تبدو أحداث تونس الأخيرة مؤشراً على سقوط واضح لجماعة الإخوان المسلمين، التي تضلل الناس والشعوب بالأسماء البراقة مثل «النهضة» و«العدالة والتنمية» و«الحرية»، بعد أن حَدَثَها الغرب بأصول النفاق والكذب، لا بل هي من يدرّس العالم كله قواعد النفاق والدجل باسم اللـه والدين.
كنت قد كتبت أكثر من مرة في صحيفة «الوطن» عن شروط الاتفاق، الذي تم بين التنظيم العالمي للإخوان والولايات المتحدة الأميركية في عهد باراك أوباما- هيلاري كلينتون، لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، تحت عنوان براق اسمه «الربيع العربي»، وذكرت أن شروط هذا الاتفاق ثلاثة:
• أمن كيان الاحتلال الإسرائيلي.
• طرد روسيا، والصين، وإيران.
• ربط اقتصادات بلدانهم بالمنظومة الأميركية.
وإذا عدنا فقط بالذاكرة سنجد أن رئيس النظام التركي رجب أردوغان الذي اعتبره الأميركيون مرجع زعامات الإخوان كلها، نفذ ما هو مطلوب منه، سواء اقتصادياً أم سياسياً، أو بالعدوان والاحتلال ضد سورية، وكانت زعامات الإخوان كلها تراجع معلمها في إسطنبول «الغنوشي مثلاً»، خرج من اجتماع مجلس الأمن القومي التونسي من دون أن يعلم أحداً من قيادات الدولة، ليلتقي أردوغان مباشرة، وهو ما أثار ضجة هائلة داخل تونس، ومحمد مرسي حضر مؤتمراً لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وهو بموقع رئيس جمهورية مصر العربية تعبيراً عن الولاء لأردوغان، ونتذكر أنه أعلن «الجهاد» ضد سورية، لكنه أرسل رسالة لشمعون بيريز قال فيها: «عزيزي السيد بيريز»…
وأما قيادات حماس فقد انتقلوا من دمشق حيث عاشوا مرحلة ذهبية وفقاً لوصف المنافق خالد مشعل إلى إسطنبول والدوحة، حيث أحضان الأطلسي و«الموساد»، ولم يخجل إسماعيل هنية في شكر تركيا وقطر، بعد معركة سيف القدس وهو يعلم أن غرفة العمليات التي كانت توجه الصواريخ للأهداف الإسرائيلية كانت في الضاحية الجنوبية، وبمشاركة سورية- إيرانية، ومع ذلك شكر غرف عمليات الناتو في تركيا والدوحة.
أما إخوان سورية فقد كانوا يقفون خلف كل تفاصيل ما حدث في البلاد، وزعيمهم أردوغان كان يكذب كعادته حينما كان يقول إننا طالبنا الرئيس بشار الأسد بالإصلاحات، وأوفدنا داوود أوغلو للحديث معه حول ذلك، ولكي يعرف السادة القراء الحقيقة، عليهم أن يعلموا أن أردوغان وطاقمه الإخواني لم يطلب بالمطلق أي إصلاحات وطنية، وإنما كان يطالب بإدخال الإخوان ضمن منظومة الحكم في سورية، لأن مفهوم الإصلاح لديه يرتبط بوجود الإخوان، وبالتالي كل ما روجوا له من شعارات براقة، أدى إلى ما شهدته سورية من دمار وتهجير وكوارث، لا بل إن عمالتهم وحقدهم وارتباطهم الخارجي لم تتوقف للحظة ضد أمن بلدهم وشعبهم، وبالمناسبة فإن الصدام مع الإخوان في سورية ليس جديداً، لكنه الأعنف والأكثر شراسة وعدوانية خلال مرحلة 2011-2021، في حين أن الصدام الأول جرى معهم في خمسينيات القرن الماضي، دستور 1950، ثم تحول إلى صدام آخر في ستينيات القرن الماضي، وما بين 1978- 1982 مع كامب ديفيد، والأحداث الأخيرة التي كان وراءها مشروع عالمي.
اكتشف التوانسة سفالة الإخوان وأسقطوهم، والمصريون كذلك، لكن السوريين هم الذين واجهوا ببسالة وشجاعة نادرتين هذا المشروع الإخواني على مستوى المنطقة، الذي استخدمت فيه كل أشكال التوحش الإخوانية من داعش وجبهة النصرة وغيرهما، لأن الإخوان هم الرحم الأساسية لتوليد وتفريخ التطرف والعنف والقتل في المجتمعات كلها، وخطورتهم تكمن في أنهم:
• مشروع عالمي مرتبط وعميل.
• يستخدمون الدين للوصول إلى السلطة.
• لا يؤمنون بالأوطان.
• مذهبيون وذوو عقول مغلقة.
• جزء من شبكة مالية، وإقليمية، ودولية تصل إلى مراكز القوى العالمية.
والأهم من ذلك كله أنهم ينكرون، ويتنكرون لعروبتهم، ويواجهون كل ما هو عربي، أو كل من يؤمن بالفكر العروبي والقومي، في ظاهرة غريبة وشاذة ينكر من خلالها هؤلاء هويتهم الوطنية والقومية، على عكس ما نراه في تركيا مثلاً حيث يتقدم القومي على الديني.
لقد كشفت أحداث تونس حجم الضرر الذي جلبه هؤلاء لمجتمعهم وشعبهم، ويرى الخبراء في الحركات الإسلامية أن سقوط الإخوان في تونس يعتبر الضربة القاتلة للتنظيم الدولي، وستكون له تداعيات على مستوى المنطقة في ليبيا مثلاً، ولاحقاً رأس الأفعى في تركيا، حيث يحاول الحزب الحاكم الانسحاب النسبي من هذا الملف، ولكنه كان الأكثر قلقاً من أحداث تونس، كما كان قلقاً من سقوطهم في مصر، وسحقهم في سورية، وتفكيك شبكاتهم في الإمارات والسعودية، وسقوط القناع الأخير لهم، بالرغم من أن سورية حذرت منذ البداية من مخاطر هذا المشروع على دول المنطقة وشعوبها.
صحيح أن سقوط الإخوان في تونس وجّه ضربة قاتلة للتنظيم العالمي، لأن الإخوان أصبحوا ملفوظين على الصعيد الشعبي، وتكشّف وجههم القبيح، وانكشف نفاقهم ودجلهم، ولكن انتهاء دورهم يبدو أمراً مبالغاً فيه، خاصة أنهم جزء من شبكة عالمية لقوى هيمنة، ومال، ونفوذ، وبالتالي لابد في المستقبل من تجفيف المنابع الفكرية ومصادر التمويل، والتعاون بين دول المنطقة لمواجهة تنظيم يدعي أنه حامل رسالة إلهية، ولكن عقيدته تقوم على مبدأ «المغالبة لا المشاركة»، السيطرة على منظومات الحكم، وعدم قبول النقد لفكرهم وأدائهم، ومن هنا سقطوا سقوطاً شعبياً متتالياً من مصر 2013، إلى تونس 2021، ويجري تطويق دورهم الخبيث والقذر في كل مكان.
سقوط الإخوان هو سقوط لأعداء العروبة، والإسلام هو سقوط لتنظيم متطرف في طروحاته الإيديولوجية، ومقسّم لمجتمعاته، وعميل بشكل مخجل حسب أحد الباحثين في الحركات الإسلامية.
مبارك لـتونس سقوط الإخوان، وإلى أن نرى سقوطهم في ليبيا وتركيا، بكل وضوح وصراحة.