في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة لمغادرة آخر جنودها من أفغانستان ، بطريقة وصفها الكثيرون بالمذلة والمهينة ، بدأت إدارة بايدن ومنذ مدة الاستعداد لخروج قواتها القتالية من العراق قبل نهاية العام ، وما سيتبعه او يرافقه لخروج قواتها من شرق الفرات ، وما يعنيه ذلك من فراغ عسكري سينعكس على نفوذها وحلفائها في المنطقة سياسيا وعسكريا واقتصاديا واستراتيجيا ..
وضمن هذا الإطار طرح بايدن ما بات يعرف بالاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة ، وما يهمنا منها في هذا المقال الاضاءة على المخخط الامريكي الذي يجري العمل عليه في منطقتنا وعن ادواته
▪️ السيسي والمخطط الامريكي :
عملت الولايات المتحدة على الزجّ بالسيسي في ثلاثة مواقع كرأس حربة لمواجهة محور المقاومة وهي :
1-الساحة اللبنانية
2- الساحة الفلسطينية
3- الساحة العراقية
▪️ مؤشرات ودلائل :
في الساحات الثلاث يحاول السيسي ان يقدم نفسه كمخلّص قادر على تحجيم الدور "الايراني السوري" من خلال تقديم بدائل امنية واقتصادية ..
على الساحة اللبنانية : شاهدنا زيارة لقائد الجيش اللبناني الى القاهرة بناء على دعوة من الجانب المصري والاستقبال والحفاوة التي حظي بها من قبل السيسي وقيادة الجيش المصري ، ثم تلا ذلك العرض الذي قدمته السفيرة الامريكية في بيروت بإسم مصر لتزويد لبنان بالغاز المصري والكهرباء كبديل عن النفط الايراني ..
على الساحة الفلسطينية : صال مدير المخابرات المصرية "عباس كامل" وجال كثيرا بالتنسيق مع قيادة كيان العدو الصهيوني للوصول الى وقف اطلاق النار في معركة سيف القدس الاخيرة ، وشاهدنا جميعا قوافل من شاحنات المساعدات تدخل عبر معبر رفح الى غزة تم تزيينها بصور السيسي وتقديمها كهدية من السيسي للشعب الفلسطيني ، مع تعهد بإعادة إعمار قطاع غزة ، بموافقة اسرائيلية .
على الساحة العراقية : وبعد عودة الكاظمي من واشنطن حاملا معه فكرة مشروع "الشام الجديدة" ، عاجل السيسي بالتوجه الى الاردن للاجتماع مع الكاظمي والملك عبدالله ، لتحويل الفكرة الامريكية الى واقع ، وطرح السيسي في القمة الاولى تلك ، موضوعات الكهرباء والغاز والطاقة والسكك الحديدية ، مع العلم ان ايران تعتبر المزود الاساسي للعراق بالكهرباء ، وان مشروع نقل النفط العراقي عبر سورية الى لبنان والبحر المتوسط كان مطروحا في تلك الفترة ..
▪️ خطيئة كبرى :
ما ذكرناه أعلاه ليس سوى تبسيط وتلخيص لبعض المؤشرات والخطط التي ظهرت للعلن ، وليس مشروع الشام الجديدة سوى غطاء لكل ذلك ، والحقيقة هي ان محورا صهيوأمريكيا جرى تلزيم قيادته لعبد الفتاح السيسي ليكون نواة لحلف كبير ، لمواجهة محور المقاومة ومحاصرته وتقطيع أوصاله ، والتفرد بمكوناته والتغلغل داخل الدول التي تنتمي إليه ، على ان تبقى الولايات المتحدة وكيان العدو خارج هذه اللعبة من الناحية الاعلامية لإعطائها بعدا قوميا وعربيا ليسهل تمريرها لدى شعوب المنطقة المستهدفة ..
إذا السيسي وفي تحوّل خطير ومغامرة كبرى لم يسبق لأي زعيم مصري أن تجرأ على فعلها ، تبنى خيارا استراتيجيا خاطئا ، بل ارتكب خطيئة كبرى لم يسبقه إليها أحد ، ويمكن تلخيصها تحت عنوان ( قيادة محور صهيوأمريكي لمواجهة أعداء اسرائيل في المنطقة ومنهم سورية قلب العروبة النابض ) ..
▪️ خطوات ما قبل التنفيذ :
هذه الخطيئة السيساوية سبقها العديد من المواقف والإجراءات والسياسات استعدادا لتنفيذها ، ومنها :
- ظهور السيسي كعرّاب لاتفاقات التطبيع الابراهيمية الصهيونية.
- انشاء منتدى غاز شرق المتوسط كنواة لتكتل اقتصادي سياسي شرق متوسطي يضم الى جانب مصر كل من "اسرائيل" والاردن وسلطة عباس وقبرص وفرنسا والولايات المتحدة وغيرهم ، وهذا المشروع ليس سوى توسعة واستكمالا لمشروع غاز "ايست ميد" الاسرائيلي.
- رهن مصر للبنك الدولي.
- التفريط بالحديقة الخلفية لمصر ،وأقصد السودان ، وتسليمه على طبق من ذهب للولايات المتحدة و"اسرائيل" .
- القبول بالاخوان المسلمين في ليبيا والصمت على وصولهم لرئاسة الحكومة الليبية ، وإسقاط شروط مصر للمصالحة مع قطر ، وعودة العلاقات معها على اعلى المستويات وبدء حوار مع تركيا .
- عرقلة عودة سورية للجامعة العربية بما يسهم في استمرار ازمتها والحصار عليها وتعميق الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها بهدف استقطاب صناعييها وتجارها لتفريغها من رؤوس الاموال العاملة بها .
▪️انفضاح المخطط :
لقد كان لخطابات سيد المقاومة الأخيرة دورا بارزا في انكشاف المخطط ، فمنذ خطابه الأول الذي أعلن فيه عن امكانية استيراد النفط الايراني في حال استمرار الحصار ومنع حصول لبنان على المشتقات النفطية ، الى خطابه الذي أعلن فيه انطلاق الناقلة الاولى من ايران باتجاه لبنان واعتبارها أرضا لبنانية ، اضطرت الولايات المتحدة الى كشف نواياها ونوايا عملائها ، عندما عاجلت السفيرة الامريكية في بيروت بتقديم طرح باسم مصر في مخالفة لكل الاعراف الدبلوماسية ، وعاجل الكاظمي الى الدعوة الى مؤتمر بغداد في خطوة أجمع الجميع أنها جاءت بطلب أمريكي ، ومن المفارقات التي كان لها دور في افتضاحهم كان معاجلة السيسي لاغلاق معبر رفح بعد أن تم قنص جندي اسرائيلي من مسافة صفر ، والشكر الذي حظي به من قبل الصحافة والاعلام الصهيوني مقابل الاغلاق .
▪️مواجهة المخطط :
من السذاجة الاعتقاد بأن محور المقاومة قد فوجئ بما يجري الإعداد له ، ربما تكون المفاجأة إن وجدت هي في قبول السيسي بارتكاب هكذا خطيئة ، او بسرعة تنفيذها ، فلطالما حافظت مصر على الخطوط الحمر في علاقاتها مع محور المقاومة وعلى الأخص دمشق ، وليس من السهل التصديق بقبول القيادة العسكرية المصرية بالدخول في هكذا مخطط ، غير ان الحقيقة تقول أن القرار المصري انتقل من المؤسسة العسكرية الى دائرة الخارجية التي يديرها وزير الخارجية "سامح شكري" والمعروف بنهجه وسياسته المؤيدة للذهاب بالعلاقة مع الغرب وكيان العدو الى ابعد مدى ممكن .
وبناء عليه فإن محور المقاومة ما كان ليرد على مصر بأفعال حكامها ، فلطالما كان شعاره ( المهم بالنسبة لنا أن تكون مصر بخير ) ، وكان لا بد من اللجوء لخيارات دفاعية تكتيكية أو استراتيجية بدأها سيد المقاومة بالمواجهة الاقتصادية عندما أعلن عن انطلاق ناقلات النفط من ايران الى لبنان ، ليتبع ذلك التلويح بالمواجهة العسكرية في حال التعرض لها ، الأمر الآخر كان ملف درعا والجنوب السوري وما يعنيه والحشود التي أرسلت للجنوب وفق توقيت مدروس جعل من الاميركي الذي يحط رحاله في الاردن والاسرائيلي معه في حالة ارتباك . ليعلن بعد ذلك وزير الخارجية الايراني ومن قلب العاصمة العراقية بغداد ، ومن مؤتمر القمة الذي جهدوا لعقده على عجل ، عن حتمية العلاقة الايرانية العراقية وعن الدور المحوري لسورية ، ثم ليحط رحاله في دمشق معلنا من مطارها عن ثقته بحتمية القدرة على مواجهة الارهاب الاقتصادي الذي تمارسه قوى الاستكبار على البلدين ، ثم يتبعه كلام وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الذي جزم بأن هزيمة الولايات المتحدة في افغانستان سيتبعها هزيمتها في سورية كلام الوزيرين الحليفين سيتبعه خطوات واجراءات جديدة وخاصة في المجالين الاقتصادي والميداني ، بل يمكن القول ان قرار كسر الحصار والتحرير قد اتخذ مهما كان الثمن.
▪️أخيراً:
من المسلم به أن الولايات المتحدة والصهيونية ، تضحّي بعملائها الاكثر وفاء لها والشواهد على ذلك كثيرة ، فكيف هو الحال بمن يفشل في تنفيذ ما هو مطلوب منه . ولأن فشل هذا المخطط حتمي لا محالة ولأسباب كثيرة ليس أولها التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا ، وليس آخرها القدرات التي يتمتع بها محور المقاومة ، لأجل كل ذلك فإن على السيسي ان يقرأ التاريخ والحاضر جيدا ، وله في أسلافه كالسادات و مبارك ، عبرة كافية .