح للمزارعين والصناعيين… والتي يجب استردادها خلال السنة المالية التي منحت فيها.
2- مبدأ سنوية الموازنة l’annualité budgétaire: يعتمد هذا المبدأ على أن تكون مدة الموازنة سنة واحدة لا أكثر ولا أقل، وقد تم اختيار مدة السنة لاعتبارات سياسية ولاعتبارات مالية:
فمن الناحية السياسية، تعد مدة السنة مناسبة لدوام رقابة السلطة التشريعية على أعمال السلطة التنفيذية. ومن الناحية المالية، فإن فترة السنة تتلاءم مع تقدير الإيرادات والنفقات العامة، فهي الحد الطبيعي لتكرار العمليات المالية، تبعاً للمتغيرات الفصلية ذاتها، كل سنة، حتى تؤخذ في الحسبان تغيرات مستوى النشاط في هذه المدة، وما يرتبه ذلك من أثر على تحصيل الإيرادات وأنواع الإنفاق العام.
3- مبدأ شمول الموازنة l’universalité du budget: المقصود بهذا المبدأ أن تحتوي الموازنة على جميع الإيرادات وجميع النفقات مهما اختلفت مصادرها وأنواعها، من دون أن يسمح بالخصم أو التقاص بينهما، فوفقاً لهذا المبدأ تدرج جميع النفقات… في الجانب الإنفاقي للموازنة، كما تدرج جميع الإيرادات في الجانب الإيرادي للموازنة، وبالتالي لا يسمح لأي إدارة بأن تخصم نفقاتها من إيراداتها، أو إيراداتها من نفقاتها.
4- مبدأ شيوع الموازنة la non- affectation des recettes: هذا المبدأ هو نتيجة ضمنية لمبدأ الشمول ويعني أن تواجه جميع مصروفات الدولة بجميع إيراداتها، فلا تخصص بعض الإيرادات لأنواع معينة من المصروفات.
دورة الموازنة
تتمثل دورة الموازنة في عدد من المراحل المتصلة بدءاً من مرحلة تحضير الموازنة وإعدادها إلى الاعتماد، ثم تنفيذ الموازنة إلى الرقابة على التنفيذ.
ـ إعداد الموازنة: تتولى أجهزة السلطة التنفيذية موضوع إعداد مشروع الموازنة بدءاً من الوحدات الإدارية المختلفة في مستوياتها المتعددة، ثم تجمع مشروعات موازنات الوحدات مركزياً من قبل الوزارة المشرفة على أعمال هذه الوحدات، لترسل بعدها إلى وزارة المالية كونها الجهة الفنية المركزية المسؤولة عن إعداد الموازنة، وبعدها يرفع مشروع الموازنة إلى رئاسة السلطة التنفيذية في طريقه إلى السلطة التشريعية.
ـ اعتماد الموازنة (إقرارها): يعدّ إقرار الموازنة من اختصاص السلطة التشريعية في كل بلدان العالم؛ لأن في ذلك ممارسة وتدعيماً للحقوق السياسية للشعب في توجيه إدارة شؤون البلاد، والإشراف على جميع أعمال الحكومة. ويسبق إقرارَ الموازنة من المجلس التشريعي دراسةُ مشروعها من قبل لجنة خاصة في المجلس. وإذا وافق المجلس التشريعي على مشروع الموازنة العامة تصبح قانوناً. والصفة القانونية للموازنة هي صفة شكلية، لكونها مستمدة من السلطة التشريعية، لكنها من حيث الموضوع لا تعد قانوناً؛ وذلك لأن القانون ينطوي على قواعد دائمة، في حين أن الموازنة لا تعدو كونها عملاً إدارياً خاصاً يرمي إلى تنفيذ قوانين معتمدة من قبل، وما صفتها القانونية إلا لكونها تقترن بموافقة السلطة التشريعية.
ـ تنفيذ الموازنة: ويقصد بها وضع بنود الموازنة المختلفة موضع التنفيذ الفعلي، وتختص بها السلطة التنفيذية حيث تقوم وزارة المالية في كل دول العالم بالدور الأساسي لتنفيذ الموازنة من خلال الأجهزة التنفيذية الفنية التي تشرف على تنفيذ النفقات، وتحصيل الإيرادات، كما تنظم قطع الحساب الختامي للموازنة الذي يبين بوضوح واقع التنفيذ الفعلي للنفقات والموارد العامة.
ـ الرقابة على تنفيذ الموازنة: وهي المرحلة الأخيرة التي تمر بها الموازنة العامة، والهدف منها هو التأكد من أن تنفيذ الموازنة قد تم على الوجه المحدد للسياسة التي وضعتها السلطة التنفيذية، وأجازتها السلطة التشريعية.
وتأخذ الرقابة على تنفيذ الموازنة عدة صور مختلفة هي:
أ ـ الرقابة الإدارية: وتقوم بها المستويات الإدارية المختلفة وفق التسلسل العام، كما يمارسها الموظفون الماليون التابعون لوزارة المالية.
ب ـ الرقابة السياسية: وتتولاها السلطة التشريعية (المجالس النيابية).
فإذا كانت تلك المجالس هي التي تقوم باعتماد الموازنة فإنه من الطبيعي أن يمنح لها حق الرقابة على تنفيذها على النحو الذي اعتمدتها وأجازتها، ورقابة السلطة التشريعية تكون آنية ومرافقة للتنفيذ، ولاحقة أيضاً. فالأولى تتم من خلال حق أعضاء المجالس التشريعية في توجيه الأسئلة للحكومة، أو عرض موضوعات للمناقشة لاستجلاء سياسة الحكومة في موضوعات معينة، أو الاستجواب ومطالبة الحكومة بتوضيح سبب تصرفها في أمر معين.
أما الرقابة اللاحقة فإنها تتم من خلال تقديم الحكومة للحسابات السنوية الإجمالية التي نفذت ليصار إلى مناقشتها وإقرارها من قبل المجلس التشريعي.
ج ـ الرقابة بوساطة هيئة مستقلة: ويقصد بها الرقابة عن طريق هيئة مستقلة عن كل من الإدارة والسلطة التشريعية، وتتولى هذه الرقابةَ عادة هيئةٌ فنية تقوم بفحص تفاصيل تنفيذ الموازنة، ومراجعة حسابات الحكومة و مستندات التحصيل والصرف، ومحاولة كشف ما تتضمنه من مخالفات، ووضع تقرير شامل عن ذلك، وبناء عليه تستطيع السلطة التشريعية فحص الحساب الختامي فحصاً جدياً تحاسب على أساسه الحكومة عن جميع المخالفات المالية.
ويختلف تكوين هذه الهيئة وصلاحياتها واختصاصاتها من دولة إلى أخرى، ففي بعض الدول مثل فرنسا وبلجيكا ولبنان تتمتع بصلاحيات قضائية تمكنها من الحكم على الحسابات العامة وعلى المحاسبين، إضافة إلى صلاحياتها الإدارية، وفي بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومصر وسورية تكون رقابة هذه الهيئة إدارية فحسب، حيث تقوم بالكشف عن الأخطاء والمخالفات ورفع تقارير بشأنها إلى الجهات المختصة لتبت هذه فيها.