أعاد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تجديد استراتيجية الأمن القومي، بحيث راعت بعض المتغيرات الدولية والإقليمية التي تشكل رصداً حيوياً لها، وأتت التعديلات المضافة على وثيقة 2015 بما يتناسب ويتماثل كردّ على وثيقة الأمن القومي الأمريكية التي أقرها جو بايدن مطلع تسلمه لسلطاته الدستورية.
فقد تعرضت الأولويات الروسية لمراجعة واسعة، مع الأخذ في الاعتبار التحديات والتهديدات الجديدة التي واجهتها مؤخراً، حيث وضعت بعض البلدان والتكتلات الدولية والإقليمية ضمن مصادر التهديد، أو ضمن البلدان التي تعد خصماً عسكرياً. واللافت أن الوثيقة وضعت الأولوية لتعزيز التحالف مع الصين والهند، كما ركزت الاستراتيجية على حماية الشعب الروسي، وتطوير الإمكانات البشرية، وتحسين نوعية الحياة والرفاهية ، وتعزيز القدرة الدفاعية للدولة، ووحدة المجتمع وتماسكه، وكذلك تحقيق أهداف التنمية الوطنية، وزيادة القدرة التنافسية والمكانة الدولية.
وشددت الوثيقة على حماية الأسس التقليدية للمجتمع عبر مواجهة الاحتواء الخارجي، واستغلال المشاكل الاجتماعية والاقتصادية لتدمير الوحدة الوطنية وتأجيج الاحتجاجات ذات الطابع الراديكالي واستخدام الأساليب غير المباشرة لإثارة عدم الاستقرار على المدى الطويل.
ورأت الوثيقة أن تشويه المعلومات ومحاولات التخريب النفسي والتغريب الثقافي من شأنها مضاعفة خطر فقدان روسيا لسيادتها الثقافية، وتشويه الحقائق، وتدمير الذاكرة التاريخية، والتحريض على النزاعات العرقية والدينية، وإضعاف مكونات الدولة والاستقرار السياسي، واعتبرت أن تحديث الاقتصاد وتطوير الصناعة يهدفان إلى جعل روسيا دولة قادرة على اتباع سياسة خارجية وداخلية مستقلة تقوم على المقاومة الفعالة لمحاولات الضغط الخارجي. وبذلك شددت الوثيقة على إقامة مزيج متناغم من الدولة القوية ورفاهية الإنسان.
وأكدت الوثيقة في القضايا الدولية أن زيادة عدد مراكز التنمية الاقتصادية والسياسية العالمية ستسهم في تشكيل قواعد ومبادئ جديدة للنظام العالمي، لذلك لا بد من مواجهة رغبة الدول الغربية في الحفاظ على هيمنتها، وبروز أزمة النماذج الحديثة وأدوات التنمية الاقتصادية، وزيادة الاختلالات في تطوير الدول، وزيادة مستوى عدم المساواة الاجتماعية، فضلاً عن منحى إضعاف تأثير المؤسسات الدولية وانخفاض فاعلية النظام الأمني العالمي.
وحاولت الاستراتيجية الجديدة إثبات قدرة روسيا على تحمّل ضغوط العقوبات الخارجية، حيث يتواصل العمل لتقليل الاعتماد على الاستيراد في قطاعات الاقتصاد الرئيسية ، كما زاد مستوى الأمن الغذائي وأمن الطاقة. ولحماية المصالح الوطنية من التهديدات الخارجية فمن الضروري زيادة كفاءة استخدام الإنجازات الحالية والمزايا التنافسية.
ورأت الوثيقة أن التهديدات العسكرية لا تزال تتنامى، وبالتالي لروسيا الحق في اتخاذ إجراءات متكافئة رداً على الإجراءات غير الودية. ووفقاً للوثيقة، تعتزم روسيا العمل على إزالة ومنع ظهور بؤر التوتر والصراعات في أراضي الدول المجاورة، معتبرة أن الولايات المتحدة الأمريكية تتبع مساراً ثابتاً للتخلي عن الالتزامات الدولية في مجال الحد من التسلح، وبالتالي فإن النشر المخطط لصواريخ أمريكية متوسطة وقصيرة المدى في أوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادي يشكل تهديداً للاستقرار الاستراتيجي والأمن الدولي.
وبسبب تصاعد التوتر في فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وشبه الجزيرة الكورية، ستضع الاستراتيجية الروسية مهام خاصة من أجل الدفاع المسلح عن الاتحاد الروسي وسلامة وحرمة أراضيه، عبر إيلاء اهتمام خاص لمهام، من بينها تحديد المخاطر والتهديدات العسكرية الحالية والمحتملة في الوقت المناسب، وتحسين نظام التخطيط العسكري، والحفاظ على إمكانات الردع النووي عند مستوى كاف.
وأضافت الاستراتيجية الجديدة الأمن السيبراني إلى قائمة الأولويات القومية الاستراتيجية للدولة الروسية، نظراً لاستخدام عدد من الدول الأجنبية تكنولوجيات تقنية المعلومات للتدخل في شؤون البلاد الداخلية وتسجيل زيادة ملموسة في عدد الهجمات السيبرانية ضد روسيا.
ويبدو واضحاً أن ضبابية نتائج القمة الروسية الأمريكية الأخيرة أكدت الخطوط العريضة التي تضمنتها الوثيقة، والتي تشي بأنه ليس هناك تقدم نحو مرونة العلاقات الثنائية، وبالتالي ثمة مزيد من الوقت ستستغرقه العلاقات لكي تكون مرنة ومريحة للطرفين.