ألقى عزمي بشارة في تونس محاضرة بعنوان السياقات التاريخية لنشوء العلمانية وكانت بدعوة من رئيس الجمهورية وقتها المرزوقي ولفيف من المثقفين والساسة كراشد الغنوشي عام 2012
و نحبو نذكر أن راشد الغنوشي و المنصف المرزوقي في تاريخ (2012/11/26)
تم تكريمهما من معهد تشتام هاوس الماسوني في بريطانيا ChathamHousePrize وذات المعهد الماسوني كرم عبد الله غل رئيس تركيا السابق
نذكر هنا أن دور عزمي بشارة وتبشيره في تونس هو ذات عمل صموئيل هنتنغتون والذي ألقى محاضرة في تركيا كانت بعنوان: أنتم علمانيون فيما أوروبا تصبح دينية، وكان يدفع الأتراك للتخلي عن عقد الماضي وأخذ دور قيادي للدول المسلمة وهذا المشروع الكبير كان لإعادة خلق خلافة إخوانية إسلامية تكون رأس حربة بيد الناتو لتواجه روسيا والصين.
يقول في المحاضرة :
"بينما تتقدّم تركيا في اتّجاه علماني، يبدو أنّ أوروبا تتقدّم في اتّجاه ديني. حتى الآونة الأخيرة، كانت أوروبا بلا شكّ المنطقة الأكثر علمانية في العالم. لكنّ هذا الواقع بدأ يتغيّر، والسبب هو هجرة المسلمين الكثيفة إلى أوروبا والتفاعلات المتزايدة بين البلدان الأوروبية والبلدان الإسلامية المجاورة. وقد أرغمت هذه التطوّرات الأوروبيين على مواجهة السؤال الآتي من جديد: "من نحن؟".
ويقول أيضاً : "كان صعود الدين عنصراً أساسياً في هذا الدور الجديد للثقافة. من الثورة الفرنسية إلى النصف الأخير من القرن العشرين، بدا أنّ البلدان والشعوب في كلّ مكان تقريباً يبتعدون عن الديانة. لكن قبل بضعة عقود، تلاشت هذه النزعة وبدأ باحثون يصدرون كتباً تحمل عناوين مثل "انتقام الله" و"إلغاء العلمانية في العالم"."
في محاضرة عزمي بشارة والذي عاد مرة أخرى لتونس عام 2016 وكما كان الماسوني جمال الدين الأفغاني يطير من بلد عربي إلى آخر ، كذلك عزمي بشارة ينتقل من بلد عربي إلى آخر ليعلمهم فن الثورات العربية وأصول الديمقراطية بشكلها الغربي ، حتى إنه استشهد في معرض كلامه عن مصطلح العلمانية بجمال الدين الأفغاني وأكد أن تعريفه للعلمانية هو الأدق وهذا الاستشهاد ليس استشهاداً عابراً.
ماذا يريد عزمي بشارة من العقول التونسية ؟
يقول في منتصف محاضرته علينا أن نعترف أن على تونس أن تتقبل مرحلة انتقالية طويلة الأمد هي عبارة عن تعايش بين الأحزاب والتيارات الدينية وما يقابلها من تيارات علمانية، ويؤكد أن تجربة تونس لا بد أن تنجح من تونس خرجت الثورات العربية ومنها سيخرج النظام الجديد المحتذى.
طبعا النظام المحتذى هو الذي يريد الغرب تسويقه في العالم العربي، كما بدأت الثورات العربية من بلد صغير كتونس .
هذا يؤكد أن الغرب اليوم بات يدعم التيار العلماني كما يدعم التيار الديني ليس في تونس فحسب، بل في كل البلاد العربية، اللهم إلا من رحم ربي ، وبالتالي المواطن العربي الذي يهرب من نار أي فريق ظناً منه أنه سيقع في جنة الآخر، لا شك أنه سيقع في الجحيم الذي صنعه الغرب بالشكل الذي يريد ، فاللعبة السياسية تحتاج لمركب متناقض يضمن حرية الاختيار التي تصب لا محال في مصلحة الغرب، كما إن وجود البديل يضمن التدخل السريع وتعديل المناخ السياسي وربما العسكري في أي لحظة كانت .
يقوم عزمي بشارة بدور تنويري باهر، فهو يعلم العلمانيين أبجديات العلمانية من جديد، ويصحح لهم المفاهيم الخاطئة المتوارثة عن العلمانية ، والسؤال لماذا الآن ؟
في موضوع شائك كالعلمانية وبقليل من الفلسفة والخطابة يمكنك أن تصبغ عليها أي صبغة كانت حسب الحاجة، يمكنك أن تعطيها طابع الإلحاد والكفر كالعلمانية الشيوعية ، يمكنك أن تتكلم عن النموذج الصلب للعلمانية كفرنسا وتركيا أتاتورك وتونس بورقيبة ، يمكنك أن تتكلم عن علمانية مرنة كبريطانيا وأمريكا فالملكة في بريطانيا لها مكانة دينية، وربما لاحظنا كيف أقسم ترامب على الانجيل حيت تم تنصيبه ، ويمكن الوقوف عند التجربة الروسية مطولاً فبوتن تم تنصيبه من قلب كاتدرائية كما ينصب القياصرة ، و غطس مؤخراً في عيد الغطاس في المياه المتجمدة وهو يزور الكنيسة برفقة زوجته وبناته وهم يرتدون الحجاب كما ترتديه مريم العذراء.
لا بد أن نتحلى بقليل من الجرأة في وصف المشهد السياسي العربي، فالدولة العربية التي قامت على الهوية القومية قد سقطت بشكل مدوي وأظهرت الوقائع الدموية هشاشة العلمانية بوصفها أداة سياسية للحكم.
من اللافت أن عزمي بشارة يصحح كثير من المغالطات حول العلمانية بفتح العين لا بكسرها، أي العالمانية وبشكل أدق الدنيوية ، وهو هنا يقول كيف للمثقف العربي أن يقول أنا علماني رغم أنه ليس بسياسي أو له موقع سياسي.
وهذا صحيح فالعلمانية هي أداة إجرائية سياسية تسهل الحكم للحاكم السياسي، وإن كانت اليوم عبارة عن مصطلح مفتوح الدلالة يدل تارة على الإلحاد ويدل تارة على اللادينية ، وأكثر عبارة تلخص العلمانية في أذهان الناس هي " فصل الدين عن الدولة" رغم أن الدول الإسلامية التي نشأت عبر التاريخ كانت دول مدنية ولم تحمل صبغة دينية اللهم إلا الخلافة الفاطمية.
لكن الصحيح ليس في فصل الدين عن الدولة، بل كان في تحكم الدولة بالدين، فالتاريخ الغربي يثبت أن رجال الدين والذين كانوا شركاء في الحكم ولهم قرار تنصيب الملوك ،وللكنيسة أملاك تقدر وقتها بثلاثين بالمائة من أملاك أوربا، أي أموال طائلة ، فالكنيسة لم تعد سلطة روحية بل أصبحت سلطة مادية تتملك بكل ما تعنيه كلمة الملك، وبالتالي كان هناك نوع من استغلال الدين والتحكم به ، ثم أن كانت الحروب الأهلية في أوربا، وكمثال الحروب الأهلية في فرنسا التي قتل الملايين.
هنا نعرف ما الحاجة لفصل الدين عن الدولة وبناء عقد اجتماعي جديد، فالواقع أن الدول الأوربية كانت دول ذات هوية دينية والكنيسة أصبحت تهيمن على القرار السياسي وتنصيب الملوك، وبالتالي فإن وجود كنيسة مخالفة أو ما نسميه في الشرق المذاهب والطوائف، فهو يعني بالضرورة اقتسام الأرباح والنفوذ ، فكانت الأقليات تتبع سياسياً موقف الكنيسة التي تنتمي إليها حتى لو تضارب ذلك مع مصلحة الوطن، فكانت غاية الدولة والمنظرين للمواطنة والعلمانية ليس فصل الدين عن الدولة، بل تحكم الدولة بالدين بحيث لا تجد الدولة أقلية ما توالي دولة أخرى بسبب الانتماء الديني، وكان جل هم هؤلاء خلق دين جديد هو الدولة يدين الناس به بدلاً عن المذاهب والطوائف التي تفرقهم وتفرق الوطن.
هذه النظرة ربما أصبحت قديمة بعض الشيء، وهي تحتاج لكلام كثير، لكن يمكننا أن نقول أنه بعد العولمة أصبحت الدول الغربية ذاتها في مهب الريح، وباتت أمريكا تخشى على نفسها من فقدان هويتها كما أوربا.
ولعوامل كثيرة وليس حباً بالهوية الدينية ارتفعت مرة أخرى أصوات تنتقد العلمانية بكل قسوة في الغرب ذاته، وهذا لم يولد بالصدفة ، بل كان نتيجة حتمية لفشل مشروع الحداثة وما بعد الحداثة في تقديم الحلول الدائمة .
وبات تفكك أوربا وأمريكا منظوراً وواضحاً ، وكان المشروع السياسي الجديد هو تعايش كل من التيارات الدينية الصاعدة مع التيارات العلمانية في الغرب، وهناك شعور أن المطلوب هو القبول بالآخر والقبول بمرحلة انتقالية لمرحلة لا نعلم شكلها لكن قبول الآخر أفضل من التغيير الشامل غامض النتائج.
هنا ما يهمنا لماذا يريد عزمي بشارة من الشعب التونسي أن يتفهم التغيرات الجديدة، ويفهم حقيقة العلمانية ومعرفة سياقاتها التاريخية، بل إن عزمي مدح الخليفة العثماني الذي سبق أتاتورك وقال إن جهود ورياح التغيير قد بدأت من عهده، إذن فمن أسس للعلمانية هم العثمانيون أجداد أردوغان ، وكان راشد الغنوشي يتأمل هذا الكلام بكثير من الترحاب وكما مدح هنتنغتون أردوغان في تركيا مدح عزمي بشارة جد أردوغان .
يمدح عزمي بشارة بكثير من العبارات الأحزاب الدينية وخاصة الإخوان المسلمين في مصر وفي تركيا وفي تونس، ومجد كثيراً حزب العدالة والتنمية في تركيا ، وبرر وجود أحزاب دينية كالحزب المسيحي في ألمانيا، بل كان عمله دقيقاً في مهاجمة الفكر السائد للعلمانيين ورفضهم للأحزاب الدينية، بأن العلمانية كذلك تقدس لزعيم وتقدس مفاهيم علمانية كما القداسة لدى الآخر، وبالتالي حيادة الدولة بخصوص الدين لا تمنع بحسب عزمي بشارة وصول تيارات دينية تقدس مفاهيم معينة لكنها تمنع هذا الحزب أو غيره من فرض هذه القداسة على الشعب.
هناك دور دقيق للمبشر المبيض عزمي بشارة في عمله في تونس، كما إن له دور دقيق في الملتقى المسيحي الذي انعقد في قطر، ولماذا تهتم قطر بشؤون المسيحيين.
لا شك أن هذا الجهد الفكري هو من بيوتات فكرية كتشتام هاوس ومعهد راند ومعهد بروكنغز وغيرهم من المعاهد الماسونية التي تنام بأحضان قطر ، لكنها تعمل في الخلفية.
في قطر يقول عزمي بشارة لا بد أن نصدح أن هناك مسألة مسيحية بحكم القتل الذي يتعرض له المسيحيون في مصر ، وكأن عزمي بشارة لم يرى أعداد القتلى من المسلمين في مصر.
لكن الفكرة هي صناعة مظلومية قبطية في مصر تحمي بشكل دولي ومن ثم قد تكون في لحظة بورما ما، للضغط على حكومة مصر وابتزازها سياسياً.
من شارك من المثقفين المسيحين عن حسن نية ربما ، لا يعرف أن عزمي بشارة بأموال قطرية إخوانية وتوجيه صهيوني ماسوني يريد أن يغسل عقولهم فيشكل جنوداً يظنون أنهم يدافعون عن حقوق المسيحيين بينما هم يدافعون عن مآرب ماسونية إخوانية ضد مصر.