تكشف السياسة الإسرائيلية التي تتمسك بأغوار الضفة الغربية عن سعي "إسرائيل" المتواصل لعدم قيام دولة فلسطينية مهما كان شكلها وقد عبّر عن ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون بقوله: "لا مجال لإقامة دولة ثالثة بين إسرائيل والأردن، فالأردن هو فلسطين".
تعتبر دراسة "السياسة الاسرائيلية تجاه الأغوار وآفاقها" للدكتور أحمد حنيطي، من الدراسات القليلة التي تناولت سياسة الاحتلال الإسرائيلي في منطقة الأغوار باعتبارها جزءاً من المنطقة “ج” التي تخضع، بحسب اتفاق أوسلو، لسلطات الاحتلال الكاملة، وتعتبرها "إسرائيل" بوابة الدفاع عن "حدود الكيان" الشرقية.
اعتمد حنيطي في إعداد دراسته، التي أصدرتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت، على الإحصاءات الفلسطنية والإسرائيلية والدولية المتعلقة بالموضوع، والخطط والبيانات والتقارير والتصريحات الإعلامية، ودراسة حالات من سكان الأغوار الفلسطينيين وإجراء مقابلات مع الاهالي.
يؤكد حنيطي في دراسته بأن أيدلوجيا الأرض وتخليصها من الأغيار تحتل مكانة متجذرة في الفكر والعقيدة الصهيونيين. فقد وصف أحد اَباء الإستيطان في فلسطين المحتلة أوشسكين هذه الإستراتيجيا في سنة 1904 كما يلي:
"من أجل تأسيس حياة مستقلة للطائفة اليهودية أو الأصح، تأسيس دولة يهودية في فلسطين من المحتم بالدرجة الاولى أن تكون جميع أراضي فلسطين أو معظمها ملك شعب إسرائيل. ومن دون حق ملكية الأرض، لا تكون فلسطين يهودية أبداً، مهما يكن عدد اليهود في المدن والقرى.. ولكن كيف يمكن الحصول على ملكية الأرض حسب الأساليب المتبعة في العالم؟ بإحدى الطرق الثلاث التالية فقط: بالقوة بواسطة الاحتلال العسكري أو بمعنى اَخر اغتصاب الأرض من أيدي أصحابها، ثانياً: بالقسر أي مصادرة الأراضي على أيدي الحكومة، وثالثاً بشراء الأراضي من أصحابها باختيارهم".
تتمسك "إسرائيل" بالأغوار لدواعٍ أمنية على الرغم من اتفاقيتي السلام مع الأردن في الشرق ومع مصر في الجنوب. فبعد احتلال الأغوار في حرب 1967، تم طرح خطة يغال اَلون وزير العدل الإسرائيلي حينها. والتي تم تعديلها من دون المس بجوانبها الأساسية:
"أما الحد الغربي لشريط غور الأردن فيجب أن يستند إلى سلسلة من المواقع الطوبوغرافية الملائمة. من خلال حد أقصى من تجنب ضم نسبة كبيرة من العرب، وبما أن الأكثرية الحاسمة من السكان في الضفة تتركز في المرتفعات الجبلية.. وبينما تكاد تكون السفوح الشرقية للجبال وغور الأردن خالية من السكان العرب، فإنه يترتب علينا تأمين سيطرتنا الكاملة القانونية والإستراتيجية على امتداد الشريط الأمني الذي أقترحه كشرط مطلق لازم لأية تسوية".
يوضح مؤلف الكتاب أن الأسس التي بنيت عليها خطة اَلون ليست أمنية بحتة بل تستند أيضاً إلى توسعة أرض دولة الاحتلال الإسرائيلي بضم مزيد من الأراضي وفق المعادلة الصهيونية: أرض أكثر وعرب أقل". وتعتبر منطقة الأغوار وفق هذه المعادلة منطقة حيوية للكيان الإسرائيلي.
تكشف السياسة الإسرائيلية التي تتمسك بالأغوار عن شيئين: الأول سعي "إسرائيل" المتواصل لعدم قيام دولة فلسطنية أياً يكن شكلها وقد عبّر عن ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون بقوله: "لا مجال لإقامة دولة ثالثة بين إسرائيل والأردن، والأردن هو فلسطين".
والثاني: شكّلت الأغوار شريطاً أمنياً في بداية الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية في وجه أي محاولات عربية لشن حرب عليها. فبعد نحو أقل من عقد على الاحتلال، أصبحت تقام فيها مستوطنات مدنية واقتصادية مع تمكينها من تحقيق الأمن: إذ كان النشاط الإستيطاني في بدايته يتمثل بإقامة مراكز أمنية عسكرية لحماية المنطقة، لكنها سرعان ما تحولت إلى مستعمرات مدنية زراعية توسعت على حساب الأراضي القلسطينية التي تم طرد سكانها الفلسطينيين منها.
وينقل المؤلف عن العديد من المصادر، بأن الإدعاء الإسرائيلي بشأن الإحتفاظ بوادي الأردن لضرورات أمنية هي بمثابة حجج واهية. ويذكر أن "المجلس الإسرائيلي للسلام والأمن" كان أصدر وثيقة بعنوان "وثيقة المجلس في موضوع الحدود القابلة للدفاع" وهي عبارة عن النقاش بشأن التهديدات التي تواجه "إسرائيل" حالياً، ومكانة غور الأردن ضمن هذه التهديدات. وقد جاء فيها "أن الميزان الإستراتيجي في الشرق الأوسط تغيّر كلياً واختفى تقريباً تهديد الهجوم البري الواسع".
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو قد أعلن عام 2011 في خطابه في الكنيست قبل أسبوعين من خطابه في الكونغرس أن "حل قضية اللاجئين ستكون خارج حدود دولة إسرائيل كما ستبقى الكتل الإستيطانية تحت السيادة الإسرائيلية وسيواصل الجيش الإسرائيلي الإنتشار في منطقة الاغوار".
تضم منطقة الأغوار، وفق تقرير نشرته مؤسسة الحق سنة 2018، نحو 37 مستعمرة وبؤرة استيطانية يسكنها قرابة 10.000 مستوطن إسرائيلي أي نحو 25 في المئة من المستوطنات في الضفة الغربية.
حتى العام 1967، كان عدد السكان الفلسطينيين في الأغوار نحو 320 ألف نسمة، أما الاَن فإن عددهم حوالى 70 ألفاً بسبب إجراءات الاحتلال التعسفية ومنها: الإستيلاء على الأراضي، ومنع التطور والبناء بحجة تصنيفها مناطق مستوطنة تم تبرير إنشائها لأسباب أمنية.
هناك 35 تجمعاً فلسطينياً في الأغوار ولا يزيد عدد بعض هذه التجمعات على 5130 نسمة، ما يعني وجود ثغرة ديمغرافية لصالح الجانب الصهيوني، تعود بالأساس إلى سياسات الاحتلال التعسفية، ومنع البناء والحرمان من إمكانات التخطيط التنموي، وحجب الموارد من مياه ومساحات زراعية، ومنع الخدمات من ري وكهرباء، وغيرها في مقابل الإغراءات والتسهيلات غير المحدودة المقدمة للمستوطنين.
ووفق الخريطة السياسية للضفة الغربية والتي تتضمن البلدات الفلسطينية والكتل الإستيطانية والمناطق المصنفة (ج) وفق اتفاق أوسلو، فإن الكثافة السكانية الفلسطينية تتركز في سلسلة الجبال الوسطى الممتدة من جنين في الشمال حتى محافظة الخليل في الجنوب. ويوجد فيها أحد الخزانات الجوفية الرئيسية في فلسطين.
أما ما يسمّى إسرائيلياً "منطقة العزل الشرقية"، فإنها تضم مساحات واسعة من الأراضي ذات الكثافة السكانية الفلسطينية القليلة جداً، والتي تمتد إلى أكثر من 25 كيلومتراً عرضاً، بمحاذاة المرتفعات ذات الكثافة السكانية الفلسطينية. وبناء على هذا التصور، فإن منطقة الأغوار تشكّل الإمتداد الحيوي والإستراتيجي لـ"إسرائيل"، بما تتضمنه من خزانات مائية جوفية وموارد غنية ضرورية لاستثماراتها.
تستثمر "إسرائيل" في منطقة الأغوار في قطاعين أساسيين هما: القطاع الزراعي والقطاع السياحي. وتبلغ إجمالي المساحة المزروعة التي تستغلها المستعمرات في الأغوار 32 ألف دونم.
وعلى الرغم من ألرئيس الراحل ياسر عرفات أصدر عام 1996 أمراً رئاسياً أعتبر فيه الأغوار منطقة تطوير (أ) أي أنها يجب ان تحظى بأولوية تنموية واستثمارية. وبناءً عليه تم تشكيل "اللجنة الوزارية لتنمية الأغوار"، إلا ان هذه اللجنة لم تقم بتنفيذ أي مشروع على الارض".
تُعرف الأغوار بأنها منطقة فريدة من نوعها على المستوى العالمي من زاوية درجة الحرارة الموسمية في الشتاء والربيع والخريف، وهي أكثر جهات العالم انخفاضاً تحت مستوى سطح البحر، حيث يصل انخفاضها عن مستوى سطح البحر إلى أربعمئة متر تقريباً، وتعتبر أرضها الزراعية من أكثر الأراضي الزراعية خصوبة.
يطلق على الأغوار خزان الأمن الغذائي الفلسطيني، فهي أكبر مصدر رئيسي للدولة الفلسطينية المستقبلية. وقدر البنك الدولي أنه "إذا سمحت السلطات الإسرائيلية للفلسطينيين بالوصول إلى 500 دونم من الأراضي غير المزروعة حالياً مع تخفيف القيود الأخرى (بما في ذلك القيود على الحركة من خلال الحواجز والحصول على المياه)، فإنه يمكن لذلك أن يولد إيراداً سنوياً مقداره مليار دولار".
تبلغ مساحة الأغوار حوالى 400 كيلومتر مربع أي نحو 30 في المائة من مساحة الضفة الغربية التي احتلت عام 1967، ونحو 50 في المائة من مساحة (ج) فيها. وبحسب خطة اَلون، هو "ذلك الشريط الشرقي للضفة الغربية، إلى سهل بيسان شمالاً".