السيادة la souveraineté هي وصف جوهري يلحق بسلطة الدولة، فالدولة ذات سلطة سيدة، وهي التي تحتكر السيطرة السياسية commandement politique على إقليم معين، كما تحتكر، بالتبعية لذلك، وسائل هذه السيطرة، وفي مقدَّمها الإكراه المشروع violence légitime، ويجمع الفقهاء على أن السيادة هي التي تميز الدولة من غيرها من الأشخاص المعنوية العامة، وفي مقدمتها وحدات الإدارة المحلية.
التطور التاريخي لمفهوم السيادة
طرحت عدة نظريات لتسويغ السيادة التي تتمتع بها السلطة السياسية في الدولة، فقد أرجعتها الفلسفات القديمة إلى الذات الإلهية، على أساس أن العناية الإلهية أودعت عنصر السيادة لدى السلطة القائمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وذلك كله تحت لواء نظرية الحق الإلهي la théorie du droit divin، ولكن ظهور النظريات الديمقراطية بدءاً من القرن السادس عشر أدى إلى إرجاع عنصر السيادة هذا إلى إرادة الأمة، فالحكام يمارسون السيادة باسم الشعوب صاحبة السيادة أصلاً. وقد تجسد ذلك في معظم الدساتير الحديثة، فالدستور الفرنسي ينص على أن: «السيادة الوطنية تنتمي إلى الشعب الذي يمارسها، عن طريق ممثليه، وعن طريق الاستفتاء العام». وكذلك حال دستور الجمهورية العربية السورية الذي نصت المادة 2 منه على أن: «السيادة للشعب».
القيود المفروضة على السيادة
السيادة ليست مطلقة، بل يجب تقييدها، وقد ظهرت عدة نظريات في سبيل توضيح الأساس الذي يقوم عليه تقييد سيادة الدولة:
ـ نظرية القانون الطبيعي: Théorie du droit naturel وتتلخص هذه النظرية في أن سيادة الدولة مقيدة بقواعد القانون الطبيعي، تلك القواعد التي سبقت نشأة الدولة، وتعتمد على فكرة العدل المطلق، ويكشف عنها العقل البشري.
ـ نظرية الحقوق الفردية: Théorie des droits individuels وتتلخص هذه النظرية في أن حقوق الأفراد سابقة على نشأة الدولة، وإن الدولة لم توجد إلا في سبيل حماية هذه الحقوق، ومنع التعارض فيما بينها، ومن ثم فإن الدولة ملزمة احترام تلك الحقوق الطبيعية عند ممارستها لسيادتها.
ـ نظرية التحديد الذاتي للسيادة: Théorie de l’auto -limitation ومضمون هذه النظرية أن القانون من صنع الدولة، ولكنها تلتزمه وتتقيد بحدوده، لأن القانون يجب أن يكون ملزماً للدولة وللأفراد على حد سواء، وبذلك تقوم الدولة بتحديد سلطاتها بإرادتها الذاتية، ومن مصلحتها أن تفعل ذلك، حتى تتفادى الفوضى التي قد تحدث من جراء إطلاق سلطاتها.
ـ نظرية التضامن الاجتماعي: وصاحبها العميد الفرنسي دوجي Duguit الذي رأى أن الحياة الاجتماعية الحتمية تستلزم بالضرورة وجود قواعد للسلوك règles de conduit يجب على أفراد الجماعة اتباعها في معاملاتهم، وهي تلزم الأفراد والسلطة الحاكمة على حد سواء.
وقد لاقت جميع هذه النظريات انتقادات عنيفة، ولعل الواقع السياسي، والقانوني يكشف أن أفضل القيود على سيادة الدولة، تلك القيود التي تستمد من التنظيم الدستوري للدولة، من النص على مبدأ الفصل بين السلطات، وإيجاد طريقة محددة لتعديل الدستور، مما يحول دون تعسف السلطة، ويحافظ على حقوق الأفراد وحرياتهم، إضافة إلى سيطرة مبدأ الشرعية الذي يضمن خضوع الهيئات الحاكمة للدستور، وللقوانين مادامت قائمة، ومطبقة.
السيادة الداخلية والسيادة الخارجية :
استقر رأي الفقه على أن لسيادة الدولة وجهين: السيادة الداخلية souveraineté interne والسيادة الخارجية souveraineté externe، وتعني الأولى أن يكون للسلطة السياسية في الدولة حق الأمر في مواجهة كل المواطنين المكونين لها، أما الثانية فتعني حق تمثيل الدولة، والدخول باسمها في علاقات مع الدول الأخرى، ويلاحظ أن الدولة تتمتع بحرية أكثر بكثير في مواجهة
رعاياها، أي في مجال نشاطها الداخلي، في حين تضيق هذه الحرية في نطاق نشاطها الدولي وعلاقتها مع الدول الأخرى، وذلك لأن سيادتها تصطدم بسيادة الدول الأخرى.
المفهوم المعاصر للسيادة:
لا تزال سيادة الدولة مفهوماً أساسياً في مجال الأنظمة القانونية المعاصرة، فقد قرر ميثاق الأمم المتحدة في مادته الثانية، أن المنظمة الدولية تقوم على مبدأ السيادة بين جميع أعضائها، وأنه ليس للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، كما لا تزال السيادة تمثل قاعدة رئيسة من القواعد التي تحكم العلاقات الدولية، وإن كانت التكتلات الاقتصادية السياسية المعاصرة قد اقتضت، ومراعاة لمصالح الدول الأطراف فيها، أن تتنازل كل دولة عن جزء من سيادتها لمصلحة منظمة دولية تجسد تكتلاً اقتصادياً سياسياً، فقد أقدمت حكومة الجمهورية الفرنسية مثلاً على تحويل اختصاص إصدار النقد إلى الاتحاد الأوربي، في سبيل تحقيق الوحدة الاقتصادية والنقدية الكاملة بين الدول الداخلة في هذا الاتحاد، على الرغم من كون إصدار النقد أحد الاختصاصات التي تعبر عن سيادة الدولة، وقد أجاز المجلس الدستوري الفرنسي ذلك، على أساس أن مثل هذا التصرف لا يمس الشروط الجوهرية لممارسة السيادة الوطنية.