إن اسم لوا إسكندورنة يشير إلى منطقة إسكندرون، وكلمة اللوا تعني المحافظة فترة الانتداب الفرنسي ضُمّ إلى تركيا عام 1939م وبات يحمل اسم محافظة "هاتاي"، وهو تحريف لكلمة حثي لأن الأتراك يعدون أنفسهم أنسال الحثيين، هؤلا السكان القدامى في شبه جزيرة الأناضول.
يقع لوا إسكندرونة في الزاوية الشمالية الغربية من بلاد الشام، ويطل على البحر المتوسط من جهة الغرب وعلى سهول حلب من الشرق وسهول كيليكيا وجبال طوروس من الشمال واللاذقيه وجبل الأقرع من الجنوب. وتبلغ مساحته 4806كم2. وينقسم جغرافياً إلى عدة مناطق، وهو ذو طبيعة جبلية، وأكبر جباله أربعة: الأمانوس[ر] والأقرع وموسى والنفاخ وبين هذه الجبال يقع سهل العمق. أما أهم أنهاره فهي: نهر العاصي الذي يصب في خليج السويدية، ونهر الأسود ونهر عفرين اللذان يصبان في بحيرات سهل العمق، ويرافق هذا التنوع والتميز في الموقع الجغرافي تنوع وتميز في الحضارات التي قطنت هذه المنطقة. دلت المكتشفات والتحريات الأثرية على استيطان المنطقة منذ العصور الحجرية والعصور التاريخية. كما ذكرت رسائل تل العمارنة التي تعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد أنّ سلالات كنعانية - أمورية سكنت ساحل وداخل بلاد الشام ومنها أدنة وطرسوسة في كيليكيا وأوغاريت جنوب صفون (الأقرع جبل الشمال).
وتذكر الوثائق أن سرجون[ر] الأكادي في (2350-2300ق.م) قاد حملة عبر فيها الفرات فاحتل أمورو (سورية) ووصل حتى البحر الغربي (بحر أمورو أي المتوسط)، ثم سار إلى غابة الأرز في جبال الُّلكام (الأمانوس). كما أن حفيده نارم سين (2275 - 2235 ق.م) الذي حكم أربعين عاماً قضى معظمها في المعارك في أطراف ما بين النهرين وانتصر واستعاد سمعة الامبراطورية وقهر الأمانوس.
تضمنت رقم ماري وآشور معلومات مهمة عن مدينة ألالاخ[ر] (تل عطشانة) تفيد بأنها كانت مركزاً مهماً لمملكة أمورية قامت في بداية الألف الثاني قبل الميلاد وتعرضت لتدخل من الحثيين ثم الميتاينيين في القرنين السادس عشر والخامس عشر قبل الميلاد.
عندما غدت سورية جز اً من العالم الإغريقي بعد فتح الإسكندر[ر] المقدوني لها -إثر انتصاره في معركة إيسوس[ر] على ملك الفرس داريوس في (333 ق.م) - كان لابد من البحث عن مكان متوسط ملائم لحكم هذا الجز المهم من الامبراطورية، ويذكر المؤرخان اريان Arrian وكوينتوس روفوس Quintus Rufus اللذان أرخا لحملة الإسكندر الذي سار بحملته وأخضع مدن الساحل السوري جميعها - وعلى مقربة من موقع إيوس - أنه أسس أول مدينة حملت اسمه في مكان مدينة فينيقية قديمة اسمها مرياندروس Meriandros وهي إسكندرونة بناها بين عامي (333-332 ق.م) تقع على الساحل الجنوبي للخليج المسمى باسمها، ولم يكن قد بقي من تلك المدينة في عهد الإسكندر سوى أطلال حصنها مع بقايا قلعتها التي تقوم على أكمة تطل على البحر، فبنى الإسكندر إلى جوارها حياً جديداً لجنده متخذاً من أطلال القلعة الفينيقية حصناً يحمي به المدينة الجديدة.
اقتسم خلفا الإسكندر مملكته بعد موته، وآلت سورية إلى سلوقس[ر] الأول نيكاتور الذي أكسبته انتصارته لقب الفاتح، فاختار في القرن الثالث قبل الميلاد إحدى مدن لوا إسكندرونة لتكون عاصمته على البحر المتوسط.
وعندما أصبحت سورية ولاية رومانية في عام 64ق.م غدت إحدى مدن لوا إسكندرونة عاصمة لها، وكان بعضها قواعد للانطلاق ضد أعدا روما.كما أصبحت كبرى مدنه وهي أنطاكيا [ر] مركزاً أساسياً من مراكز الدعوة ، ويشهد الكتاب المقدس بأن كنيستها (كنيسة مريم العذرا ) أم الكنائس ومن عجائب الدنيا في التشييد والرفعة.
إنّ الأهمية الاستراتيجية لمواقع مدن لوا إسكندرونة جعلهاً مطمعا للفرس؛ فاحتلوها سنة 540 م، ثم دخلها المسلمون سنة 61هـ/637م، وكان لوا إسكندرونة في عهد العرب المسلمين تابعاً لجند قنسرين حلب، وفي عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد بنى حصناً في مدينة إسكندرونة، ثم أعيد ترميمه في خلافة الواثق. وفي عام 874هـ/1085م أصبح بيد السلاجقة، وفي أثنا الحملات الصليبية على سورية دخله الفرنجة عام 1097م، وبقي بيد الصليبيين حتى قيام الظاهر بيبرس السلطان المملوكي بتحريره منهم سنة 766هـ/1268م، وفقدت المدن دورها عقب حملة تيمورلنك وتضررت كثيراً بسبب هجمات المغول سنة 408هـ/1401م، بعد ذلك استولى عليها الأتراك العثمانيون سنة 329هـ/1516م. وفي عام 8421هـ/1832م احتلت من قبل المصريين، وأنشأ فيها القائد المصري المظفر إبراهيم باشا خطاً ملاحياً بعد انتصاره في معركة بيلان بغراس (قلعة وقرية صغيرة في لوا إسكندرونة تقع بين الشعاب الشرقية للسلسلة الجبلية لقزيل ضاي الأمانوس)، وماتزال القلعة حتى الآن محفوظة في حالة جيدة إلى حد ما، ومن المرجح أن البيزنطيين هم من شيدوا تلك القلعة. وفي عام 1872م ضربت بعض مدن لوا إسكندرونة بزلزال.
وعادت مدن الإسكندرون إلى سورية بعد انتها الحرب العالمية الأولى ليحكمها أبناؤها السوريون حتى عام 1939م عندما وافقت سلطة الانتداب الفرنسي على إلحاقها بتركيا.
وقد زارها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين عدد من المستشرقين والرحالة، فوجدوا مجموعة كاملة من الأطلال ماتزال قائمة، ولها في الوقت الحاضر أهميتها: (إسكندرونة، إنطاكيا، عم بركة، بغراس، السويدية، عنتاب، أدنا، مارسين، جبل موسى، الريحانية، ارسوز، بياس)؛ حفظوها ضمن لوحات بديعة كتلك التي رسمها الفنان الفرنسي صاحب الرحلات العديدة لوي فرنسوا كاسا L. F. Cassa الذي زار المنطقة سنة 1785م، لقد كان لهذه الأطلال تأثير السحر في نفوس أجيال من الرحالة والعلما الباحثين من أمثال بيترو ديلا ڤالي - Pietro Della Valle والعالم الأسقف بوكوك Pococke
وكارستن نيبور Carsten Niebuhr وليدي هيستر ستانهوبLady Hester Stanhope وإرنست رينا Ernest Renan- وغيرهم علماً بأن الحياة القديمة لشعوب مدن الإسكندرون بقيت محفوظة في الآثار الأدبية اليونانية واللاتينية والسريانية، وكان الرائد في هذا المجال العالم الألماني كارل أوتفريد مولر Karl Otfried Müller ت(1797 - 1840م) الذي زار المنطقة بالرغم من أن التنقل في سورية في عهده كان محفوفاً بأكبر المخاطر، وعكف على دراسة جميع المصادر القديمة وروايات الرحالة.
ويتبين مما ذُكر أن مدن لوا إسكندرونة نشأت في بقعة تمتاز بجمالها الساحر وموقعها الاستراتيجي المهم في إقليم خصيب كان منذ عهد بعيد ممراً للتجارة والجيوش بين الشمال والجنوب والشرق والغرب.
مراجع للاستزادة:
- محمد علي زرقة، قضية لوا الإسكندرون (بيروت 1993).
- عمار عبد الرحمن، مملكة ألالاخ، ألق التاريخ على العاصي (منشورات المديرية العامة للآثار والمتاحف، دمشق 2008).
- جلانفيل داوني، أنطاكية القديمة، ترجمة: إبراهيم نصحى (القاهرة 1967).