ثمة تناغم بين واشنطن وتل أبيب على تهويد مدينة القدس وتكريسها عاصمة أبدية لإسرائيل واستغلال الفرصة المناسبة لهدم المسجد الأقصى وبناء «هيكل سليمان» المزعوم على أنقاضه تنفيذاً لرؤية صهيونية متطرفة ومتحالفة مع الكيان الصهيوني، والتي تلقى الدعم والمساندة داخل الولايات وخصوصاً من الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ.
هذا التناغم ظهر بوضوح من خلال مشروع القانون المعروض على مجلس النواب الشهر الماضي، والمتضمن مطالب منها: الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها من تل أبيب، وإلغاء القانون الذي يعطي الرئيس الأمريكي حق «الفيتو» لتأجيل نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس المحتلة، ومطالبته بتنفيذ بنود قانون 1995 الخاص باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ،والبدء بنقل مقر السفارة قبل كانون الثاني 2012، والعمل على تعريف القدس في الوثائق الحكومية الرسمية الأمريكية باعتبارها «عاصمة إسرائيل».
فهذا التناغم، وهذه الصورة المزرية التي يظهر فيها أعضاء الكونغرس والذين يضعون فيها مصالح إسرائيل فوق مصالح بلادهم تقودنا إلى أن هناك دوافع وراء تبني هذه المواقف والتي تتمثل بصورة واضحة من خلال التحالف الصهيوني المسيحي والذي يعتبر أن بناء الهيكل ليس شأناً يهودياً فقط، وإنما هو شأن يعني الحركة الصهيونية- المسيحانية في الولايات المتحدة، وهي حركة تضم أكثر من ستين مليون شخص منهم أعضاء في الكونغرس والجيش والسلك الدبلوماسي ومؤسسات الأبحاث والدراسات المؤثرة في صناعة القرار السياسي الأمريكي.
فالمسيحية الصهيونية تعتبر أن وجود «إسرائيل» دليل على أن النبوءات الانجيلية تتحول إلى حقيقة معلنة عن رؤية سيواجه فيها اليهود «إما الموت أو قبول المسيح» وإسرائيل محبوبة كبرهان على التعاليم المسيحية الأصولية.
ومن هنا سر الدعم اللامحدود والمنحاز من جانب الكونغرس والادارة الأمريكية لإسرائيل، ولاعجب أن تلقى «اسرائيل» دعماً من الأصوليين المسيحيين أكبر من دعم أتباع الديانة اليهودية أنفسهم.
فهذا الدعم نابع من إيمان الصهيونية المسيحية بالوظيفة التي تؤديها «اسرائيل» أو اليهود كما جاء في التوراة تمهيداً لعودة المسيح «عليه السلام».
ويرجع البروفيسور القس «دونالد واغنر» في دراسة له أصول هذا الدعم من الناحية الدينية، إلى القساوسة المتشددين في الولايات المتحدة خاصة فيما يعرف بولايات «حزام الانجيل» في الجنوب الأمريكي مثل تكساس وجورجيا، الذين يعتمدون على الدراسات الخاصة بـ«نهاية العالم» وعودة المسيح ودور اليهود في معركة نهاية العالم، أو «هرمجدون» ثم تحولهم إلى المسيحية أو فنائهم بالكامل.
وكثير من العامة، وخاصة من أوساط المجموعة الكبرى من المتدينين العاديين الذين اكتشفوا دينهم مؤخراً، ويطلق عليهم «ولدوا للمسيحية من جديد» يعتقدون أنه يتعين عليهم الدخول في خندق واحد مع مناصرين آخرين لـ«إسرائيل» ويأتي على رأس هؤلاء تيار المحافظين الجدد، لأن هذا التيار هو الذي يساعد «اسرائيل» على الاسراع في عودة المسيح والاقتراب من نهاية العالم.
ويشير واغنر إلى أن المسيحيين الصهاينة يرون «الدولة الحديثة» في اسرائيل باعتبارها تحقيقاً لنبوءة توراتية، وأنها تستحق دعماً سياسياًَ ومالياً.
ولتحقيق هذه النبوءة لا بد من وجود ثلاث إشارات تسبق عودة المسيح، استناداً إلى معتقدات المسيحية الصهيونية.
الاشارة الأولى: قيام صهيون «اسرائيل» وقد قامت هذه الدولة في عام 1948، ولذلك اعتبر الصهيونيون المسيحيون في الولايات المتحدة هذا الحدث، أعظم حدث في التاريخ، لأنه جاء حسب اعتقادهم مصدقاً للنبوءة التي تقول: «إن صهيون يجب أن تعود حتى يعود المسيح».
فالمسيح حسب معتقداتهم لا يظهر إلا بين اليهود، ولذلك فهم يساعدون على تجميع اليهود كشرط للعودة الثانية للمسيح.
الإشارة الثانية: هي تهويد القدس لأنها حسب اعتقاد الانجيليين الصهيونيين هي المدينة التي سيمارس المسيح منها حكم العالم بعد عودته الثانية المنتظرة.
ولأجل هذا تضغط الكنائس الصهيونية -المسيحية في الولايات المتحدة من أجل الاعتراف بالقدس «عاصمة موحدة وأبدية» لإسرائيل. وهو ما تجاوب معه الكونغرس الأمريكي في عام 1995 وأقر قانوناً باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
والإشارة الثالثة: هي بناء هيكل يهودي على أنقاض المسجد الأقصى، وهو ما يسعى إليه التحالف المسيحي الصهيوني هذه الأيام.
واليوم تسابق إسرائيل الزمن لتهويد القدس وزرعها بالمستوطنات اليهودية لكي تكون الحصن اللازم للهيكل الذي يستعد اليهود لبنائه بمساعدة الحركة الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة، يساعدها في ذلك موقف أمريكي تشريعي يعتبر القدس الموحدة عاصمة أبدية «لدولة إسرائيل».