حميد حلمي زادة | كان يفترض بفرنسا والبلدان الغربية الأخرى ان تضع في الحسبان إرتداد الإرهاب الذي ساهمت في انتاجه واستيلاده بصورة مباشرة وغير مباشرة، عليها يوما من الأيام.
فما حصل في قلب باريس ليل 14 نوفمبر 2015 ومن قبل في العديد من العواصم الأوروبية طيلة السنوات العشر الماضية ، وفي 11 سبتمبر 2001 في نيويورك بالولايات المتحدة ، من أعمال ارهابية تقشعر منها الأبدان ، هو تحصيل حاصل لمختلف اشكال التدخلات التي قام بها الغربيون في شؤون العالم العربي والإسلامي.
وهي ليست تدخلات جديدة او مستحدثة بل تمتد في الماضي الى عشرات السنين وبعضها يعود الى مئات السنين وتحت ذرائع بدأت بالتجارة (مثل بريطانيا وشركة الهند الشرقية كنموذج)، والتبشير الديني وتسويق الثقافة الاوروبية ( نموذج فرنسا وترويج الفرانكفونية في دول المغرب الاسلامي وافريقيا طيلة احتلال دام في الجزائر لوحدها فترة 130 سنة) وانتهت بالاستعمار الإمبريالي الظالم بعد الاطاحة بالدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى (1914 ــ 1919).
وتعتبر فرنسا وبريطانيا مُدانتين وتتحملان أوزاراً اكثر من غيرهما من البلدان الغربية (مثل ايطاليا واسبانيا وهولندا) على مستوى تمزيق الصف الاسلامي وتقسيم المنطقة وفقا لمعاهدة "سايكس ــ بيكو" المشؤومة (عام 1916). والتي تم بموجبها اقتسام البلدان الواقعة شرق البحر الأبيض المتوسط وهي سوريا ولبنان وفلسطين وشرق الاردن وبعض مناطق الأناضول والمناطق العربية المطلة على الخليج الفارسي ، في ما بين فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية حينئذ.
لقد جلبت هذه المعاهدة الإستعمارية معظم الويلات والنكبات والدكتاتوريات الى الامة، وقامت بشرعنة اللصوصية الاوروبية ــ والأميركية في ما بعد ــ للثروات والخيرات التي حرم منها اصحابها الأصليون .وعمقت التجزئة والإحتراب والصراعات والنزاعات المختلقة بين بلدان المنطقة .
وروّجت للأفكار السياسية الغربية والتيارات العلمانية والتوجهات الإلحادية ، ودعمت احزابا ومنظمات وتكتلات معينة لممارسة السلطة والحكم والزعامة بالحديد والنار، واستنادا الى قاعدة اساسية تقوم على ابعاد شعوب الأمة عن قيم الدين والتسامح والألفة الإسلامية ، وتكريس الأنحرافات الفكرية والسياسية والأخلاقية وما إلى ذلك من السلوكيات التي تركت آثارها التدميرية في مضمار اخماد الوهج الإسلامي الأصيل وزرع روح الإنهيار والإنكفاء والتقهقر والتراخي في نفوس ابناء الأمة الإسلامية.
أما المشروع الأسلامي الوحيد الذي حظي بمساندة الإستعمار القديم ، فقد تمثّل بنموذج يمسخ العقيدة الأسلامية مسخا ويجسد الجاهلية العربية الأولى بأجلى صورها ، ألا وهو "اسلام آل سعود الأجلاف " الذي جاء به البريطانيون وحلفاؤهم الى السلطة وفَرض حُكمه الفظّ على أطهر بقاع الأرض قدسية وأمنا وكرامة ، أي في بلاد الحرمين الشريفين مكة المكرمة والمدينة المنورة ومنازل الوحي الإلهي المباركة.
كما زُرع الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين إرغاما للأمة الإسلامية والعربية على قبول المهانة والذل والخنوع ، وسيفا مصلتا على شعوب المنطقة ، مُتسلِحاً بالعدوان والإحتلال والعسف وجرائم الحرب اللاإنسانية منذ نحوسبعة عقود وحتى يومنا هذا ، دون ادنى عقاب أو مساءلة من قبل أدعياء "الشرعية الدولية" و"مجلس الأمن" و"القرارات الأممية".
وبموازاة دعم الممارسات الإرهابية ل" اسرائيل" المجرمة ، اطلق الاستكبار العالمي أيدي الوهابيين في ترويج "اسلامهم الفتنوي والتكفيري والمتزمت والقاتل" ، مستغلين أموال النفط والتزكية الصهيوغربية ، ليكون هو المتحدث الرسمي الوحيد باسم رسالة إمام الرحمة وشفيع الأمة وسيد المرسلين النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). "الإسلام" الذي يفتي بالموت والقتل والفناء لكل من يخالفه ، كما يبارك بل ويُشرعِن سياسات آل سعود العميلة السائرة على خطى اسيادهم الغربيين والملبية لجميع مشاريعهم وبرامجهم الجهنمية، وفي مقدمتها تشويه الاسلام المحمدي الأصيل ومسخ التسامح الديني والاُخوّة الإيمانية وتكريس الطائفية والمذهبية ، وتمويل المدارس الدينية المنحرفة ، وتسليح أفراد الجماعات والتيارات المتطرفة وتزويدهم بالفتاوى الباطلة المحرّضة على الغدر والفتك بالأبرياء وإراقة الدماء وتسعير النعرات.
وعلى سبيل المثال فقد قُتل الآلاف من المؤمنين من أنحاء العالم يوم 10 ذي الحجة 1436 هجرية في ابشع مجزرة وقعت خلال (مناسك مشعر منى) جراء سوء تدبير آل سعود واستهانتهم بأرواح ضيوف الرحمن في البلد الأمين.
فما لبث أن اصدر أشباه العلماء الوهابيون "الفتوى النفاثة" التي حمّلت الحجيج الأبرياء مسؤولية ما حلّ بساحتهم من هلاك وموت بشِعين ، وبرّأوا ساحة الحكام السعوديين العصاة من أي تقصير، رغم أنهم خانوا أمانة الحفاظ على أرواح حجاج بيت الله الحرام . ومع هول هذه الجريمة النكراء اسبغ علماء السوء عليهم آيات الشكر والثناء والإشادة على "نجاحهم الباهر" في " ادارة موسم الحج الدامي سنة 1436 هجرية ".
وفيما حصدت التفجيرات الإرهابية والهجمات الإجرامية التي نفذتها وما زالت تنفذها داعش والقاعدة وبوكو حرام وطالبان و"لشكر جنك جو" ومثيلاتها ــ وهي كلها ولادات مشوهة وغير شرعية خرجت من رحم الوهابية المُضلّة ــ أرواح مئات الآلاف من المسلمين والعرب في العراق وسوريا ولبنان وافغانستان واليمن والبحرين والباكستان وكشمير وليبيا وتونس وانحاء مختلفة من افريقيا وآسيا ، وشرّدت الملايين منهم في شتى بقاع الأرض ، فإنه لم تتألم ضمائر علماء السوء والتكفير والفتن في المملكة العربية السعودية العتيدة، ولم يكلفوا انفسهم عناء إدانة هذه الممارسات الغادرة والجبانة ، فضلا عن اصدار فتاوى تحرّمها باعتبارها عدوانا صارخا على حياة الأبرياء والآمنين من العرب والمسلمين؟!
وکیف لهم ان ُیحرّموها وهي نتاج عقائدهم الفاسدة وفتاواهم الشيطانية ومدارسهم المتحجرة والمجردة من القيم والأخلاق النبيلة ؟!
لكن التناقض كل التناقض شوهد بشكله المفضوح من قبل وعاظ السلاطين الوهابيين عندما سارعوا وبإيعاز من أسيادهم آل سعود ـ وكلاهما عملاء لبريطانيا وأميركا والكيان الصهيوني ــ الى اصدار فتوى أدانت فيها تفجيرات " داعش الإرهابية " في قلب العاصمة الفرنسية باريس ليلة 14 نوفمبر المروعة " معتبرة ان الأعمال الإرهابية لا يقرها الإسلام وتتنافى مع قيمه والتي جاءت رحمة للعالمين" !!!؟.
بيد ان الطامة الكبرى في بيان ما يسمى ب " هيئة كبار العلماء في السعودية" ، تمثلت في اكذوبة هذه الهيئة الغير محترمة والغير معترف بها من قبل عموم الامة الاسلامية .. الأكذوبة التي حمّلت القيادة السورية المناضلة " مسؤولية إرهاب داعش الوهابية المنشأ والتمويل والتسليح" في باتاكلان ومختلف أحياء باريس المزدحمة بالمواطنين الأبرياء
.